يُعَدّ الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، وقد حظي بمكانة رفيعة في قلوب المسلمين على اختلاف طوائفهم. إلا أنّ بعض المرويات التي وردت في كتب الفرق المختلفة أثارت جدلاً واسعاً حول مضمونها وما تحمله من معانٍ قد تُسيء لمكانته أو لعلاقته بأهله. من هذه الروايات ما أورده الصدوق في كتابه الاعتقادات، حيث نُقل عن الإمام علي عليه السلام قوله: «ما زلتُ مظلوماً منذ ولدتني أمي، حتى إن عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا علياً، فيذروني وما بي رمد». وتفتح هذه الرواية باباً للنقاش حول تفسيرها، وحقيقة فهمها في سياقها الصحيح، إذ يوحي ظاهرها بنسبة الظلم إلى أقرب الناس إليه، وهو ما يستلزم توضيحاً وتفصيلاً.

مختارات من مقالات السقيفة

  - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟

الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام

إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)

إلزام: لماذا الولاية ليست ضمن أركان الإسلام الخمس

روايات الشيعة في تفسير "أولي الإربة" وتناقضها

قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ:

«ما زلتُ مظلوماً منذ ولدتني أمي، حتى إن عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا علياً، فيذروني وما بي رمد».

(الاعتقادات للصدوق، ص105، باب الاعتقاد في الظالمين).

الشرح:

يستفاد من ظاهر الرواية أنّ الإمام علي عليه السلام يشير إلى سلسلة من المواقف التي تعرّض فيها للظلم منذ ولادته، حتى وإن كان هذا الظلم من باب المزاح أو المعاملة العائلية. فقوله: «منذ ولدتني أمي» أنه تعبير مجازي عن ملازمة الابتلاءات والمحن له وأنّ والدته هي أول من ظلمه0

أما ما يتعلق بذكر عقيل ـ أخيه ـ فإن الرواية تقول: «لا تذروني حتى تذروا علياً»، أي لا تكتفوا بتكحيل عيني إلا بعد أن تكحّلوا عيني علي، وكأنه أراد أن يمازح أو يلاطف، فجاء الفعل على نحوٍ يُفهم أنه نوع من الظلم البسيط أو التمييز، مع أنّ الإمام علي لا يشكو هنا بمعنى الاعتراض، وإنما يبين طبيعة ما واجهه منذ نعومة أظفاره.

إنّ هذه المروية تكشف جانباً من الأدبيات التي وظّفها بعض علماء الفرق لإظهار أنّ حياة الإمام علي كانت محفوفة بالابتلاءات منذ بدايتها، وهو ما يتفق مع سيرته التي كانت مليئة بالتحديات والمصاعب السياسية والاجتماعية والدينية. غير أنّ تفسيرها تفسيراً حرفياً بأن والدته وأخاه ظلماه ظلماً مقصوداً قد لا يكون منسجماً مع مكانتهما أو مع الروح العامة لعلاقة الإمام بأهله.

المصادر:

-      الاعتقادات، الشيخ الصدوق، ص105، باب الاعتقاد في الظالمين.

-      نهج البلاغة، خطب الإمام علي وكلماته.

-      ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة.