من المسائل التي شغلت كتب الفرق المختلفة عبر التاريخ قضية مكان دفن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد وردت روايات عديدة في مصادر الشيعة الإمامية الإثني عشرية، خاصة في كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، تتحدث عن تفاصيل دفنه والكرامات التي قيل إنها حدثت عند موته. هذه الروايات تحمل في طياتها أبعاداً عقدية وتصورات خاصة عن الأوصياء وعلاقتهم بالأنبياء، ولذلك فإن دراستها تحتاج إلى عرض نصوصها كما وردت ثم بيان مدلولها.

النصوص كما وردت في المصادر:

1 ـ روى الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام (ج 6، ص 106 ـ 107):

محمد بن أحمد بن داود القمي قال: أخبرني محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرني علي بن الحسين بن يعقوب من بني خزيمة قراءة عليه قال: حدثني جعفر بن محمد بن يوسف الأزدي قال: حدثنا علي بن بزرج الخياط قال: حدثنا عمرو قال: جاءني سعد الإسكاف فقال: يا بني تحمل الحديث؟ فقلت: نعم. فقال: حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: إنه لما أُصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن والحسين صلوات الله عليهما: «غسّلاني وكفّناني وحنّطاني واحملاني على سريري، واحملا مؤخره تكفيان مقدّمه، فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولَبِن موضوع، فألحداني وأشرجا اللبن علي، وارفعا لَبِنة مما يلي رأسي فانظرا ما تسمعان».

مختارات من مقالات السقيفة

  - هل ينفع النبي عندكم أيها الشيعة؟

الكذب والغيبة عند الشيعة من مفطرات الصيام

إلزام (إسحاق هو ذبيح الله وليس اسماعيل عليهما السلام)

إلزام: لماذا الولاية ليست ضمن أركان الإسلام الخمس

روايات الشيعة في تفسير "أولي الإربة" وتناقضه

فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس في القبر شيء، وإذا هاتف يهتف: «أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عبداً صالحاً فألحقه الله بنبيه، وكذلك يُفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتى لو أن نبياً مات في المشرق ومات وصيّه في المغرب لألحق الله الوصي بالنبي».

وهذا النص يشير بوضوح إلى أن علياً رضي الله عنه قد أُلحق بالنبي ﷺ، مما فسّره بعضهم بأنه دُفن بجواره الشريف في المدينة المنورة.

2 ـ كما جاء في تهذيب الأحكام (ج 6، ص 106):

محمد بن أحمد بن داود القمي عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من نبي ولا وصي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى تُرفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء، وإنما تُؤتى مواضع آثارهم، ويُبلغهم السلام من بعيد، ويسمعونه في موضع آثارهم من قريب».

وهذا الحديث يقرر مبدأً عاماً عند الشيعة بأن الأنبياء والأوصياء لا يبقون في الأرض، بل تُرفع أجسادهم إلى السماء، ويُزار موضع آثارهم فقط.

هاتان الروايتان تُظهران رؤية مميزة عند الإمامية الإثني عشرية حول مكانة الأوصياء بعد الأنبياء. ففي الرواية الأولى نلحظ الربط المباشر بين علي رضي الله عنه والنبي ﷺ، وأن الله ألحق الوصي بالنبي ولو اختلف موضع الوفاة. أما الرواية الثانية فهي أكثر عمقاً من الناحية العقدية، إذ تنفي بقاء أجساد الأنبياء والأوصياء في الأرض، وتؤكد رفعهم إلى السماء، فيصبح ما يُزار إنما هو موضع الأثر لا الجسد.

المصادر:

الطوسي، تهذيب الأحكام، الجزء السادس، ص 106 ـ 107.