من القضايا التي تناولها المفسرون والعلماء باهتمام بالغ مسألة تعليم الله تعالى لآدم عليه السلام "الأسماء كلها"، الواردة في قوله سبحانه:
﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: 31 33]

هذا التعليم الإلهي يمثل أساس التكريم الإلهي للإنسان، ومظهراً من مظاهر تفضيل آدم عليه السلام على الملائكة، لما أودع الله فيه من علوم ومعارف لم يمنحها لغيره. وقد تنوعت أقوال المفسرين والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت في تفسير هذه "الأسماء"، مما يفتح آفاقاً لفهم المعنى العميق لهذه الآية المباركة.

 

الروايات الواردة في تفسير تعليم الأسماء

جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (ص 119 120):

عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾، ماذا علمه؟ قال: "الأرضين والجبال والشعاب والأودية"، ثم نظر إلى بساط تحته، فقال: "وهذا البساط مما علمه".

وجاء في تفسير القمي ج 1، ص 45 46:

وأما قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ قال: "أسماء الجبال والبحار والأودية والنبات والحيوان". ثم قال الله عز وجل للملائكة: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فقالوا كما حكى الله: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾، فقال الله: ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾، فقال الله: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، فجعل آدم عليه السلام حجة عليهم.

وفي تفسير العياشي (ج 1، ص 32 33):

عن الفضل بن عباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ ما هي؟ قال: "أسماء الأودية والنبات والشجر والجبال من الأرض".

دلالات الروايات:

تشير هذه النصوص إلى أن تعليم آدم الأسماء كان شاملاً لمفردات الكون التي تحيط بالإنسان من جبال وبحار وأودية ونباتات وحيوانات، وحتى ما هو من قبيل المصنوعات كالفرش والبُسط. وهذا يبرز شمولية العلم الذي أودعه الله في آدم، والذي جعله قادراً على التعبير والتسمية والتعريف بما يحيط به، مما يمثل ميزة عظيمة للإنسان وسبباً لتكريمه.

كما أن إخبار آدم للملائكة بهذه الأسماء كان دليلاً على أهليته للاستخلاف في الأرض، وأنه يمتلك من العلوم والمعارف ما يجعله أقدر على أداء هذه المهمة من غيره.

خاتمة
إن تعليم آدم عليه السلام "الأسماء كلها" يكشف عن جانب من الحكمة