من أعظم القضايا العقدية التي يجب على المسلم أن يحسمها في قلبه وعقله، هي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وكماله، إذ لا يجوز بحال أن يُنسب إليه ما يقدح في نبوته أو مكانته عند الله. فالرسول صلى الله عليه وسلم معصوم عن الخطأ والخلل العقلي، وهو صفوة الخلق، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى]النجم: 3-4[.

وقد وردت في بعض كتب الشيعة رواية تقول: "فنظرت إلى شيء ذهب منه عقلي فاستقبلت الأرض بوجهي ويدي..."، وهي رواية صحيحة في كتب الشيعة في كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام لمحمد حسن النجفي - الجزء العاشر باب كتاب الصلاة- ص 184، وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الرواية بلفظها صريحة في نسبة ذهاب العقل إلى النبي، والعياذ بالله، وهو ما يُشكل طعنًا مباشرًا في العصمة والوحي، وإسقاطًا لمقام النبوة الذي قام على الكمال والسمو.

الرواية كما وردت في كتب الشيعة:

فاستقبلت الأرض بوجهي ويدي فألهمت أن قلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده لعلو ما رأيت فقلتها سبعا، فرجعت إلى نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي، فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الأعلى وبحمده، وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي وعلو ما رأيت، فألهمني ربي عز وجل وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي فرفعت فنظرت إلى ذلك العلو فغشي علي، فخررت لوجهي واستقبلت الأرض بوجهي ويدي وقلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده سبعا، ثم رفعت رأسي فقعدت قبل القيام لاثني النظر في العلو، فمن أجل ذلك صارت سجدتين وركعة، ومن أجل ذلك صار القعود قبل القيام قعدة خفيفة، ثم قمت ".

نقد الرواية:

مخالفة صريحة للقرآن:

إذ لا يعقل أن يذهب عقل من وصفه الله بأنه لا ينطق عن الهوى، وأن كلامه كله وحي يوحى. ولو فُرض أنه ذهب عقله للحظة، لكان ذلك طعنًا في كل ما بلّغه عن ربه، وهذا باطل قطعًا.

القدح في مقام النبوة:

لو قُبلت هذه الرواية لكان معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرض لحالة اختلال عقلي أو فقدان وعي، وهذا ينقض أساس الرسالة، لأن النبي إنما بُعث هاديًا للبشرية بعقل راجح ووحي محفوظ.

إلزام الشيعة بما يقولون:

 الرواية بلفظها لا تقبل التأويل ولا المجاز، لأنها تنص بوضوح على عبارة "ذهب عقلي". فإذا تمسكوا بظاهرها، فهذا تكذيب للقرآن، وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم، وردة عن الإسلام، إذ أن من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذهاب العقل فقد كذّب صريح القرآن واتهم الرسول بما برّأه الله منه.

الخلاصة:

إن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب عقله هو قول باطل، ورواية ساقطة، وإن أصرّ أصحابها على حملها على ظاهرها فهم بذلك يكفرون؛ لأنهم نسبوا إلى رسول الله ما يناقض العصمة والوحي، قال تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى]النجم:2 [فالرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله، كامل العقل، سليم الإدراك، وهو قدوة البشرية ومعلمها، ومن ادّعى غير ذلك فقد كفر بالرسالة وكذّب بالكتاب.