قصة آدم عليه السلام من أعظم القصص التي تناولها القرآن الكريم وكتب التفسير والحديث، لما تحمله من عبرة للإنسان في مسيرته الإيمانية. فهي تُظهر بداية الخليقة، ومكانة الإنسان عند الله، ثم وقوعه في الخطأ نتيجة إغواء الشيطان، وأخيرًا هبوطه إلى الأرض وبدء مسيرة الاستخلاف. ومن الروايات التي تزعمها الشيعة في هذا الباب ما رواه علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره، حيث ذكر تفاصيل عمر آدم، ومكان دفنه، وكيفية خلق حوّاء، وما جرى لهما في الجنّة من ابتلاء انتهى بالهبوط إلى الأرض. هذه الرواية تسرد حسب زعم الشيعة، ضعف آدم أمام الإغواء، ورحمة الله التي فتحت له باب التوبة.

نص الرواية:

روى القمّي في تفسيره:

حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
"كان عُمر آدم (عليه السلام) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة، ودفن بمكة، ونُفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال، ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه، وأسكنه جنته من يومه ذلك، فما استقرّ فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله، وأخرجهما من الجنّة بعد غروب الشمس، وما بات فيها."

تفسير القمّي، الجزء الأول، ص45

ومن خلال قراءة الرواية الشيعة يظهر لنا:

عمر آدم عليه السلام: تُصرّح الرواية بأن آدم عاش تسعمائة وثلاثين سنة، وهو عمر طويل يعكس خصوصيّة آدم كأوّل البشر.

خلق حوّاء:

بيّنت الرواية أنّها خُلقت من أسفل أضلاع آدم، تأكيدًا للصلة الوثيقة بينهما ووحدة الأصل الإنساني.

ابتلاء الجنّة:

لم يستقرّ آدم وزوجه في الجنّة إلا ساعات قليلة حتى وقع الابتلاء بالأكل من الشجرة، مما يدل على سرعة تأثير وسوسة الشيطان.

الخروج من الجنّة:

 وقع بعد غروب شمس ذلك اليوم، وفيه دلالة على أنّ المعصية لها أثر مباشر في زوال النعمة.

خطأ آدم:

 القصة تذكّر الإنسان بضعفه، وبأنّه مهما علا في الكرامة والمنزلة، فهو معرّض للزلل، لكن رحمة الله جعلت باب التوبة مفتوحًا فهل هذه الرواية حقيقية؟

الآيات القرآنية ذات الصلة:

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [119]

وقال عزّ وجلّ: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه:115]

الرد السني على هذه الرواية:

الرد السني على رواية عمر آدم وقصة دخوله الجنة وخروجه منها الواردة في تفسير القمي يكون على النحو التالي:

من حيث السند:

روايات تفسير القمي عند أهل السنة غير معتمدة، لأنها تُنسب إلى أسانيد ضعيفة أو مرسلة، وفيها كثير من الأخبار التي لا تصحّ.

الحسن بن محبوب وأبو جعفر الباقر ثقتان عند كثير من المحدّثين، لكن العلة هنا في باقي سلسلة النقل عند القمي.

من حيث المتن:

ذكر أن عمر آدم (عليه السلام) 930 سنة، وهذا ثابت عند أهل السنة أيضًا، فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس: "كان عمر آدم ألف سنة إلا ستين". أي قريب مما في هذه الرواية.

أما القول بأنه لم يلبث في الجنة إلا ست ساعات فقط، فهذا غير صحيح عند أهل السنة، ولم يرد به نصّ صحيح. بل الثابت أن آدم وزوجه مكثا فترة ما، والله أعلم بمدتها، ثم وسوس لهما الشيطان.

في مسألة خلق حواء من ضلع آدم:

هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة. قال النبي ﷺ: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضلع» (رواه البخاري ومسلم).

لكن تحديد أنه "من أسفل أضلاعه" ليس له أصل ثابت في الأحاديث الصحيحة.

في مسألة الدفن بمكة:

وردت بعض الآثار أن آدم دُفن في مكة، لكنها آثار موقوفة وضعيفة. والأقرب أن هذا من أخبار بني إسرائيل التي لا نُصدقها ولا نكذبها.

القول بأنه أُخرج من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها:

هذا التفصيل لا يوجد في القرآن ولا في السنة الصحيحة، ويُعدّ من الإسرائيليات التي دخلت في بعض كتب التفسير.

القرآن الكريم أجمل القصة، وبيّن أن الأكل من الشجرة أفضى إلى الهبوط إلى الأرض، دون ذكر التوقيت بالساعة واليوم.

الخلاصة:

عمر آدم في حدود ما ذكرته بعض الروايات (930 إلى 1000 سنة).

خلق حواء من ضلع آدم ثابت.

أما تحديد أن إقامتهما في الجنة كانت ست ساعات فقط ثم الخروج عند غروب الشمس، فهذا غير ثابت في مصادر أهل السنة، ويُعتبر من الأخبار المرسلة أو الإسرائيلية.

دفنه بمكة لم يثبت بدليل صحيح.