تُعدّ قصّة آدم عليه السلام من أبرز القصص القرآنية التي تحمل أبعادًا عقديّة وتربوية، فهي تبيّن بداية خلق الإنسان، وتوضّح طبيعة الابتلاء الذي واجهه أبو البشر، كما تكشف عن مكانة التوبة في حياة المؤمن. وقد وردت في بعض كتب الروايات الشيعية الموضوعة والضعيفة التي لا أصل لها. ومن هذه الروايات ما جاء في تفسير العيّاشي، حيث ورد أنّ آدم عليه السلام نظر إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بحسد، وأنكر الولاية، فطُرد من الجنّة، ثم تاب إلى الله فغفر له بدعائه بحقّ هؤلاء الخمسة. هذه الرواية تحتاج إلى عرض نصّها كاملًا، ثم النظر فيها من منظور النقد السندي والمتني، وبيان الموقف السُّني منها.

نص الرواية

روى العيّاشي في تفسيره:

عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

 "إنّ الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته، فمرّ به النبي صلى الله عليه وآله وهو متّكي، على علي عليه السلام وفاطمة صلوات الله عليهما تتلوهما، والحسن والحسين (عليهما السلام) يتلوان فاطمة. فقال الله: يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري. فلما أسكنه الله الجنّة مثّل له النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فنظر إليهم بحسد، ثم عُرضت عليه الولاية فأنكرها، فرمته الجنّة بأوراقها. فلما تاب إلى الله من حسده وأقرّ بالولاية ودعا بحق الخمسة: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) غفر الله له، وذلك قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ."

تفسير العيّاشي، الجزء الأول، ص 41

مناقشة الرواية

من حيث السند:

 عبد الرحمن بن كثير ضعيف عند أهل الحديث، بل اتهم بالكذب، مما يجعل الرواية ساقطة من حيث الإسناد.

من حيث المتن:

القرآن الكريم لم يذكر أن معصية آدم كانت بسبب الحسد أو إنكار الولاية، بل بسبب الأكل من الشجرة، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (البقرة: 36).

إضافة قضية الحسد والولاية تُعدّ من الأخبار التي لا أصل لها في كتب أهل السنة، وتخالف صريح القرآن.

تفسير قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ (البقرة: 37) عند أهل السنة هو أن الكلمات هي دعاء التوبة المذكور في القرآن:

﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 23).

الرد السُّني:

المصادر السنية كالتفسير الكبير للطبري، والقرطبي، وابن كثير، متفقة على أن خطيئة آدم كانت بسبب وسوسة الشيطان له ولزوجه بالأكل من الشجرة، وليس بسبب الحسد ولا إنكار الولاية.

حديث صحيح ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم أنّ النبي ﷺ قال: «حاجّ موسى آدم، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنّة؟ فقال آدم: أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني؟» (متفق عليه). وهذا يوضح أنّ المسألة مرتبطة بالابتلاء والقدر، لا بالحسد أو غيره.

إذن، الرواية المذكورة لا تصح عند أهل السنة، لا من حيث السند ولا من حيث المعنى.

الخاتمة:

الرواية التي أوردها تفسير العيّاشي عن نظر آدم إلى النبي وأهل بيته بحسد وإنكار الولاية لا يمكن قبولها عند أهل السنة، فهي ضعيفة سندًا ومخالفة للقرآن والسنة الصحيحة. الثابت عند المسلمين أنّ خطيئة آدم كانت بالأكل من الشجرة، وأن كلمات التوبة هي دعاؤه وزوجه لطلب المغفرة. تبقى العبرة في القصة أن الإنسان ضعيف أمام غواية الشيطان، لكن رحمة الله أوسع من ذنبه، والتوبة باب مفتوح لكل مؤمن.