نقل الروايات:
أقول اما الروايات التي رواها الائمة غير الطبراني فهي صحيحة كما قال الالباني رحمه الله تعالى واما رواية الطبراني فليست صحيحة.
واليكم البيان كما جاء في كتاب الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية للشيخ سليمان بن سحمان قدس الله سره الشريف.
أولا: تفرد شبيب بن سعيد بها كما قاله الطبراني، وشبيب بن سعيد هذا لخص الحافظ ابن حجر كلام أهل الجرح والتعديل فيه فقال: (لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب) اهـ من التقريب.
وهذا السند من طريق ابن وهب عنه. وقد قال ابن عدي في ترجمة شبيب: (وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير...) ثم قال: (وكأن شبيبا إذا روى عنه ابنه أحمد بن شبيب نسخة يونس عن الزهري إذا هي أحاديث مستقيمة، ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير الذي يرويها عنه، ولعل شبيبا بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب) اهـ
كلام ابن عدي من الكامل 4/1347 وما أحسنه من كلام وما أدقه من حكم ويتلخص منه أمران هامان:
أحدهما: أن رواية أحمد بن شبيب عن أبيه مستقيمة بشرط أن يكون شيخ أبيه يونس فقط وأما روايته عن أبيه شبيب عن غير يونس فتبقى على الجادة وهي عدم الإحتجاج بها. وتعليل هذا: أن شبيبا عنده كتب يونس وكان يحدث منها فلذا جاءت أحاديثه عنه مستقيمة كما تقدم في كلام ابن عدي.
وبهذا يعلم ما في عبارة الحافظ ابن حجر من الإطلاق الموهم حيث قال: (لا بأس به من رواية ابنه أحمد عنه) فيزاد قيدا وهو)إذا كان شيخه يونس بن يزيد) والله تعالى أعلم.
ثانيهما: أن أحاديث ابن وهب عن شبيب منكرة جميعها، وهذا الحديث منها.
فإن قيل: قد روى البيهقي هذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال:... فذكره)6/167 من دلائل النبوية). فهذه متابعة لابن وهب من رواية أحمد عن أبيه وهي جيدة.
قلنا: تقدم أن قبول رواية أحمد عن أبيه مشروطة بكونها عن)يونس بن يزيد) وهذا منتف هنا، فإن السند من رواية شبيب عن روح.
ومما يدل على أن هذه الرواية ليست بمحفوظة: أنه تارة يذكر القصة، وتارة يهملها كما عند البيهقي في الدلائل6/167ـ168 بالوجهين. وعند شيخه الحاكم في المستدرك 1/526 بالوجه الثاني وكذا عند ابن السني في عمل اليوم والليلة ص 170. وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق: عون بن عمارة البصري ثنا روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان..به بدون ذكر القصة وهذا هو المحفوظ لموافقته رواية الأثبات.
فهذا الاختلاف يوجب رد هذه القصة واطراحها وهذا هو الوجه الثاني من أوجه ردهاـ وسيأتي له مزيد بحث ـ
الوجه الثالث: أن المتفرد بهذه القصة)شبيبا) قد خالف الثقات الأثبات الذين رووا الحديث مجردا عن القصة في السند والمتن.
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيميةـ رحمه الله تعالىـ كما في مجموع الفتاوى 1/268: فرواية شبيب عن روح عن أبي جعفر الخطمي خالفت رواية شعبة وحماد بن سلمة في الإسناد والمتن، فإن في تلك أنه رواه: أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة، وفي هذه أنه رواه عن أبي أمامة.
وفي تلك الرواية أنه قال: (فشفعه في، وشفعني فيه) وفي هذه: (وشفعني في نفسي) لكن هذا الإسناد له شاهد آخر من رواية هشام الدستوائي عن أبي جعفر) اهـ.
قوله: (وهذا الإسناد) يشير إلى سند شبيب عن روح. وقد ذكر البيهقي هذه المتابعة في الدلائل6/168 ولم يذكر من فوق هشام الدستوائي حتى يمكن الحكم على هذه المتابعة، كما أنه لم يذكر لفظ الرواية، إلا أن صنيعه يقضي أن القصة فيها.
لذا قال شيخ الإسلام1/ 269: قالـ أي البيهقي: (ورواه أيضا هشام الدستوائي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عمه عثمان بن حنيف) ولم يذكر إسناد هذه الطرق اهـ.
ولا شك أن رواية شعبة وحماد أولى بالقبول من رواية هشام. فضلا عن رواية شبيب الموصوف بضعف الحفظ، المختلف عليه في هذه الرواية.
بقي أن يقال: هناك متابع لأحمد بن شبيب في روايته عن أبيه بذكر القصة، هو: إسماعيل بن شبيب أخو أحمد.
والجواب أن إسماعيل مجهول لا يعرف.
قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين في رسالته (التوسل): أما إسماعيل فلا أعرفه، ولم أجد من ذكره، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه) اهـ.
ويضاف إلى هذه العلة: ضعف شبيب في الحفظ.
بل قد قال بعضهم: إن إمارات الوضع لائحة عليه، فكيف يعارض جميع كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؟ وهل سمعت أحدا منهم جاء إليه بعد وفاته إلى قبره الشريف فطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، وهم حريصون على مثل هذه المثوبات، لا سيما والنفوس مولعة بقضاء حوائجها تتشبث بكل ما تقدر عليه، فلو صح عند أحدهم أدنى شيء من ذلك لرأيت أصحابه يتناوبون قبره الشريف في حوائجهم زمرا زمرا، خصوصا في الفتن الكبار (1) التي جرت بزمنهم وبصدهم على الإسلام والمسلمين، ومثل ذلك تتوفر الدواعي على نقله، ولا وسّع (2) الله طريقا لم يتسع للصحابة والتابعين وصلحاء علماء الدين. نعم كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي القبر المكرم ويقول: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت) ثم ينصرف، وكذلك أنس وغيره، فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة.
ثم اعلم أن هذا الحديث مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد).
وأما دعوى الغلاة أن الصحابة استعملوا هذا الدعاء بعد وفاته فإن هذا مما يعلم بالضرورة أنه من الكذب على الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان هذا الاستعمال صحيحا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله، ولما عدل الفاروق إلى التوسل بدعاء العباس، ومعاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، ولكان يمكنهم لو كان هذا الحديث صحيحا معروفا عندهم أن يتوسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يطلبون من العباس أن يدعوا لهم، ومما يوضح لك الأمر أن هذا الحديث غير صحيح أن رواته مختلفون في متنه وسنده، مع أنه لم يذكر في شيء من الكتب المعتمدة، وإنما ذكره مثل البيهقي والطبراني والترمذي وأبي نعيم(1)، وهؤلاء يذكرون مثل هذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة على وجه التنبيه، وقد رأى علماء الإسلام الجهابذة النقاد ظلمات الوضع لائحة عليه فأعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه والله أعلم.
اذا رواية الطبراني غير صحيحة لا متنا ولاسندا ومخالفة لرواية الاثبات
واما روايات بقية الائمة فصحيحة
لكن هل فيها دليل على ما يريد القبورية الاستدلال عليه؟ كلا
يرى المخالفون: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم.
علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرا.
وأما نحن فنرى أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه وهو التوسل بالذات بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة وأهمها:
أولا: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له وذلك قوله: (ادع الله أن يعافيني) فهو قد توسل إلى لله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجه به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه الدعاء له بل كان يقعد في بيته ويدعو ربه بأن يقول مثلا: (اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني وتجعلني بصيرا). ولكنه لم يفعل لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة يذكر فيها اسم المتوسل به بل لا بد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة وطلب الدعاء منه له.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال:(صحيح) (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - أي عينيه - فصبر عوضته منهما الجنة) (1)
ثالثا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له لأنه صلى الله عليه وسلم خير من وفى بما وعد وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق فقد شاء الدعاء وأصر عليه فإذن لا بد أنه صلى الله عليه وسلم دعا له فثبت المراد وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى بدافع من رحمته وبحرص منه على أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع وهو التوسل بالعمل الصالح ليجمع له الخير من أطرافه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له وهي تدخل في قوله تعالى: { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] كما سبق.
وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون
وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل فقال في (المصباح):
وإن شئت دعوت. أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به ولقنتك إياه وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره.
قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو له لا أن يعلمه دعاء فإذا كان قوله صلى الله عليه وسلم له: (وإن شئت دعوت) جوابا على طلبه تعين أنه الدعاء له ولا بد وهذا المعنى هو الذي يتفق مع آخر الحديث ولذلك رأينا الغماري لم يتعرض لتفسير قوله في آخره: (اللهم فشفعه في وشفعني فيه) لأنه صريح في أن التوسل كان بدعائه صلى الله عليه وسلم كما بيناه فيما سلف
ثم قال: (ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للضرير فذلك لا يمنع من تعميم الحديث في غيره)
قلت: وهذه مغالطة مكشوفة لأنه لا أحد ينكر تعميم الحديث في غير الأعمى في حالة دعائه صلى الله عليه وسلم لغيره ولكن لما كان الدعاء منه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير معلوم بالنسبة للمتوسلين في شتى الحوائج والرغبات وكانوا هم أنفسهم لا يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لذلك اختلف الحكم وكان هذا التسليم من الغماري حجة عليه
رابعا: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أن يقول: (اللهم فشفعه في) (1) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه إذ أن المعنى: اللهم أقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم في أي اقبل دعاءه في أن ترد علي بصري والشفاعة لغة الدعاء وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرا فيكون أحدهما شفيعا للآخر بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره قال في (لسان العرب):
(الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره والشافع الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب يقال تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه)
فثبت بهذا الوجه أيضا أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بذاته
خامسا: إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: (وشفعني فيه) (1)
-هذه الجملة صحت في الحديث أخرجها أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهي وحدها حجة قاطعة على أن حمل الحديث على التوسل بالذات باطل كما ذهب إليه بعض المؤلفين حديثا والظاهر أنهم علموا ذلك ولهذا لم يوردوا هذه الجملة مطلقا الأمر الذي يدل على مبلغ أمانتهم في النقل. وقريب من هذا أنهم أوردوا الجملة التي قبلها (اللهم فشفعه في) من الأدلة على التوسل بالذات وأما توضيح دلالتها على ذلك فمما لم يتفضلوا به على القراء ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه) -
أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد لأنها تنسف بنيانهم من القواعد وتجتثه من الجذور وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟
لا جواب لذلك عندهم البتة ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع في نبيك وشفعني فيه
سادسا: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب. وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات فإنه بدعائه صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولذلك رواه المصنفون في (دلائل النبوة) كالبيهقي وغيره فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده أنه لو كان السر هو في دعاء الأعمى وحده دون دعائه صلى الله عليه وسلم لكان كل من دعا به من العميان مخلصا إليه تعالى منيبا إليه قد عوفي بل على الأقل لعوفي واحد منهم وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبدا كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين وكل الأولياء والشهداء والصالحين وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين ولم نعلم ولا نظن أحد قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.
إذا تبين للقارئ الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم) إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك أي: على حذف المضاف وهذا أمر معروف في اللغة. كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82] أي أهل القرية وأصحاب العير.
ونحن ومخالفونا متفقون على ذلك أي على تقدير مضاف محذوف وهو مثل ما رأينا في دعاء عمر وتوسله بالعباس فإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ[جاه] نبيك ويا محمد إني توجهت بـ[ذات] ك أو [مكانت] ك إلى ربي كما يزعمون وإما أن يكون التقدير إني أتوجه إليك بــ[دعاء] نبيك ويا محمد إني توجهت بـ[دعاء] ك إلى ربي كما هو قولنا ولا بد لترجيح أحد التقديرين من دليل يدل عليه فأما تقديرهم (بجاهه) فليس لهم عليه دليل لا من هذا الحديث ولا من غيره إذ ليس في سباق الكلام ولا سياقه تصريح أو إشارة إلى لذكر الجاه أو ما يدل عليه إطلاقا كما أنه ليس عندهم شيء من القرآن أو من السنة أو من فعل الصحابة يدل على التوسل بالجاه فبقي تقديرهم من غير مرجح فسقط من الاعتبار.
والحمد لله.