من المقامات العظيمة بحمد الله أن نصفي بها واقع «الخلافة العلميّة والمعنويّة» عند الصحابة الكرام، وهو أمر لا يحتمل المساومة أو الانتقاص. وإنّ من أكبر المخاطر التي تهدّد هذا البناء المبارك، أن يُطعن في عدالة أحد الصحابة الكرام أو يُزجّ به في ما لا يليق به، فيَخرَب ذلك مناراً من منائر السنّة وتراث الإسلام. ومن ذلك ما يُنسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – من شبهة بأنّه أخذ مال البصرة من غير إذن الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –، وأنّه قال في مناظرته لـ عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنها – كلاماً قاسياً: «وما أنت إلا حشية من تسع حشايات خلفهن بعده…» إلخ. هؤلاء المشكّكون يستدلّون بذلك على انتقاص عدالته، وبذلك يحاولون هدم جزء كبير من السنّة النبوية.
ولأنّ هذا الأمر يستوجب الحسم – فقد نَفَسُ العقيدة وعرضٌ لصحابيّ كريم – فإنّ هذا المقال يأتي موزّعاً على (1) بيان الشبهة، (2) عرض الردّ بتقسيمه إلى جزأين، ثم (3) خلاصة – مع ذكر المصادر والحواشي وفق ما طُلب.
وسنحاول – بحول الله – ضبط المقال إملائياً، وضع التشكيل البسيط حيث يلزم، ضبط الهمزات والياءات، وضبط الآيات القرآنيّة إن وُجدت، مع كتابة الكلمات المفتاحية التي قد يبحث عنها الزائر بمختلف كتاباته.

مضمون الشبهة

تقوم الشبهة على نقطتين رئيسيتين:

1) الادّعاء بأن ابن عباس سرق مال البصرة من غير إذن الإمام علي – رضي الله عنه –، وما يفترض أنه حرّضه على تقوى الله فلم يستمع، واشتُهي ذلك بأنّه أخذ ما ليس من حقه، وبه تُطرح عدالته. (يُستدلّ بهذا الأمر من كتاب يُقال إنه منسوب إلى علي – رضي الله عنه – ورد في «نهج البلاغة».

2) الادّعاء بأن ابن عباس أغلظ القول في مناظرته للسيدة عائشة – رضي الله عنها، وذكر القول المنسوب إليه: «وما أنت إلا حشِيّة من تسع حشايات خلفهن بعده… لست بأبيضهن لونا، ولا بأحسنهن وجهاً…» إلخ، أي: مقصود به أنها أقلّ منزلة، وهذا مقترن بالكراهية أو الهوى، فيُستدلّ به أيضاً على فقدان الأدب والاحترام الذي يُفترض أن يكون في الصحابي.

3) وبناءً على هاتين الحالتين، يُقال: كيف نقبل عنه عدالته وهو فعل هذا؟ ثم يستنتجون: فكيف نقبل ما روى عنه من الحديث؟ وكيف يُحتج به على الناس؟ وبذلك يُراد بالسقوط في عدالته أن يُهدم منه جزء من السنّة.

ردّ الشبهة

أ) الرد على دعوى السرقة (أخذ مال البصرة)

أولاً: إنّ رواية فقدان ابن عباس لمال البصرة ومن ثم اتهامه بقبض مال غير مستحقّ رواية مكذوبة لا تصحّ؛ ذلك لأنّها لم ترد في كتب الحديث والتاريخ المعتمدة، وإنما اختُرِعت من كتاب «نهج البلاغة» المنسوب إلى علي – رضي الله عنه – والذي ثبت عند كثير من الباحثين أن كثيراً من عباراته موضوع أو غير منسوب إليه، أو أن نسبته إليه غير محققة.

ثانياً: من المستحيل عقلاً أن يقوم ابن عباس – رضي الله عنه – بعمل كهذا، وهو في تلك الرّفعة من العلم، والورع، والعدالة، وقد دعا له النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يُفقّه في الدين ويعلّمه التأويل.

ثالثاً: النصوص الصحيحة الكثيرة والتي تثبت أن ابن عباس رضي الله عنه كان يتميّز بالورع، وخشية الله، والصدق في الدين، والتي تتعارض مع الادّعاء، تقول بأن المعلوم المشهور لا يُعارضه ما هو شاذّ أو ضعيف من الأخبار. (قيدٌ عامٌ عند أهل العلم). وبالتالي فوجود خبر ضعيف لا يُطيح بعلامة مشهورة من عدالة وورعه.

ب) الردّ على دعوى الغلظة في القول مع عائشة – رضي الله عنها

أولاً: إنّ ما يُنسب إلى ابن عباس من القول: «وما أنت إلا حشِيّة من تسع حشايات خلفهن بعده…» إلخ، فإن عمدته في الإسناد هو لوط بن يحيى أبو مخنــف، وهو من الرّوافض، وقد أجمع النقّاد على تضعيفه وتركه، بل وصفه البعض بأنه “شيعي محترق

ثانياً: من غير المعقول أن يصدر من ابن عباس رضي الله عنه – بهذه الصورة – ذمٌّ لسيدة من أمهات المؤمنين – رضي الله عنها – وهي العالمة الفقيهة التي اشتهرت بعلمها، والتي كان ابن عباس يُجلّ العلماء ويوقّرهم، فكيف يُسيء إليها؟ وقد جاءت شهادات مشهورة لعائشة رضي الله عنها بأنها قالت: «هو أعلم الناس بالحج.

ثالثاً: هناك علاقة طيبة مثبتة بين ابن عباس رضي الله عنه والسيدة عائشة رضي الله عنها، منها ما روي أنها استأذنت أو ودّعته في مرضها، وهو يبشّرها بالجنة، ويذكر عظم مقامها، فكيف نُسِب إليه ذلك القول؟.

خلاصة

بعد ما سبق يمكننا أن نحكم بما يلي:

إنّ الادّعاء بأن ابن عباس رضي الله عنه أخذ مالاً من البصرة من غير إذن، هو اشتمال على رواية ضعيفة أو ملفقة، لا يُحتجّ بها ضدَّ عدالة ابن عباس.

إنّ الادّعاء بأن ابن عباس قال في السيدة عائشة رضي الله عنها القول المشار إليه، فهو أيضاً راجع إلى رواية ضعيفة أو مفترَضة النسبة، وعندما ننظر إلى شخصيته المعروفة بالورع والعلم والاحترام، فلا يقبله عقل ولا نقل موثوق.

بناء عليه، فلا صحة للطّعن في عدالة ابن عباس رضي الله عنهما استناداً إلى هذه الشبهات، ومن يحاول بهذا الهدف فإما جاهل أو مُغرور أو مُسوّغ لبدعة أو فرق ضالة.

وإذ نشدّد على أهمية العدالة في الصحابة – رضي الله عنهم – فإنّ محاولة إهدار هذه العدالة بحديثٍ ضعيفٍ أو ملفّقٍ، لا تُعتمد، بل تُرفع عنه الشبهة. وبالتالي فإن ما يُروى عمن هو «حبر الأمة ترجمان القرآن» ابن عباس رضي الله عنهما لا يجوز ربطه بذنوبٍ أو أقوالٍ ملفقة تُزيح عنه منزلة العلماء والورعين.

المصادر

1-  دعوى أن ابن عباس سرق مالاً، وأغلظ القول للسيدة عائشة .

2- «سير أعلام النبلاء» – ومن صغار الصحابة – عبد الله بن عباس، اسلام ويب

3- «ردّ على شبهات الطاعنين في شخصية عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعدد رواياته Alukah.

4- «من نماذج علمائية ملهمة (13) عبد الله بن عباس “حبر الأمة وترجمان القرآن.