الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد: فإن حالة التشظّي العقدي والمذهبي في أمّتنا الإسلامية قد أفضت إلى ظهور تيارات داخل الطّوائف نفسها، من بينها ما يسميه بعضهم “الشيعة”. وهذه التسمية تشير إلى تيّار فكري في داخل فرقة الشيعة الإمامية يُعلي خصوصية أهل البيت – عليهم السلام – وينطلق من قراءة مغايرة لفقه الإمامة وللمعتقد العقدي التقليدي. وقد تحدّث العلامة حيدر حب الله – وهو من داخل الحوزة الشيعية – عن “ثلاث اتجاهات أساسية اليوم في التفكير العقدي الإمامي تدور حول قضية الإمامة وتفسيرها)

هذا البحث، نُحلّل ونبيّن هذه الاتجاهات، ونُعرّف “الشيعة” من منظور الشيخ، ثم نحدد الشبهات التي ترفعها هذه الفئة أو تُلقى حولها – وما يمكن أن يُعدّ من الطعن في العقائد – ونُقدّم ردًّا علميًا مبسّطًا. وسنعرض ذلك كله مع مراعاة أن الجماعة الإمامية تُعدّ فرقة ضالّة من منظور أهل السنّة حينما تحيد عن النصوص القطعية وتضعف العقائد الأساسية، بدون تعميم كلّ الشيعة.

مضمون المقابلة والشبهة المُستهدفة:

في المقابلة المنشورة مع الشيخ حيدر حب الله، سئل:

«ما هي الأسس العقدية التي تنهض عليها الشيعة وإلى أين تمتد جذورها؟»
وأجاب بأن هذا الاتجاه ليس مذهبًا آخر داخل المذهب الإمامي، بل تيّار من تيّارات التفكير العقدي، وعرّف ثلاث اتجاهات..

الشبهة (أو الملاحظة التي يمكن أن تُعدّ شبهية):

 أن هذا التيّار داخل الشيعة – أي “الشيعة” – يُنتقد من الفريق الأول (الذي يرى أهل البيت منصوصين ومعصومين) باعتباره يقلّل من منزلتهم بل ويُتهم بعض أنصاره بأن بعض ما يقولونه أو يفعلونه “شرك”. فالشبهة هنا هي: هل هذا التخلي أو التخفيف من مقام أهل البيت أو منطق الإمامة ينتمي إلى البدعة أو الانحراف العقائدي؟ وهل هذا التيّار يشكل خطرًا على الأساس العقدي للشيعة، أو على وحدة المسلمين؟

من جهة ثانية، يمكن أن تُعدّ الشبهة أيضًا أن هذا التيار – من خلال نقده للبعد اللاهوتي لدى بعض الشيعة – يحمل نزاعًا مع أهل السنّة أيضاً، عبر التشابه مع الاتجاهات السلفية السنّية أو الاقتباس منها، مما يُثير اتهام “التشيّع السلفيّ” – وهو مصطلح يستخدمه الشيخ نفسه – بأنه نمط “تكفيري” أو على الأقل مقلد للسلفية السنّية من الداخل.

الردّ والتحليل العلمي

أولًا: ضرورة التمييز بين الاختلاف الداخلي والبدعة الكاملة

لا يمكن اعتبار كلّ من خالف الفريق الأول ضمن الشيعة بأنه خارج المذهب أو مبتدع، بل هو ضمن نطاق الإمامية بالرغم من الاختلاف في تفسير الإمامة أو في البعد اللاهوتي.

الشيخ حيدر حب الله نفسه يوضّح أن التيار المعني ليس مذهبًا جديدًا، بل تيّار تفكيري داخل المذهب الإمامي.

بناءً عليه، فإنّ الحكم عليهم يكون ضمن الخلاف الفكري الداخلي وليس تكفيرًا مطلقًا أو الطعن في عدالة أهل البيت. وهذا ردّ منطقي على ما يسوّق من أن “الشيعة” تهاجم أهل البيت أو تزول بهم.

ثانيًا: مدى التشابه مع أهل السنّة وانعكاسات المعنى

من الملاحظ أن التيار يُركّز على “النصّ” أو “العودة إلى السلف” وهو ما يذكّر بالسلفية السنّية، لكن أنّ هذا التشابه لا يعني تطابق كامل في العقائد؛ فالعقيدة الإمامية في الإمامة والعصمة تبقى أساسًا مختلفًا.

ويؤكّد حب الله أن “الشيعة” ليست طبعًا نقيض الإمامية الأصلية، بل انعكاسًا لقلق داخليّ بسبب التجارب السياسية والدينية، وهو ما ينبغي فهمه في سياق التاريخ والمجتمع.

وبالتالي، لا يصحّ القول إن هذا التيّار يشكّل هجومًا على أهل السنّة فقط أو “تحوّلًا سنّيًّا” كاملاً، بل هو محاولة داخل المذهب الإمامي لإعادة صياغة بعض المفاهيم.

ثالثًا: مخاطر هذا التيار من وجهة أهل السنّة

من منظور أهل السنّة، تبدو هذه الظاهرة خطرًا لأنّها تمسّ الإجماع السنّي-الإمامي حول مكانة أهل البيت عند السنة، وتحاول تحجيم البعد اللاهوتي أو العصمة أو الولاء الخاصّ بهم، ما يسعى إلى “تسوية” الموقع مع بقية الصحابة.

فقد يرى الفريق الأول أن هذا التخفيف يمثّل غفلة عن حقّ أهل البيت، وربّما انحرافًا عن الأصل الإمامي.

ونشير إلى أن علاقتهم مع أهل السنّة أيضًا قد تُتأثر، لأن التشابه في المصطلحات أو المنهج قد يُستخدم كذريعة من خصوم الشيعة لاتهامهم “بالتقليد” أو “بالميوعة المذهبية”.

رابعًا: النتائج العقديّة والعقوبات الشرعية

من منظور اهل السنّة، فإنّ إضعاف منصوصية أهل البيت أو إنكار العصمة أو التشكيك في الإمامة باعتبارها مبدأ عقائدي ثابت يُعدّ مسًّا بعقيدة التشيّع التقليدية، وقد يُعدّ بدعة أو خروجًا عن الإمامية.

إنّ إدراك هذا يعني أن من يتبنّى تيار “الشيعة” قد يقع في أكثر من مطبّ: إنكار بعض وثائق الإمامية أو تخفيف من مقام أهل البيت، أو حتى الامتزاج بالمفاهيم السلفية السنّية المغلقة. وهذا ما يُظهره الشيخ في توصيفه بأن التيار “نمط تكفيري” أو على الأقل “مقلد للسلفية السنّية” في اللحظة الراهنة

الخاتمة

لقد عرضنا في هذا البحث قراءة مختصرة لما يعرّفه الشيخ حيدر حب الله بـ “الشيعة” من حيث أسسها العقدية وجذورها، ثم سلّطنا الضوء على الشبهات التي يمكن أن تُثار حول هذا التيار، سواء من داخل الإمامية أو من الخارج، وقدّمنا تحليلًا علميًا مبسّطًا لردّها.
إن الحقيقة العقدية الثابتة عند أهل السنّة هي أن أهل البيت – عليهم السلام – لهم منزلة عظيمة، لكن التمسّك بموقف ثابت في الإمامة والعصمة لا يجوز أن يقود إلى تعطيل الخلاف أو تغييب الموقف الآخر. وإن من يطرّح تيّارًا جديدًا داخليًا لا يعني بالضرورة خروجًا عن الإسلام، لكن لا بدّ من تنحي العقائد الأساسية عن التهديد.

ونخلص إلى أنّ ما يهمّ هو وحدة المسلمين على ما بينهم من أصول، ولا ينبغي لتيّار داخلي أن يحمل أتباعه إلى التشظّي أو التعدّد في الولاء أو التبعية المعتدلة. وأهدي هذا البحث إلى القارىء الباحث المتلهّف للمعرفة، راجيًا أن يكون إضافة علمية هادئة تنفعه في فهم المشهد العقدي المعاصر.

المصادر

حوار مع العلامة المعمّم الدكتور حيدر حب الله، “الشيعة – المكَوّنات والمخاطر والتحدّيات” مجلة شؤون جنوبية العدد 118، نيسان 2012.

الموقع الرسمي للدكتور حيدر حب الله: “السّنّة والحديث، قضايا ومشكلات ومعالجات (hobbollah.com).