بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا يزال القوم – من الإمامية المتجعفرة – يسعون في الطعن في دين الله من خلال الطعن في رموز الأمة، وعلى رأسهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، يحاولون تشويه النصوص وتحريف الأحاديث ليقيموا شبهات واهية لا تثبت أمام النظر العلمي والبحث الحديثي الدقيق.
ومن تلك الشبهات ما زعموه أن رسول الله ﷺ أوصى بالخلافة أو بالإمامة لأحد من بعده، مستدلين بأحاديث لا تدل على ذلك، بل نصوصها وأبوابها في كتب السنة تبيّن بوضوح أن النبي ﷺ لم يوصِ بشيء من أمور الدنيا أو الحكم، وإنما أوصى بكتاب الله كما ثبت في الصحيح.
وفي هذا المقال نعرض النصوص من مسند أحمد، وسنن الدارمي، ومسند الحميدي، وابن ماجه، وغيرها، مع بيان أن قول هزيل بن شرحبيل إنما هو استفهام إنكاري لا تقرير أو إثبات لوصية مزعومة، ونوضح دلالة الألفاظ ومعانيها اللغوية والسياقية التي تبطل استدلال الرافضة، ونكشف جهلهم بطريقة أهل العلم في فهم النصوص وسياقاتها. كعادة الإمامية المتجعفرة يحاولون الطعن في أهل السنة من خلال الطعن في رموزهم ولكن إلى أين أيها الرافضة فنحن ورائكم ولن نترككم إلى أن تتركوا شرككم وكفركم وطعنكم وتتوبوا إلى الله وحده لا شريك له:
شبهة جاؤوا بها وقلبوا مفهومها والله المستعان كالآتي:
حدثنا الحسن بن عفان قثنا أبو أسامة قثنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف اليامي قال سألت عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قلت هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت فكيف أمر المسلمين بالوصية قال أوصى بكتاب الله قال قال هزيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم لود أبو بكر إنه وجد عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم كلاهما بخزام.. مسند ابي عوانة 3\475.
باب من لم يوص:
◘ حدثنا محمد بن يوسف عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف اليامي قال سألت عبد الله بن أبي أوفى ثم أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت فكيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية فقال أوصى بكتاب الله وقال هزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر إنه وجد من رسول صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم كلاهما بخزامة ذلك
سنن الدارمي 2\496.
◘ أخبرناه الوليد بن عمرو قال أخبرنا يعقوب قال أخبرنا مالك ابن مغول عن طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال سألته هل أوصى النبي قال لا قال قلت كيف كتب على الناس الوصية وأمروا بها ولم يوص قال أوصى بكتاب الله وقال هزيل بن شرحبيل كان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله ود أبو بكر لو وجد من رسول الله في ذلك عهدا فخزم كلاهما بخزامة.. مسند البزار 8\297298.
◘ حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قال لا قلت فكيف أمر المسلمين بالوصية قال أوصى بكتاب الله عز وجل قال مالك بن مغول قال طلحة وقال الهذيل بن شرحبيل أبو بكر رضي الله عنه كان يتأمر على وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر رضي الله عنه إنه وجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم كلاهما بخزام... مسند احمد 4\381.
◘ حدثنا الحميدي قال ثنا سفيان قال ثنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى ثم هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يوصي فيه قلت وكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب الله قال طلحة قال الهزيل بن شرحبيل أبو بكر يتقدم على وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر إنه وجد من رسول الله عهدا فخزم به كلاهما...مسند الحميدي 2\315.
كتاب الوصايا:
2696 حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال ثم قلت لعبد الله بن أبي أوفي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال لا قلت فكيف أمر المسلمين بالوصية قال أوصى بكتاب الله قال مالك وقال طلحة بن مصرف قال الهزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر إنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم كلاهما بخزام...سنن ابن ماجه 2\900.
الرد: أقول وبالله التوفيق:
الكلام لهزيل بن شرحبيل وليس نصا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأعلم أن هزيل تابعي ثقة والأثر يصح، لكن السؤال ماذا قصد هزيل؟
من تأمل في المصادر السابقة وجد انها تتكلم في الوصية، ويدل على ذلك اسم الباب أو الكتاب الذي ذُكِرَ فيه الاثر.
وأعلم أن طريقة أهل العلم في السرد العلمي مهمة جدا ومسألتنا دليل واضح على ذلك فكون هذا الاثر يُسْتَدَلُ به على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد اوصى بالخلافة أو الإمامة أو حتى الوصاية لأحدٍ استدلال ضعيف جدا لأمور منها:
◘ أن الاثر نفسه مذكور في كتب أو أبواب فيمن لم يوص وغيره من العناوين الدالة على ذلك فكيف يُسْتَدَلُ به على الوصاية؟
◘ أن الحديث قد شرحه بعض أهل العلم وبينوا أن المراد من كلام هزيل بن شرحبيل إنه استفهام إنكاري:
2696 أبو بكر كان يتأمر الخ الظاهر أن هذا الكلام من الهذيل بن شرحبيل على سبيل الاستفهام للإنكار وحرف الاستفهام مقدر يريد إنكار أن يكون من جانبه صلى الله عليه وسلم وصيا بالخلافة أحدا بعده ويكون أبو بكر رضي الله عنه بذاته أميرا ويتركه أي ليس شأن أبي بكر أن يصير أميرا على من كان وصيا بالخلافة لأنه رضي الله عنه ما كان محبا للخلافة وحريصا على الامارة بل كان متنافرا عنها وكارها لها ويرد أن يثبت أمر الخلافة لغيره فيتبعه هو بنفسه ولذا رد الأمر يوم السقيفة على عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح وقال بايعوا أيهما شئتم فلما لم يجد بدا من الخلافة تأمر بالثقالة والكلفة لأن عمر رضي لم يرض وأخذ بيده للبيعة. 1\193 للسيوطي وعبد الغني وفخر الحسن الدهلوي.
◘ قوله فخزم كلاهما بخزام قال في النهاية معناه لو كان على معهودا عليه بالخلافة لكان في أبي بكر من الطاعة والانقياد اليه ما يكون في الجمل الذليل المنقاد بحزامته وهي بمعجمتين حبل في انف البعير..
شرح سنن ابن ماجه 1\193 للسيوطي وعبد الغني وفخر الحسن الدهلوي.
والاستفهام الانكاري قد يكون مقدرا وهو الذي معنا الان والتقدير ظاهر لوجود القرائن ومنها عنونة الكتاب أو الباب، ومنها (من القرائن) معنى خزم ولمن تطلق وماذا اراد بها العرب ومتى يطلقونها؟
مختار الصحاح:
خ ز م خَزَم البعير بالخِزّامةِ وهي حلقة من شعر تُجعل في وترة أنفه يُشد فيها الزمام ويقال لكل مثقوب مَخْزُومٌ والطير كلها مخزومة لأن وترات أنوفها مثقوبة والخُزَامَى خيري البر.1\73.
لسان العرب:
خزم خزم: خَزَمَ الشيءَ يَخْزِمُهُ خَزْماً: شَكَّهُ. والخِزامةُ: بُرَةٌ، حَلَقَةٌ تجعل في أَحد جانِبَيْ مَنْخِرَي البعير، وقيل: هي حَلقةٌ من شَعَرٍ تجعل في وَتَرَةِ أَنفه يُشَدُّ بها الزِّمامُ.12\174.
◘ فالكلمة معناها واضح وهي تفيد الانقياد أي يخزم انفه فينقاد كما ينقاد الجمل، وفي ذلك بيان أن الأمر (الخلافة والإمامة) لم يوجد فيها وصية ابدا ولو وجد لخزم أبو بكر انفه فيها أي لزم نفسه فيها فينقاد لمن وصى له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
◘ ولو أمعنا النظر في كلمة وَدَّ (فتح الواو، وتشديد الدال مع فتحها) لوجدنا أن ابا بكر كان كارها للمسالة ولم يتمناها ابدا ويدل على ذلك ايضا إنه لم يطلبها (الخلافة)
◘ واخيرا هناك بعض الروايات التي تبين نصا لا تقديرا أن كلام الهزيل بن شرحبيل انما كان استفهاميا انكاريا واليك تلك الروايات:
1- أخبرنا وكيع بن الجراح وشعيب بن حرب عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى آوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالوصية قال أوصى بكتاب الله قال مالك وقال طلحة قال هزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر إنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم كلاهما بخزامة.
طبقات ابن سعد 2\260.
2- قال أخبرنا الفضل بن دكين وشعيب بن حرب قالا أخبرنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت فكيف كتب على الناس الوصية وأمروا بها قال أوصى بكتاب الله قال وقال هذيل أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله لود أبو بكر إنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدا فخزم كلاهما بخزامة...
طبقات ابن سعد 3\183.
ملاحظة مهمة:
الرواية الاولى فيها أأبو بكر.... الخ، اما الثانية ففيها أكان..... الخ
فالمعنى هو لو كان عليٌ معهودا اليه بالإمامة أو الخلافة أو الوصاية لكان في ابي بكر من الانقياد والطاعة اليه ما يكون في الجمل الذليل المنقاد بخزامته فكيف لا وهو الصديق رضي الله عنه وارضاه؟
هؤلاء هم صحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقافون عند النصوص أن وجدت وعند عدمها لهم اجتهاداتهم رضي الله عنهم وهم اخوة شاء من شاء وابى من ابى.
هذا والله أعلم واحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبد.