تُعدّ قضية عبد الله بن سبأ اليهودي من أبرز القضايا التي تكشف جذور الفرقة الضالة المسماة بالشيعة أو الإمامية الاثني عشرية، تلك الفرقة التي انحرفت عن الإسلام الصحيح واتخذت من حب آل البيت ستارًا لبثّ العقائد الباطلة والافتراءات. إن إنكار وجود ابن سبأ اليوم ما هو إلا محاولة يائسة من أتباع هذه الطائفة للتنصل من أصل نشأتهم الفكرية، إذ لا يُنكر وجوده إلا من جهل كتب التاريخ أو غُمّ عليه ضوء الحقيقة.
لقد أجمع المؤرخون المتقدمون من الفريقين على وجود هذا الرجل، الذي كان يهوديًا أظهر الإسلام نفاقًا، وأشعل نار الفتنة بين الصحابة، وحرّض على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى قُتل مظلومًا. ولم يكن ابن سبأ شخصية أسطورية كما يدّعي الرافضة، بل هو حقيقة تاريخية ثابتة ورد ذكرها في كتبهم هم قبل غيرهم، كـ"رجال الكشي" و"فرق الشيعة" للنوبختي، مما يقطع الطريق على كل متحذلق يحاول طمس معالم التاريخ لخدمة مذهبه الفاسد.
وهكذا، يظهر أن دعوى الرافضة بإنكار ابن سبأ ليست إلا سترًا لخجلهم من الاعتراف بمؤسس مذهبهم، وتهربًا من الحقيقة المرة التي تفضح أصل فكرهم المنحرف الذي انبنى على الكذب والغلو والافتراء على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
عبد الله بن سبأ:
وأما إنكار عبد الله بن سبأ اليهودي فليس إلا إنكار للحقيقة الساطعة كالشمس الطالعة في منتصف نهارها، ولم يوجد في المتقدمين أحد من أنكر وجوده، وما أدري أيهم أكثر علماً وإلماماً بالحقائق؟ المتقدمون أو المتأخرون، الخائفين المذعورين من والد ولدهم، ومؤسس أوجدهم، فنحن ندعو القوم ونتحداهم أن يثبتوا واحداً من المتقدمين منهم، لا منّا، من ينكر وجوده، ويعده من الخيال والوهم فهؤلاء وكم هم؟ ومنهم صاحبنا الذي أعجبه أن يرد علينا فيا ليت استطاع الرد، ولكم اشتقت حينما سمعت بأن واحداً اجترأ على الرد حتى أراه وأعرفه بماذا ردّ عليّ؟ إن كان صادقاً فأعترف بخطأي، وأقر بقصوري وغلطتي، ولكم تمنيت أن شيئاً مما نقلت رد عليه بأن النقل من كتب القوم غير صحيح، أو المصدر غير موثوق، أو عبارة منسوبة غير صحيحة إلى من نسبت إليه، أو استنتجت فأخطأت الاستنتاج والاستدلال؟ وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل، وأين أنا وقد اعترف بإمكان صدوره علي بن أبي طالب المتهم بالعصمة كذباً وافتراء، وها هو يقول: لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ"
["الكافي في الأصول" نقلاً عن "أعيان الشيعة" ج1 ص136، إن كان احتمال الخطأ منافياً للخلافة والإمامة فإنه حاصل لأئمتكم أنتم، فباعترافهم هم أنفسهم، وفي أقدس كتاب عندكم، فما معنى إذاً؟].
فتمنيت هذا، ولكن ولله الحمد والمنة بأن كل هذه المهاترات، والسباب والشتائم والتعريضات، والتنابز بالألقاب، والكذبات المتكررة لم تجعلني إلا ثقة واعتماداً بأنه وفقني سبحانه وتعالى بالدفاع عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورفاقه الكرام البررة، واكتشاف القوم ونواياهم وخباياهم بالواقع والحقيقة، ومن كتبهم أنفسهم، وما استطاعوا، ولن يستطيعوا أن يكذبوا شيئاً مما ذكرت اللهم إلا أن ينكروا كتبهم، ويكذبوا محدثيهم، وفقهائهم، وأئمتهم.
والجدير بالذكر أننا لم نذكر عبد الله بن سبأ نجل اليهودي عند ما ذكرناه في كتابنا "الشيعة والسنة" نقلاً عن ابن حجر العسقلاني، ولا الذهبي، ولا ابن حبان، ولا ابن ماكولا، ولا البخاري، ولا، ولا، بل ذكرناه من الكشي إمامهم في الرجال، والنوبختي إمامهم في الفرق، ومؤرخ شيعي في الروضة الصفا: وكل من الكتب الثلاثة من كتبهم هم، ألفها كبارهم، ثم، من تحقيقهم أنفسهم حتى لا يتوهم بأنه أدرج فيها من المحقق والمعلق، ثم وكيف يحق له أن يقول مسفهاً العقلاء، ومبلداً العلماء العارفين: ولكن من هو ابن سبأ هذا؟ ومن أي جاءته هذه القدرة العجيبة؟ التي جعلتنا نشاهده مرة في مصر ومرة في العراق. مرة في البصرة ومرة في الكوفة وهو حاضر في كل وقعة، مطلع على كل حادثة، ومن أين جاءته هذه الاستطاعة التي مكنته من أن يفعل ما يشاء متى شاء، ولماذا أهمل ذكره المؤرخون الأولون، ولماذا لم يتشك منه الخليفة عثمان الذي تشكى من أبي ذر وعمار وعبد الرحمن. وفعل بهم ما فعل وهم أصحاب رسول الله والمقدرون بين المسلمين، فلماذا لم يفعل بهذا اليهودي الطارئ ما فعل بهم بل ولماذا لم يذكره في أحاديثه وشكاياته؟
إن هذا اليهودي ابن السوداء العربي السبئي الذي جمع المتناقضات، والذي لا وجود له إلا في مخيلة من أراد الاعتذار عن عثمان بن عفان لهو شيء عجيب والأعجب منه الإصرار على وجوده الخارجي مع قيام الأدلة على تكذيبه"
["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص31، 32 ط بيروت].
فمن تسأل يا من لا يسفه إلا رأيه ولا يحجر إلا عقله؟ ممن تسأل، منا أو من كشيك ونوبختيك؟
فيا لضياع الحق خذلانه وظهور الباطل ونصرته والغضب له! ويا للكذب والإصرار به والخداع والتمادي به! أيضن الظانون بأنهم يستطيعون بمثل هذه الكلمات النابية الرنانة أن يرعبوا الآخرين ويبهروا الكاشفين أسرارهم، المظهرين فضائحهم وقبائحهم، ثم أعد النظرة إلى كلماته كم التمادي في الباطل والإصرار في الكذب؟ فيا لمهزلة العقل! والتطاول في التزييف والتضليل، ليقرأ المخدوع والجاهل أو غير العارف بأصل القصة والقضية فينخدع، كم هؤلاء مساكين، مهتمين بأشياء لا أصل لها ولا جذر ولا بذر ولكن من للقوم أن ينجيهم من بطش الحق وقبضة العارفين؟
ثم ويقول في محل آخر:
ونحن الشيعة غربلنا التاريخ في قضية ابن سبأ فعرفنا أن هذه الشخصية من خلق الرابع الهجري" [ملخ ما قاله ص83، 84].
فنحن نقول: وكيف غربت التاريخ؟ مقلباً الحقائق، ومغمضاً عينيك التي قلما ترى الحقيقة والصدق، مغلفاً قلبك وخاتماً عليه.
وإن لم تكن هكذا ما تلفظت بهذا القول، وما كتبت هذه الكتابة وأنت تعرف أنك لا تجد أحداً ينصرك في هذا من قومك وقبيلتك قبل القرن الرابع عشر من الهجرة، نعم! وإلا فأتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وأنت لم تقلد في هذا القول إلا رجالاً مثلك، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، وهذا مع دعواك في مبحث التحريف "أما غيرنا وهنا الليلة فلم يقل بعدم التحريف إلا تقليداً لمن جمع القرآن، وهذا التقليد هو الذي يسمى بالتقليد الأعمى، والذي نرفضه في الأصول والفروع، والذي ذمه الله سبحانه وتعالى حينما ذم اليهود والنصارى باتباعهم الرهبان والأحبار، وأخذهم بأقوالهم من غير تمحيص. فعبر عنهم الله بالعبادة والتعبد. وهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أحلوا لهم حلالاً، وحرموا عليهم حراماً، فأخذوا بما أمروهم من دون مجوز شرعي بل تقليداً فعبدوهم وهم لا يشعرون" [ص49، 50].
فانظر التناقض والتعارض والتخالف، وهذا كله من لوازم الكذاب الأفاك المفتري، تنكر شيئاً ثم تأتيه؟