لقد آن الأوان ليتبيّن لكل منصف أن أئمة أهل البيت رحمهم الله كانوا على عقيدة واحدة مع أهل السُّنة والجماعة، وأن ما نُسب إليهم من تأويلات غالية ومرويات موضوعة إنما هو من صنعة الرافضة الاثني عشرية، تلك الفرقة الضالّة الخارجة عن جماعة المسلمين، التي لبّست على الناس دينهم ونسبت الأكاذيب إلى الأئمة الأطهار.

فأئمة آل البيت دعوا الأمة إلى التمسك بكتاب الله وسنّة رسوله ﷺ، ونبذ كل ما يخالفهما، محذرين من الكذب عليهم والغلو فيهم. ومع ذلك، جاء الرافضة فابتدعوا دينًا جديدًا، شوهوا به مدرسة آل البيت، واخترعوا عقائد ما أنزل الله بها من سلطان مثل القول بتحريف القرآن، والطعن في الصحابة، والاعتماد على روايات المغيرة بن سعيد وزرارة وأضرابهم من الزنادقة الذين دسوا آلاف الأحاديث المكذوبة في تراث الأئمة.

وما نتج عن ذلك إلا اضطراب عقيدتهم وتناقض أصولهم حتى تفرّقوا إلى أخبارية وأصولية، وتناحروا فيما بينهم، وأقرّ علماؤهم بفساد ثلثي رواياتهم كما صرّح المجلسي والمفيد وغيرهما.
إن هذا المقال يكشف بالأدلة الموثقة أن عقيدة أئمة آل البيت هي عين عقيدة أهل السُّنة، وأن ما يروّجه الرافضة ليس إلا انتحالاً باطلاً، أرادوا به تشويه الإسلام الحق وإبعاد الناس عن المنهج النبوي الأصيل.

عقيدة أئمة أهل البيت رحمهم الله هي عين عقيدة أهل السنة:

فبهذا تتكشف لك حقيقة هامة، وهي أن الأئمة رحمهم الله - وقد هالهم كثرة الكذب عليهم - قد دعوا إلى الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تعرض أقوالهم على هذين المصدرين، وهذا عين عقيدة أهل السُنة والجماعة.

فمرويات الصحابة رضوان الله عليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أحالنا إليها الأئمة هي مصدر التشريع الثاني.

ولا يسعف القوم حمل هذا القول على روايات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقط، حيث رووا عن الصادق أنه قال: «ما جاء به علي عليه السلام آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه» [1].

ذلك أن رواياته رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تتجاوز الستمائة حديث، ولم يصح منها - على قول بعض أهل العلم - سوى ما يقرب من خمسين حديثاً، فلن تكون هذه هي السنة بأكملها.

أما الذين أسسوا مذهب التشيع لآل البيت وقالوا بأن القرآن محرف ومبدل لا يمكن الاعتماد عليه، والسنة مردودة بارتداد ناقليها؛ قد اختلقوا ديناً آخر ثم أيدوه بأمثال روايات المغيرة وأصحابه، وزرارة، وجابر بن يزيد الجعفي الذي روى وحده سبعين ألف حديث عن الباقر، مع قول الصادق - رحمه الله - فيه: «ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة، وما دخل علي قط» [2]. إلى سائر من روى عنهم فبلغ عددهم الألوف المؤلفة، إذا علمت أن من روى عن الصادق فقط أربعة آلاف انسان [3]، جلهم أخرجهم الصادق عن دائرة التوثيق بقوله، كما يروي القوم عن المفضل بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كم شيعتنا بالكوفة؟ قال: خمسون ألفاً. قال: والله لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجلاً يعرفون أمرنا الذي نحن عليه ولا يقولون علينا إلا الحق[4].

وهذا شأن أصحابه من أهل الكوفة التي روى القوم فيها: الكوفة جمجمة العرب، ورمح الله تبارك وتعالى، وكنز الإيمان.

وعن الصادق:

ما من البلدان أكثر محباً لنا من أهل الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إن الله هداكم لأمر جهله الناس، فأحببتمونا وأبغضنا الناس، وتابعتمونا وخالفنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا وأماتكم مماتنا، فأشهد على أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه أو يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هكذا - وأهوى بيده إلى حلقه. وقال: من كان له دار في الكوفة فليتمسك بها. وعن الحسن قال: لموضع الرجل في الكوفة أحب إلي من دار في المدينة[5].

كما رووا عن الصادق قوله:

« أما والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً» [6].

وعن حمران بن أعين قال:

 « قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك، ما أقلنا، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها، قال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟! المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ثلاثة» [7].

وعن أبي الحسن قال:

« لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكئوا على الأرائك فقالوا: نحن شيعة علي، إنما شيعة علي من صدق قوله وفعله» [8].

وعن سدير الصيرفي:

« أن الصادق نظر إلى غلام يرعى جداء، فقال: والله - يا سدير - لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. قال سدير: فعددتها فإذا هي سبعة عشر» [9].

لذا قال الرضا: « ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً» [10].

فانظر إلى هؤلاء الأربعة آلاف الذين اندسوا في مدرسة الصادق رحمه الله وحده، وألوف غيرهم في حلقات بقية الأئمة، وأي جرم أحاقوه بفقه أهل البيت عليهم السلام؟!

وقد اعترف القوم بهذا، فيقول أحدهم: وكان من أخطر الدخلاء على التشيع جماعة تظاهروا بالولاء لأهل البيت واندسوا بين الرواة وأصحاب الأئمة عليهم السلام مدة طويلة من الزمن استطاعوا خلالها أن يتقربوا من الإمامين الباقر والصادق، واطمأن إليهم جمع من الرواة، فوضعوا مجموعة كبيرة من الأحاديث ودسوها بين أحاديث الأئمة وفي أصول كتب الحديث، كما تشير إلى ذلك بعض الروايات، وقد اشتهر من هؤلاء محمد بن مقلاص الأسدي، والمغيرة بن سعيد، ويزيع بن موسى الحائك، وبشار الشعيري، ومعمر بن خيثم، والسري، وحمزة اليزيدي، وصائد النهدي، وبيان بن سمعان التميمي، والحرث الشامي، وعبد الله بن الحرث، وغير هؤلاء ممن لا يسعنا استقصاؤهم.

وتؤكد المرويات الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام وغيره من الأئمة أن المغيرة بن سعيد وبياناً وصائداً النهدي وعمر النبطي والمفضل وغيرهم من المنحرفين عن التشيع والمندسين في صفوف الشيعة وضعوا بين المرويات عن الأئمة عدداً كبيراً في مختلف المواضيع.

وجاء عن المغيرة أنه قال:

وضعت في أخبار جعفر بن محمد اثني عشر ألف حديث، وظل هو وأتباعه زمناً طويلاً بين صفوف الشيعة يترددون معهم إلى مجلس الأئمة عليهم السلام، ولم ينكشف حالهم إلا بعد أن امتلأت أصول كتب الحديث الأولى بمروياتهم[11].

ويقول في هذا: وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث - كالكافي والوافي وغيرهما - نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة والهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا دخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم، وبالتالي رجعوا إلى القرآن الكريم لينفثوا عن طريقه سمومهم ودسائسهم؛ لأنه الكلام الوحيد الذي يحتمل ما لا يحتمله غيره، ففسروا مئات الآيات بما يريدون، وألصقوها بالأئمة الهداة زوراً وتضليلاً، وألف علي بن حسان وعمه عبد الرحمن بن كثير وعلي بن أبي حمزة البطائيني كتباً في التفسير كلها تخريف وتضليل لا تنسجم مع أسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه، وليس بغريب على من ينتحل البدع أن يكون في مستوى المخرفين والمهوشين، إنما الغريب أن يأتي شيخ المحدثين بعد جهاد طويل بلغ عشرين عاماً في البحث والتنقيب عن الحديث الصحيح فيحشد في كتابه تلك المرويات الكثيرة، في حين أن عيوبها متناً وسنداً ليست خفية بنحو تخفى على من هو أقل منه علماً وخبرةً بأحوال الرواة[12].

وقال: وقد أحصى المجلسي في كتابه (مرآة العقول) أكثر من ثلثي مرويات الكافي من النوع الذي لا يجوز الاعتماد عليه إذا لم يكن مدعوما ببعض القرائن التي ترجح صدروه عن الأئمة بعد التحقيق الذي أجراه في أسانيدها مع العلم أن الكافي من أوثق الكتب الأربعة[13].

وقال: وكم كنت أتمنى أن يقيض الله سبحانه من يعلق على الطبعة الحديثة ويضع إشارة على كل رواية لم يستوف شروطها[14].

أقول: ومن يجرؤ على ذلك؟! ولعل صاحبنا نسي أو تناسى موقف قومه من العلامة الحلي، وهو أول من قام من الشيعة بهذا العمل، حيث تعرض لأسانيد روايات الشيعة بالدراسة والتخريج، وكان من نتائج ذلك أن سقط ثلثا روايات الكافي، فتعرض لهجوم عنيف من طائفته بسبب ما قام به، حتى قالوا فيه: هُدم الدين مرتين: إحداهما يوم السقيفة، ويوم أحدث العلامة الحلي الاصطلاح الجديد في الأخبار. أو قول البعض: وثانيهما يوم ولد العلامة الحلي..[15].

ولا شك في أن قولهم هذا في الحلي صحيح باعتبار أن ما قام به يعد هدماً لدين الإمامية[16].

وقد انقسم القوم بعد ذلك إلى طائفتين:

أخبارية وأصولية على ما نراهم اليوم، والأخبارية هم الذين لا يرون الأدلة الشرعية إلا الكتاب والحديث، وكل ما نقل عن الأئمه فهو حديث عندهم، وهو حجة؛ لأنه نقل عن معصومين، وما نقل عنهم فهو حجة على اليقين، ولا ينظر إلى هذا الحديث ما منزلته وشأنه ما دام قد وجد في الأصول الأربعة[17].

والأصولية هم الذين يلجئون في مقام استنباط الأحكام الشرعية إلى الأدلة الأربعة من الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل[18].

وقد شنع كل فريق منهم على الآخر وحمل عليه، ووضع للرد عليه مصنفات، واتهمه بالخروج عن التشيع الصحيح، حتى بلغ بهم الأمر - كما قال الطالقاني -: إلى أن أوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين إلى درجة عجيبة، حتى إننا سمعنا من مشايخنا والأعلام وأهل الخبرة والاطلاع على أحوال العلماء أن بعض فضلائهم كان لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشياً من نجاستها، وإنما يقبضها منوراء ملابسه[19].

وأفتى بعضهم بعدم جواز الصلاة خلف البعض الآخر[20].

ولما اتسعت دائرة الخلافات بينهما حتى افتضح أمرهما عند محالفيهم، ظهرت أصوات تنادي بغلق هذا الباب، كما قال شيخ الأخباريين يوسف البحراني: إن الذي ظهر لنا بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وإمعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو الإغماض عن هذا الباب، وإرخاء الستر دونه والحجاب[21]... إلى آخر ذلك.

والحال أن الأمر فيه طول قد يخرجنا عما نحن فيه، وإنما مقصودنا بيان هول الاضطراب الذي وقع - أو أوقع القوم أنفسهم فيه - حتى حملوا كل ما يؤدي إلى إسقاط رواياتهم باعتبار الذم الوارد في ناقيليها على التقية، كقول الصادق رحمه الله: لعن الله بريداً، ولعن الله زرارة. وقوله: لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة ثلاث مرات.

 وقوله: ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع، عليه لعنة الله. وقوله لبعض أصحابه: متى عهدك بزرارة؟ قال: ما رأيته منذ أيام قال: لا تبال وإن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته. قال: قلت: زرارة متعجبا مما قال. قال: نعم، زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة. وقوله: إن قوماً يعارون الايمان عارية ثم يسلبونه، يقال لهم يوم القيمة: (المعارون)، أما ان زرارة بن أعين منهم. وقوله في جارية مرت في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته: فما ذنبي أن الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم. وقوله وقد استأذن زرارة بن أعين وأبو الجارود للدخول عليه: يا غلام! أدخلهما؛ فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات. وقوله وقد قيل له: إن زرارة يدعى أنه آخذ عنك الاستطاعة، فقال لهم: عفواً كيف أصنع بهم، وهذا المرادي بين يدي وقد أريته وهو أعمى بين السماء والأرض فشك فأضمر أني ساحر، فقلت: اللهم لو لم تكن جهنم الا أسكرجة لوسعها آل أعين بن سنسن. قيل: فحمران؟ قال: حمران ليس منهم. وقوله لعبد الرحيم القصير: ائت زرارة وبريداً فقل لهما: ما هذه البدعة التي ابتدعتماها؟ أما علمتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل بدعة ضلالة؟! قلت له: إنى أخاف منهما، فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله (ع) فقال: والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، فأما بريد فقال: لا والله لا أرجع عنهما أبداً.

وقوله: (ليس من ديني ولا من دين آبائي)؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه. وقول ابن مسكان: سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر عليه السلام، وأما جعفر عليه السلام فإن في قلبي عليه لفتة، فقلت له: وما حمل زرارة على هذا؟ قال: حمله على هذا أن أبا عبد الله عليه السلام أخرج مخازيه. وغيرها كثير[22].

فقد حملوا أمثال هذه الروايات على أنها وردت عن الأئمة على سبيل التقية صيانة وستراً لهم، حيث قد اشتهروا بين الشيعة وغيرهم باختصاصهم بآل محمد عليهم السلام وبعظم منزلتهم عندهم، فخافوا عليهم القتل فأبدوا فيهم اللعن والشتم صيانة وسترا لهم حيث عرفوا أنهم يحبهونهم ويقربونهم[23].

وكان الأولى بهم أن يسقطوا رواياتهم التي أساءت إلى مدرسة آل البيت رحمهم الله وعلومهم.

والغريب أنهم يقرون هذا في موطن وينفونه في آخر، كقولهم عن الصادق رحمه الله: إن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين، وكان علي عليه السلام يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر، وكان مستقيماً[24].

فهل يريدون بقولهم هذا أن زين العابدين رحمه الله هو الذي قتل سعيد بن جبير رحمه الله وهو من هو في الفضل والعلم، حتى قال فيه الإمام ابن حنبل رحمه الله: قَتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الارض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. لأنه شهّر به ولم يذمه كما فعل الصادق رحمه الله مع زرارة.

وأعجب من هذا كله أن الإمام زين العابدين رحمه الله نفسه لم يكن هدف الولاة، بل كان ذا حضوة ومنزلة عظيمة عندهم، فعن الزهري قال: دخلت مع علي بن الحسين عليه السلام على عبد الملك بن مروان - وكان الحجاج واليه على العراق - قال: فاستعظم عبد الملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين، فقال: يا أبا محمد! لقد بين عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحسنى، وأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قريب النسب، وكيد السبب، وإنك لذو فضل على أهل بيتك، وذوي عصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك، إلا من مضى من سلفك. وأقبل عبد الملك يثني عليه ويقرظه، قال: فقال علي بن الحسين: «كل ما ذكرته ووصفته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه، فأين شكره على ما أنعم يا أمير المؤمنين؟ كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقف في الصلاة حتى تورم قدماه، ويظمأ في الصيام حتى يعصب فوه، فقيل له: يا رسول الله! ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً. الحمد لله على ما أولى وأبلى، وله الحمد في الآخرة والأولى، والله لو تقطعت أعضائي، وسالت مقلتاي على صدري، لن أقوم لله عز وجل بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون، ولا يبلغ حد نعمة منها علي جميع حمد الحامدين، لا والله، أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار، ولا سر ولا علانية، ولولا أن لأهلي علي حقا، ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم؛ لرميت بطرفي إلى السماء، وبقلبي إلى الله، ثم لم أردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين، وبكى عليه السلام، وبكى عبد الملك وقال: شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها، وبين من طلب الدنيا من أين أجابته ماله في الآخرة من خلاق. ثم أقبل يسأله عن حاجاته، وعما قصد له، فشفعه فيمن شفع، ووصله بمال[25].

وبهذا يتأكد عندك ما أسلفنا ذكره من أن الذين أرادو الكيد للشيعة صرفوا كل ما من شأنه أن يعيدهم إلى إخوانهم في الدين بإسقاطهم هذا العدد الكبير من مرويات أهل البيت عليهم السلام التي توافق ما عليه سائر المسلمين، بينما كان الأولى هو اسقاط معتقد التقية الذي وضعه الزنادقة ونسبوه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي بينا فساده، هذا من جانب، ورد مرويات الزنادقة الذين اندسوا في مدارس أهل البيت عليهم السلام من جانب آخر.

والروايات والأقوال في الباب كثيرة، وهكذا نجد أن معالم الدين عند القوم قد ضاعت، وأن أحكامه قد ذهبت واندثرت حتى لم يبق في أيديهم من فقه آل البيت عليهم السلام الذي يدعون عملهم به، ويدعون الآخرين إلى التمسك به لشدة الاضطراب الواقع فيه حتى أقروا بذلك.

يقول المفيد: إن أحاديث الأحكام الواردة تقية لا يمكن أن ترد بطرق معروفة[26].

والمعلوم أن جل روايات الشيعة إنما وردت على جهة التقية.

___________________________________________________

[1] الكافي، للكليني (1/196، 198)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (5/183، 188 الحاشية) على أصول الكافي، للنائيني (585)، ينابيع المعاجز، لهاشم البحراني (121)، بحار الأنوار للمجلسي (16/358)، مستدرك سفينة البحار، للنمازي (2/54، 8/328)، دراسات في الحديث والمحدثين، لهاشم معروف الحسني (295)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (5/320)

[2] خاتمة المستدرك، للنوري الطبرسي (4/216)، اختيار معرفة الرجال، للطوسي (2/436)، معجم رجال الحديث، للخوئي (4/344)، المفيد من معجم رجال الحديث، للجواهري (766)، تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي، لمحمد على الأبطحي (5/59)، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (4/52).

[3] الاستبصار، للطوسي (1/2، وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (1/12، 20/72)، مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب (2/43)، كتاب الأربعين، لمحمد طاهر القمي الشيرازي (389)، بحار الأنوار للمجلسي (27/338)، دراسات في علم الدراية، لعلي أكبر غفاري (159)، الرسائل الرجالية، للكلباسي (4/113)، رجال الخاقاني، لعلي الخاقاني (75)، كليات في علم الرجال، للسبحاني (482)، الذريعة، لآقا بزرگ الطهراني (2/129)، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (1/100، 666)، إعلام الورى، للطبرسي (2/200)، كشف الغمة، للإربلي (3/317)، الشيعة وفنون الإسلام، لحسن الصدر (51).

[4] صفات الشيعة، للصدوق (15)، بحار الأنوار للمجلسي (64/159)، درر الأخبار، لخسرو شاهي (456)، ميزان الحكمة، لمحمد الريشهري (1/128).

[5] انظر روايات فضائل الكوفة في: بحار الأنوار للمجلسي (100/385)، وفيه: (71) رواية.

[6] الكافي، للكليني (2/242)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (9/185)، بحار الأنوار للمجلسي (64/160)، مستدرك سفينة البحار، للنمازي (8/580)، ألف حديث في المؤمن، لهادي النجفي (253)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (9/296)، ميزان الحكمة، للريشهري (1/551).

[7] الكافي، للكليني (2/244)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (9/187)، بحار الأنوار للمجلسي (22/345، 64/164)، ألف حديث في المؤمن، لهادي النجفي (255)، اختيار معرفة الرجال، للطوسي (1/37)، معجم رجال الحديث، للخوئي (9/196)، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (7/287)، جواهر التاريخ، للكوراني (1/27)، نفس الرحمن في فضائل سلمان، للنوري الطبرسي (578).

[8] الكافي، للكليني (8/228)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (12/305)، ميزان الحكمة، لمحمد الريشهري (2/1540)، الانتصار، للعاملي (9/234)، الشيعة في أحاديث الفريقين، لمرتضى الأبطحي (583).

[9] الكافي، للكليني (2/243)، بحار الأنوار للمجلسي (47/373، 64/161)، مستدرك سفينة البحار، للنمازي (2/41، 8/579)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (9/173)، ميزان الحكمة، للريشهري (1/128)، مستدركات علم رجال الحديث، للنمازي (4/14)، موسوعة المصطفى والعترة (ع) لحسين الشاكري (10/194).

[10] الكافي، للكليني (2/244)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (9/188)، بحار الأنوار للمجلسي (64/165)، ميزان الحكمة، للريشهري (1/210)، عوائد الأيام، للنراقي (229)، مسائل علي بن جعفر (329).

[11] الموضوعات في الآثار والأخبار، لهاشم معروف الحسيني (148).

[12] الموضوعات في الآثار والأخبار، لهاشم معروف الحسيني (253).

[13] الموضوعات في الآثار والأخبار، لهاشم معروف الحسيني (44).

[14] الموضوعات في الآثار والأخبار، لهاشم معروف الحسيني (254).

[15] انظر: مقباس الهداية (1/137) الحدائق الناضرة ليوسف البحراني (1/170)، إرشاد الأذهان، للحلي (1/164)، قواعد الأحكام، للحلي (1/143)، مختلف الشيعة، للحلي (1/142)، منتهى المطلب، للحلي (3/24 ترجمة المؤلف)، الفوائد الرجالية، لبحر العلوم (2/257 (هـ))، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (5/94، 401).

[16] لاحظ استعمالهم لكلمة (دين).

[17] أعيان الشيعه (1/93).

[18] أعيان الشيعه (17/453)، مع علماء النجف الأشرف لمغنية (10)، مصادر الاستنباط (39).

[19] جامع السعادات، لمحمد حست للطالقاني (1)، المقدمة الشيخية، للطالقاني (39).

[20] مع علماء النجف، لمحمد جواد مغنية (74).

[21] الكشكول، ليوسف البحراني (2/387).

[22] انظر: بحار الأنوار للمجلسي (5/46)، تاريخ آل زرارة، لأبي غالب الزراري (0 -66، 70)، اختيار معرفة الرجال، للطوسي (1/361، 362، 365، 366، 367، 378، 381)، التحرير الطاوسي، لحسن صاحب المعالم (231، 241)، معجم رجال الحديث، للخوئي (8/242، 247، 249، 250، 251، 252)، تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي، لمحمد على الأبطحي، ج (5/356)، قاموس الرجال، لمحمد تقي التستري (12/430)، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (7/49، 50، 51، 54، 55)، تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية، للتبريزي (1/234).

[23] انظر مثلاً: شرح إحقاق الحق، للمرعشي (1/226)، وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (20/196)، إكليل المنهج في تحقيق المطلب، للكرباسي (254)، شبهات وردود، لسامي البدري (1/52).

[24] الاختصاص للمفيد (205)، مستدركات علم رجال الحديث، لعلي النمازي (4/57)، أعيان الشيعة لمحسن الأمين (7/234).

[25] انظر: فتح الأبواب، لابن طاوس (170)، منهاج الصالحين، لوحيد الخراساني (1/370)، مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي (1/125، 13/178)، بحار الأنوار للمجلسي (46/57)، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي (1/403، 17/345)، جواهر التاريخ، لعلي الكوراني (3/476)، شرح رسالة الحقوق، الإمام زين العابدين (ع) (303)، مقدمة في أصول الدين، لوحيد الخراساني (371).

[26] جوابات أهل الموصل، للمفيد (5).