تُعَدّ فرقة الشيعة الإمامية من أكثر الفرق التي انحرفت عن الإسلام الحقّ، وابتدعت عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، فزعموا الوصاية والإمامة الإلهية لأئمتهم، واخترعوا أحاديث مكذوبة على رسول الله ﷺ لخدمة مذهبهم الباطل. ومن تلك الأحاديث الموضوعة ما نسبوه إلى النبي الكريم من نصوص زعموا أنها تُثبت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه خلافةً بعد النبي مباشرة. وهذه الأكاذيب تمثّل أحد أعمدة مذهبهم المنحرف الذي خالف به الشيعة أهل الإسلام من الصحابة والتابعين، ولهذا يعدّهم العلماء فرقة ضالة خارجة عن جماعة المسلمين، استبدلوا الأحاديث الصحيحة بالمكذوبة خدمةً لأهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة. في هذا المقال سنكشف زيف هذه الأحاديث المروّجة، ونبيّن ضعف أسانيدها وبطلان دلالاتها، وفق منهج علمي رصين ومن مصادر موثوقة.
يحتج الإمامية بقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه". على إمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم بلا فصل.
وقبل البدء في شرح هذا الحديث، والمراد منه عند أهل العلم من علمائنا الأبرار أحب أن انقل كلام السيد الشريف المرتضى وهو أحد كبار علماء الإمامية، فانه صرح بأن هذا الحديث لا يعتبر نصا جليا على الإمامة.
حيث قال في الشافي:
" فأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلا استدلالا كقوله صلى الله عليه وآله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي) و (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه أصحابنا النص الخفي[1] "
وقال في رسائله: " قال: " النص الخفي: فهو الذي ليس في صريحة لفظه النص بالإمامة، وإنما ذلك في فحواه ومعناه، كخبر الغدير، وخبر تبوك[2]"
ولقد قال الإمامية أن النص الخفي لا يدل على الإمامة، وانما يكون الاستدلال عليها بالنص الجلي.
وبهذا صرح النصير الطوسي، حيث قال:
" وأمّا القائلون بوجوبه على اللّه تعالى فهم الشيعة القائلون بإمامة عليّ بعد النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم. واختلفوا في طريق معرفة الإمام بعد أن اتّفقوا على إنه هو النصّ من اللّه، وهو منصوص من قبل اللّه تعالى، لا غير فقالت الإمامية الاثنى عشريّة والكيسانيّة: إنه إنّما يحصل بالنص الجليّ لا غير وقالت الزيديّة: إنه يحصل بالنصّ الخفيّ أيضاً [3]"
فهذا الكلام صريح من الطوسي بأن الاتفاق عند الإمامية متحقق على أن النص الذي يعرف به الإمام هو الجلي لا الخفي، وفي هذا كفاية لإسقاط استدلال الإمامية بهذا الحديث.
فالاعتبار في الاستدلال إذن ما جاء عند أهل السنة والجماعة اعلى الله تعالى مقامهم لا غير، فقد نقلت عن الطوسي بأن الإمامية قالوا أن النص الخفي لا يُعرف به الإمام، وقد نقلت كلام الشريف المرتضى أن حديث الغدير نص خفي، ومن وجه اخر أقول إنه لا يصح الاستشهاد من كتب الرافضة باي رواية، وذلك لأنهم ذكروا أن تحريف القرآن منقول عن الأئمة من طرق الإمامية بالتواتر، ففرقة تنقل التواتر على تحريف القرآن لا يمكن الوثوق بأي رواية ترد عندهم، وذلك لأنهم خالفوا أهل السلام في القطعيات، وأحد هذه القطعيات عند أهل السلام بأن القرآن الكريم غير محرف، ولكن علماء الرافضة قد صرحوا بتحريف القرآن الكريم نعوذ بالله تعالى من الخذلان.
فأما الحديث عند أهل السنة والجماعة اعلى الله تعالى مقامهم فلا يصح أن نأخذ فهمه من الرافضة، او من غيرهم من الفرق الضالة، بل يكون فهم الحديث بفهم علماء أهل السنة اعلى الله تعالى مقامهم، ومن الواجب علينا أن نجمع كل الأدلة المتعلقة بالموضوع لنخرج بالفهم الصحيح لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله وسلم فداه أبي وأمي.
أقول أن استدل الإمامية بهذا الحديث على إمامة علي رضي الله عنه بلا فصل باطل، ولا يصح، وذلك لأن الحديث قد ورد لمناسبة تتعلق باستنقاص، وبغض بريدة لعلي رضي الله عنهما، ففي مسند الإمام أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين كما قال العلامة شعيب الارناؤوط.
قال الإمام أحمد:
" 22945 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ [4]"
وقد جاءت رواية في البخاري وفيها تصريح بريدة ببغض علي رضي الله عنهما.
قال الإمام البخاري:
" 4350 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»[5]"
ولقد ورد عن بريدة رضي الله عنه الامتثال لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقد ورد عند الإمام أحمد بسند صحيح كما قال العلامة الارناؤوط الرواية التي يصرح فيها بريدة رضي الله عنه بحب علي رضي الله عنه وعدم بغضه.
قال الإمام أحمد:
" 22967 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنَا بُرَيْدَةَ فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي بُرَيْدَةُ قَالَ: أَبْغَضْتُ عَلِيًّا بُغْضًا لَمْ أَبْغِضْهُ أَحَدًا قَطُّ. قَالَ: وَأَحْبَبْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحِبَّهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ: فَبُعِثَ ذَاكَ الرَّجُلُ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ مَا أَصْحَبُهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ: فَأَصَبْنَا سَبْيًا. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا مَنْ يُخَمِّسُهُ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْنَا عَلِيًّا، وَفِي السَّبْيِ وَصِيفَةٌ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ السَّبْيِ فَخَمَّسَ، وَقَسَمَ فَخَرَجَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْوَصِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّبْيِ، فَإِنِّي قَسَمْتُ وَخَمَّسْتُ فَصَارَتْ فِي الْخُمُسِ، ثُمَّ صَارَتْ فِي أهل بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ وَوَقَعْتُ بِهَا. قَالَ: فَكَتَبَ الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي فَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ الْكِتَابَ وَأقول: صَدَقَ. قَالَ: فَأَمْسَكَ يَدِي وَالْكِتَابَ وَقَالَ: " أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَلَا تَبْغَضْهُ، وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ " قَالَ: فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أحد بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إِلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ أَبِي بُرَيْدَةَ [6]"
فهذا الحديث يتعلق بالنصرة والمحبة، وهي من معاني المولى، وذلك لأن المولى لفظ مشترك، والذي يحدد المعنى المراد من كلمة المولى في اي جملة القرينة الواردة، وهذه القرينة اما أن تكون في داخل الجملة او خارجها، فالقرينة الداخلية في الجملة واضحة وهي المحبة المقابلة للبغض الوارد في الحديث، وسوف اذكر الأدلة الخارجية كذلك ليتضح المعنى للقراء الكرام، ويتبين لهم أن فهم الرافضة للحديث فهم سقيم، ولا يمكن أن نستدل به على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من غير فصل.
قال ابن الاثير:
"وقد تكرر ذكر المَوْلَى في الحديث وهو اسْمٌ يقَع على جَماعةٍ كَثيِرَة فهو الرَّبُّ والمَالكُ والسَّيِّد والمُنْعِم والمُعْتِقُ والنَّاصر والمُحِبّ والتَّابِع والجارُ وابنُ العَمّ والحَلِيفُ والعَقيد والصِّهْر والعبْد والمُعْتَقُ والمُنْعَم عَلَيه وأكْثرها قد جاءت في الحديث فَيُضاف كُلّ واحِدٍ إلى ما يَقْتَضيه الحديثُ الوَارِدُ فيه. وكُلُّ مَن وَلِيَ أمْراً أو قام به فَهُو مَوْلاهُ وَوَليُّه. وقد تَخْتَلِف مَصادرُ هذه الأسْمَاء فالوَلايَةُ بالفَتْح في النَّسَب والنُّصْرة والمُعْتِق. والوِلاَية بالكسْر في الإمَارة [7]"
ولقد ورد التشريف بالموالاة لغير علي رضي الله عنه، وكان المراد بذلك النصرة، والمحبة، والاعتناء.
ففي الصحيحين، واللفظ للبخاري: "3512 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»[8]"
وفي صحيح مسلم: " 188 - (2519) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَنْصَارُ، وَمُزَيْنَةُ، وَجُهَيْنَةُ، وَغِفَارُ، وَأَشْجَعُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ، مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ»[9]"
قال الإمام النووي: " أَيْ وَلِيُّهُمْ وَالْمُتَكَفِّلُ بِهِمْ وَبِمَصَالِحِهِمْ وَهُمْ مَوَالِيهِ أَيْ نَاصِرُوهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ[10]"
وقال ابو جعفر الطحاوي: " وَأَنَّ قَوْلَهُ: " فَهُوَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ يُرِيدُ الْوَلَاءَ الَّذِي يُوجِبُهُ الْعَتَاقُ، وَلَكِنَّهُ مَوْلَاهُ لِلْوَلَاءِ الَّذِي تُوجِبُهُ الْوَلَايَةُ الَّتِي مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ "، فَأَعْلَمَنَا بِذَلِكَ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " إنه الْمُوَالِاةُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَجِبُ أن يَكُونَ أهل الإسلام عَلَيْهَا مِنَ الْمُوَالِاةِ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَيْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4272 - مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَمُزَيْنَةُ، وَجُهَيْنَةُ، وَأَشْجَعُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ " قَالَ الْحُسَيْنُ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِأحمد بْنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْبَارًا مِنْهُ بِذَلِكَ إنه يَتَوَلَّاهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّاهُ اللهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، كَانَ فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ[11]"
فقد بين الإمام ابو جعفر الطحاوي أن المولى في الحديثين قد جاءت بمعنى النصرة، والمحبة، وذلك لأن القرينة دالة على ذلك.
ولقد بين علماء الإسلام أن معنى مولاه اي ناصره ومحبه، وذلك ضد العداوة، والبغض، ولم يذكر أحد منهم أن المراد من ذلك الإمامة.
قال الازهري: " ثعلب عن ابن الأعرابي: الوليّ: التابع المُحبّ.
وقال في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أي من أحبّني وتولاني فَلْيتولَّه[12]"
وقال العلامة المناوي: " (من كنت مَوْلَاهُ) أَي وليه وناصره (فعلى مَوْلَاهُ) وَلَاء الاسلام[13] "
وقال العلامة القاري: " اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» "): وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَأحب مَنْ أَحَبَّهُ، وَأَبْغِضْ مَنْ أَبْغَضَهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» ". (فَلَقِيَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ هَنِيئًا)، أَيْ: طُوبَى لَكَ أَوْ عِشْ هَنِيئًا (يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ)، أَيْ: صِرْتَ فِي كُلِّ وَقْتٍ (مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ) تَمَسَّكَتِ الشِّيعَةُ إنه مِنَ النَّصِّ الْمُصَرِّحِ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالُوا: مَعْنَى الْمَوْلَى: الْأَوْلَى بِالإمامة، وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إِلَى جَمْعِهِمْ كَذَلِكَ، هَذَا مِنْ أَقْوَى شُبَهِهِمْ، وَدَفَعَهَا عُلَمَاءُ أهل السُّنَّةِ بأن الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ وَهُوَ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - سَيِّدُنَا وَحَبِيبُنَا، وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ تَقَدَّمَتْ، وَمِنْهُ النَّاصِرُ وَأَمْثَالُهُ، فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ نَصًّا فَضْلًا عَنْ أن يَكُونَ صَرِيحًا وَلَوْ سُلِّمَ إنه بِمَعْنَى الْأَوْلَى بِالإمامة، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ، وَإِلَّا لَزِمَ أن يَكُونَ هُوَ الإمام مَعَ وُجُودِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتَعَيَّنَ أن يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حِينَ يُوجَدُ عَقْدُ الْبَيْعَةِ لَهُ، فَلَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ الأئمة الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ لِانْعِقَادِ إِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى مِنْ عَلِيٍّ ثُمَّ سُكُوتِهِ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِلَى أَيَّامِ خِلَافَتِهِ قَاضٍ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ إنه لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى خِلَافَتِهِ عَقِبَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أن عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - صَرَّحَ نَفْسُهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ آحَادًا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَكَيْفَ سَاغَ لِلشِّيعَةِ أن يَخَالُفوا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ فِي أَحَادِيثِ الإمامة؟ مَا هَذَا إِلَّا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ وَتَعَارُضٌ قَبِيحٌ [14]"
وقال العلامة الاحوذي:
" قَوْلُهُ (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ) قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كُنْتُ أَتَوَلَّاهُ فَعَلِيٌّ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْوَلِيِّ ضِدُّ الْعَدُوِّ أَيْ مَنْ كُنْتُ أُحِبُّهُ فَعَلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يتولاني فعلي يتولاه ذكره القارىء عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ[15] "
وقال ابو البقاء الكفوي:
" ومعنى حديث من كنت مولاه فعلي مولاه أي من كنت ناصره على دينه وحاميا له بباطني فعلي ناصره وحاميه بباطنه وظاهره [16]"
وقال الإمام الباقلاني:
" فَأَما مَا قصد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا من كنت ناصره على دينه وحاميا عَنهُ بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعلي ناصره على هَذَا السَّبِيل فَتكون فَائِدَة ذَلِك الْإِخْبَار عَن أن بَاطِن عَليّ وَظَاهره فِي نصْرَة الدّين وَالْمُؤمنِينَ سَوَاء وَالْقطع على سَرِيرَته وعلو رتبته وَلَيْسَ يعْتَقد ذَلِك فِي كل نَاصِر للْمُؤْمِنين بِظَاهِرِهِ لإنه قد ينصر النَّاصِر بِظَاهِرِهِ طلب النِّفَاق والسمعة وابتغاء الرفد ومتاع الدُّنْيَا فَإِذا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أن نصْرَة بعض الْمُؤمنِينَ فِي الدّين وَالْمُسْلِمين كنصرته هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع على طَهَارَة سَرِيرَته وسلامة بَاطِنه وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة وَيحْتَمل أَيْضا أن يكون المُرَاد بقوله فَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ أَي من كنت محبوبا عِنْده ووليا لَهُ على ظاهري وباطني فعلي مَوْلَاهُ أَي أن ولاءه ومحبته من ظَاهره وباطنه وَاجِب كَمَا أن ولائي ومحبتي على هَذَا السَّبِيل وَاجِب فَيكون قد أوجب مولاته على ظَاهره وباطنه ولسنا نوالي كل من ظهر مِنْهُ الْإِيمَان على هَذِه السَّبِيل بل إِنَّمَا نواليهم فِي الظَّاهِر دون الْبَاطِن فَإِن قيل فَمَا وَجه تَخْصِيصه بِهَذَا القَوْل وَقد كَانَ عنْدكُمْ فِي الصَّحَابَة خلق عَظِيم ظَاهِرهمْ كباطنهم قيل لَهُ يحْتَمل أن يكون بلغَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدح قَادِح فِيهِ أَو ثلب ثالب أَو أخبر أن قوما من أهل النِّفَاق والشراة سيطعنون عَلَيْهِ ويزعمون إنه فَارق الدّين وَحكم فِي أَمر الله تَعَالَى الْآدَمِيّين ويسقطون بذلك ولَايَته ويزيلون ولاءه فَقَالَ ذَلِك فِيهِ لينفي ذَلِك عَنهُ فِي وقته وَبعده لأن الله تَعَالَى لَو علم أن عليا سيفارق الدّين بالتحكيم أَو غَيره على مَا قرف بِهِ لم يَأْمر نبيه أن يَأْمر النَّاس باعتقاد ولَايَته ومحبته على ظَاهره وباطنه وَالْقطع على طَهَارَته وَهُوَ يعلم إنه يخْتم عمله بمفارقة الدّين لأن من هَذِه سَبيله فِي مَعْلُوم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لم يكن قطّ وليا لله وَلَا مِمَّن يسْتَحق الْولَايَة والمحبة وَفِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بموالاة عَليّ على ظَاهره وباطنه دَلِيل على سُقُوط مَا قرفه أهل النِّفَاق والضلال بِهِ [17]"
وقال ايضا: " وَقَوله (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) بعد قَوْله (أَلَسْت أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم فَأوجب من موالاته على بَاطِنه وَظَاهره وَالْقطع على طَهَارَة سَرِيرَته مَا أثْبته لنَفسِهِ وأعلمهم أن عليا نَاصِر للْأمة مُجَاهِد فِي سَبِيل الله بِظَاهِرِهِ وباطنه لأن الْمولى يكون بِمَعْنى النَّاصِر الْمعِين بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي ناصره [18]"
وقال الإمام ابو بكر البيهقي:
" وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُوَالِاةِ فَلَيْسَ فِيهِ - أن صَحَّ إِسنَادُهُ - نَصٌّ عَلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ بَعْدَهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ طُرُقِهِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ إنه لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيمَنِ كَثُرَتِ الشَّكَاةُ عَنْهُ وَأَظْهَرُوا بُغْضَهُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَذْكُرَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَمَحبَّتَهُ إِيَّاهُ وَيَحُثُّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَمُوَالِاتِهِ وَتَرْكِ مُعَادَاتِهِ فَقَالَ: «مِنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيَّهُ» وَفِي بَعْضِ الرُّوَايَاتِ: مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمْ وَالِ مِنْ وَالِاهُ وَعَادِ مِنْ عَادَاهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الإسلام وَمَودَّتُهُ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أن يوَالِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنه قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إنه لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ «أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ». وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ شَكَا عَلِيًّا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَبْغِضُ عَلِيًّا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لَا تُبْغِضْهُ وَأَحْبِبْهُ وَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، قَالَ بُرَيْدَةُ: فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أحد أحب أَليَّ مِنْ عَلِيٍّ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَجَّاجِيُّ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَاءَ الإسلام وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بأن اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [19]"
وقال المتولي الشافعي:
" فإن استدلوا بما روي أن رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه فالمراد بالمولى الناصر فمعناه من كنت ناصره فعلي ناصره [20]"
وقال الإمام السمعاني:
" وَمِنْه قَول النَّبِي: " من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ " أَي: من تولينه انا فعلي مَوْلَاهُ من (مُوالَاة) الْمحبَّة والنصرة [21]"
ولقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الحديث تفصيلا رائعا، وذكر ما يبهر العقول، حيث قال: " وَالْمُؤْمِنُونَ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُوَالَاةَ الْمُضَادَّةَ لِلْمُعَادَاةِ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَوَلَّوْنَهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ فِي الْبَاطِنِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُوَالَاةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَرُدُّ مَا يَقُولُهُ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إنه لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَوْلًى غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَوَالِي، وَهُمْ صَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِيٌّ أَيْضًا لَهُ مَوْلًى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِنَّ أَسْلَمَ، وَغِفَارًا، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَقُرَيْشًا، وَالْأَنْصَارَ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»"، وَجَعَلَهُمْ مَوَالِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * كَمَا جَعَلَ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ مَوَالِيَهُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ.
وَفِي الْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ، وَالْمَوْلَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْوَالِي فَبَابُ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ - شَيْءٌ، وَبَابُ الْولاَيَةِ - الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ - شَيْءٌ.
وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ: مَنْ كُنْتُ وَالِيَهُ فَعَلِيٌّ وَالِيهِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ".
وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْوَالِي فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَهُوَ مَوْلَاهُمْ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ طَرَفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ خَصَائِصِ نَبُوَّتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ إنه نَصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا أن يَكُونَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا إنه لَا يَكُونُ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتِهِمْ، وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ، وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لأن كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ، وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ - لَوْ قُدِّرَ وَجُودُهَا - لَمْ تَكُنْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ تَكُنْ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أن يَكُونَ عَلِيٌّ خَلِيفَةً فِي زَمَنِهِ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ وَلَا يَكُونُ مَوْلَى أحد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أُرِيدَ (بِهِ) الْخِلَافَةُ.
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إنه لَمْ يُرِدِ الْخِلَافَةَ؛ فَإِنَّ كَوْنَهُ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَأَخَّرْ حُكْمُهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْخِلَافَةُ فَلَا يَصِيرُ خَلِيفَةً إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَعُلِمَ أن هَذَا لَيْسَ هَذَا.
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ إنه اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ إنه اسْتَخْلَفَ أَحَدًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَارَ لَهُ خَلِيفَةً بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ فَهُوَ أَوْلَى بِتِلْكَ الْخِلَافَةِ وَبِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَكُونُ قَطُّ غَيْرُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، لَا سِيَّمَا فِي حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا كَوْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَعَلِيٍّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِ عَلِيٍّ، فَعَلِيٌّ الْيَوْمَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ الْيَوْمَ مُتَوَلِّيًا عَلَى النَّاسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [22]"
فكلام ائمة الإسلام واضح جدا على أن معنى الحديث لا علاقة له بالإمامة التي يقول بها الرافضة، وانما معناه النصرة، والمحبة، والتزكية لعلي رضي الله عنه.
ولقد جاءت ادلة عندنا واضحة على عدم وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي بالخلافة.
ومنها ما ثبت في البخاري: " 4447 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أحد الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، " كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا "، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ العَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ، أن كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [23]"
فهذا الحديث الذي دار بين العباس وعلي رضي الله عنهما في مرض موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وكلاهما من العترة الطيبة المباركة دال على عدم وجود اي نص من النبي صلى الله عليه واله وسلم لاحد بالخلافة من بعده، فلو كانت هناك وصية لعلي رضي الله عنه لما قال له العباس رضي الله عنه فلنسألن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيمن هذا الامر أن كان فينا علمنا ذلك، وان كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا، ثم نرى رد علي رضي الله عنه بكلام يدل على عدم وجود اي وصية له، فلو كانت هناك وصية لعلي رضي الله عنه لقال للعباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه واله وسلم اوصى لي في الغدير، وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فدل هذا بكل وضوح على عدم وجود اي وصية لعلي رضي الله عنه.
وفي كتاب السنة للإمام عبد الله بن أحمد بسند صحيح كما قال محقق الكتاب الدكتور القحطاني.
قال الإمام عبد بن الإمام أحمد:
" 1336 - حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثِقَةٌ، وَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وُجُودُ أَبِي عَاصِمٍ أَقَامَ إِسْنَادَهُ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي الْإِمَارَةِ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْنَاهُ»[24]"
فهذا الاثر الصحيح عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صريح كل الصراحة على عدم وجود وصية بالخلافة له رضي الله عنه.
وثبت ايضا عند الإمام الحاكم والإمام البزار وغيرهما بسند صحيح أن عليا رضي الله عنه قال أن الله قد جمع الامة بعد نبيها صلى الله عليه واله وسلم على خيرها، واحتج بهذا الامر على عدم الوصية لاحد من بعده رضي الله عنه.
قال الإمام الحاكم:
" 4467 - أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الْمُزَكِّي بِمَرْوَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفُ، وَلَكِنْ أن يُرِدُ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعَهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ»
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " [التعليق - من تلخيص الذهبي] 4467 - صحيح [25]"
وقال الحافظ الهيثمي:
" 14334 - وَعَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قِيلَ لَعَلِيٍّ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: «مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْتَخْلِفُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ».
رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ[26]"
وفي لفظ اخر للإمام البزار:
" 871 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أحمد بْنِ الْجُنَيْدِ، قَالَا: نا أَبُو الْجَوَابِ، قَالَ: نا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ لِلِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ فَمَا يُحْبَسُ أَشْقَاهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُبَيْعٍ: وَاللَّهِ يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أن رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ أَبَرْنَا عِتْرَتَهُ قَالَ: قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أن تَقْتُلَ بِي غَيْرَ قَاتِلِي قَالُوا يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ وَقَدْ تَرَكْتَنَا هَمَلًا قَالَ: أقول لَهُمُ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ ثُمَّ قَبَضْتَنِي وَتَرَكْتُكَ فِيهِمْ[27]"
وقال الحافظ الهيثمي:
" 14782 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُبَيْعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: لَتُخَضَّبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَمَا يَنْتَظِرُ بِيَ الْأَشْقَى؟ قَالُوا: يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبِرْنَا بِهِ نُبِيرُ عِتْرَتَهُ قَالَ: إِذًا تَقْتُلُونَ بِي غَيْرَ قَاتِلِي. قَالُوا: فَاسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَتْرُكُكُمْ إِلَى مَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: أقول: اللَّهُمَّ تَرَكْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ وَأَنْتَ فِيهِمْ؛ فَإِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ.
رَوَاهُ أحمد وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُبَيْعٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ[28]"
فهذه الاثار الصحيحة على لسان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صريحة في عدم وجود اي وصية له بالخلافة، وذلك لإنه احتج بفعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعدم الوصية، ولهذا لم يوص لأحد من بعده رضي الله عنه وأرضاه.
فقد تبين لنا من خلال النقولات المعتبرة لأهل الإسلام إنه لا حجة بهذا الحديث الشريف على الإمامة التي يقول بها الرافضة.
[1] الشافي – الشريف المرتضى – ج 2 ص6
[2] رسائل الشريف المرتضى - الشلايف المرتضى - ج 1 ص 339
[3] قواعد العقائد – نصير الدين الطوسي – ص 110
[4] إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[5] صحيح البخاري - بَابُ بَعْثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ - ج 5 ص 163
[6] مسند أحمد بن حنبل - تحقيق شعيب الارناؤوط - ج 38 ص 65 - 67
[7] النهاية في غريب الحديث والأثر - أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري -ج 5 ص 510
[8] صحيح البخاري - بَابُ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ - ج 4 ص 181، وصحيح مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ غفَارَ،وَأَسْلَمَ،وَجُهَيْنَةَ، وأَشْجَعَ،وَمُزَيْنَةَ،وَتَمِيمٍ،وَدَوْسٍ،وَطَيِّئٍ - ج 4 ص 1954
[9] صحيح مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ غِفَارَ،وَأَسْلَمَ،وَجُهَيْنَةَ، وَأَشْجَعَ،وَمُزَيْنَةَ،وَتَمِيمٍ،وَدَوْسٍ،وَطَيِّئٍ - ج 4 ص 1954
[10] شرح النووي على مسلم - ابو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 16 ص 74
[11] شرح مشكل الآثار - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي - ج 11 ص 48
[12] تهذيب اللغة - أبو منصور محمد بن أحمد الازهري - ج 5 ص 204
[13] التيسير بشرح الجامع الصغير - محمد عبد الرؤوف المناوي - ج 2 ص 442
[14] مرقاة المفاتيح - علي بن سلطان محمد الهروي القاري - ج 9 ص 3944
[15] تحفة الأحوذي - محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى - ج 10 ص 147
[16] كتاب الكليات - أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي - ص 1408
[17] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل - القاضي ابو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني - ص 457
[18] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل - القاضي ابو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني - ص 545
[19] الاعتقاد للبيهقي - ابو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - ص 354 - 355
[20] الغنية في أصول الدين - ابو سعيد عبد الرحمن بن محمد المتولي الشافعي - ص 182
[21] تفسير السمعاني - أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني - ج 5 ص 130
[22] السنة النبوية - ابو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 7 ص 323 - 325
[23] صحيح البخاري - بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ – ج 6 ص 12
[24] السنة لعبد الله بن أحمد - تحقيق د. محمد بن سعيد بن سالم القحطاني - ج 2 ص 570
[26] مجمع الزوائد - أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي - ج 9 ص 47
[27] مسند البزار - أبو بكر أحمد بن عمرو البزار - ج 3 ص 92
[28] مجمع الزوائد - أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي - ج 9 ص 137