يتناول هذا المقال استكمالاً لما سبقه من دراسة نقدية معمقة للروايات التي اعتمدت عليها الفرقة الضالّة الإمامية الاثنا عشرية في تقرير عقيدتهم الباطلة بوجوب الخُمس في غير مواضعه الشرعية التي أقرها الإسلام. فبعد أن تم في الجزء الأول تحليل عددٍ من رواياتهم المروية عن أئمتهم المزعومين، وبيان ما فيها من اضطرابٍ وضعفٍ في السند والمتن، نتابع هنا كشف بقية النصوص التي استندوا إليها لتسويغ هذا التشريع المنحرف الذي اتخذوه وسيلة لابتزاز أتباعهم وتمويل حوزاتهم ومراجعهم تحت غطاء "الفريضة الربانية".

 ويُظهر البحث أن غالب هذه الروايات دارت بين رواة مطعون في عدالتهم، أو مجهولي الحال، أو غلاة متهمين بالكذب والتحريف، مما يسقط حجيتها وفق منهجهم الرجالي نفسه. كما يتجلى التناقض الصارخ في موقفهم من الرواة، إذ يُسقطون خصومهم بأدنى طعن، بينما يُدافعون عن رواة الخُمس حفاظًا على أصلٍ يمدّ مؤسستهم بالمال والنفوذ، وهو ما يكشف زيف منهجهم العلمي وتناقض أصولهم المذهبية في باب الرواية والجرح والتعديل.

 يتناول هذا المقال استكمالاً لما سبقه من دراسة نقدية للروايات التي يستند إليها أتباع الفرقة الضالة الإمامية في تقرير عقيدتهم بوجوب الخُمس في غير مواضعه الشرعية التي أقرها الإسلام. فبعد أن ناقشنا في الجزء الأول جملة من رواياتهم المروية عن أئمتهم المزعومين وما يعتريها من اضطرابٍ وضعفٍ في السند والمتن، نواصل هنا الكشف عن بقية الروايات التي استندوا إليها، مع تحليل أسانيدها وفق منهج علماء الرجال عندهم، ليتبين مدى هشاشة هذه النصوص التي قامت عليها واحدة من أهم مصادر تمويل الحوزات والمرجعيات، تحت دعوى أنها فريضة ربانية.

ويظهر من خلال البحث أن أكثر هذه الروايات دارت بين رواة مطعون في عدالتهم أو مجهولي الحال أو غلاة متهمين بالكذب والتحريف، مما يسقط حجيتها ويكشف تناقض القوم في قواعدهم الرجالية، إذ يُسقطون رواة خصومهم بأدنى طعن، بينما يتأولون الدفاع عن رواة روايات الخمس حفاظاً على أصلٍ يمدّ مؤسستهم بالمال والنفوذ.

 33-العياشي:

 عن أبي بصير قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: «أصلحك الله ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم»[1].

أما العياشي فقد ذكرنا أنه ثقة إلا أنه يروي عن الضعفاء كثيراً[2]، أما تفسيره فجل رواياته محذوفة الأسانيد كروايتنا هذه[3]، فضلاً عن أنه حوى الكثير من مسائل التحريف والطعن في سلف هذه الأمة، والغلو، وغيرها من عقائد فاسدة تماماً كشأن تفسير القمي. وأبو بصير مر ذكره.

 34-الصدوق:

حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عيسى عن محمد بن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: .. فذكر رواية العياشي السابقة[4].

وقد مر ذكر أكثر رجال السند، وعلي بن أبي حمزة البطائني كذاب متهم[5].

 35-الكليني:

سهل عن أحمد بن المثنى قال:

حدثني محمد بن زيد (يزيد) الطبري قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب اليه فيما كتب:

لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، وإن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا.. والمسلم من يفي لله بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام»[6].

قد مر الكلام في سهل، والمثنى مجهول[7]، وكذا حال الطبري[8].

 36-الكليني:

سهل، عن أحمد بن المثنى، عن محمد بن زيد (يزيد) قال:

قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس؟ فقال: «ما أمحل هذا، تمحضونا بالمودة بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حل»[9].

 والكلام في هذا السند كالكلام في سابقه.

 37-الكليني:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، (وفي بعض الطرق عن إبراهيم بن سهل بن هاشم) قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حل فإني أنفقتها؟ فقال له: أنت في حل.

فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: اجعلني في حل. أتراه ظن إني أقول: لا أفعل. والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤلاً حثيثاً»[10].

مر كلام في القمي وأبيه، وان كان إبراهيم بن سهل فالرجل مجهول[11].

 38-الطوسي:

الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن سيف بن عميرة عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «من أحللنا له شيئاًأصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرمناه من ذلك فهو حرام»[12].

مر الكلام في رجال السند، والثمالي مختلف فيه[13].

39-الطوسي:

محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين عن القاسم عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله اشترى ما لا يحل له»[14].

القاسم هو الحضرمي الذي مر ذكره، ومر ذكر الخلاف في أبان بن عثمان وأبي بصير.

 40-الصدوق:

حدثنا محمد بن أحمد الشيباني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رضي الله عنه قال:  كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السلام: «وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا وكانت لعنة الله عليه بقوله عز وجل: ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18] إلى أن قال: وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر وتقرباً إلينا فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً»[15].

الشيباني، والدقاق، والمؤدب، والوراق لم يرد فيهم سوى كونهم من مشايخ الصدوق وقد عرفت القول في هذا بل والقول في الصدوق نفسه، والأسدي مختلف فيه وقد توقف البعض في حديثه، لأنه كان يقول بالجبر والتشبيه ويروي عن الضعفاء، وعلى أي حال فطريق الصدوق إلى الأسدي قال فيه الخوئي: (غير صحيح لأن مشايخ الصدوق لم يرد فيهم توثيق»[16].

 41-الصدوق:

حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي رضي الله عنه قال:

حدثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي عن أبيه رضي الله عنه قال: فذكر حديثاً فيه أن المهدي قال: «لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً»[17].

الخزاعي من مشايخ الصدوق وقد عرفت القول فيهم من الرواية السابقة، وأبوعلي الأسدي مجهول[18]، وأبوه مر الكلام فيه في الرواية السابقة.

 42-الراوندي:

أبي الحسن المسترق الضرير قال:

كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة.. فذكر حديثاً عن عمه الحسين في حديث عن صاحب الزمان عليه السلام أنه قال له: «يا حسين! كم ترزا على الناحية ولم تمنع أصحابي عن خمس مالك.. ثم قال: إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفواً وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه.

قال: فقلت: السمع والطاعة.. ثم ذكر في آخره أن العمري أتاه وأخذ خمس ماله بعدما أخبره بما كان»[19].

الضرير مجهول [20]، ولم أقف على تراجم بقية رجال السند.

 

[1] مستدرك الوسائل للميرزا النوري (7/302)، تفسير العياشي (1/225)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (6/337)، من لا يحضره الفقيه، للصدوق (2/22)، فقه الرضا (293)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/187)، البرهان (1/347).

[2] معجم رجال الحديث للخوئي (17/224).

[3] مقدمة التفسير (1/7)، بحار الأنوار، للمجلسي (1/28)، الذريعة (4/295).

[4] كمال الدين وتمام النعمة (472)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/186).

[5] معجم رجال الحديث للخوئي (11/214)، رجال الحلي (96)، أصول علم الرجال (530).

[6] الكافي، للكليني (1/548)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/538)، الاستبصار للطوسي (2/59)، تهذيب الأحكام للطوسي 4/139).

[7] معجم رجال الحديث للخوئي (2/193).

[8] معجم رجال الحديث للخوئي (18/48).

[9] الكافي، للكليني (1/548)، تهذيب الأحكام للطوسي (4/140)، الاستبصار للطوسي (2/60)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/539).

[10] الكافي، للكليني (1/548)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/537)، مستدرك الوسائل للميرزا النوري (7/301)، الغيبة للطوسي (227)، تهذيب الأحكام للطوسي (4/140)، الاستبصار للطوسي(2/60)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/187).

[11] معجم رجال الحديث للخوئي (1/232).

[12] تهذيب الأحكام للطوسي (4/138)، الاستبصار (2/59)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/539).

[13] معجم رجال الحديث للخوئي (3/385).

[14] تهذيب الأحكام للطوسي (4/136)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/540).

[15] كمال الدين وتمام النعمة(471)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/540)، الاحتجاج (479)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/184).

[16] معجم رجال الحديث للخوئي (15/154).

[17] كمال الدين وتمام النعمة (472)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/541)، الاحتجاج (480)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/185).

[18] معجم رجال الحديث للخوئي (21/244).

[19] وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/532)، الخرائج والجرائح (472)، فرج المهموم (253)، منتخب الأنوار المضيئة (159).

[20] معجم رجال الحديث للخوئي (21/117).