الخُمس عند الفرقة الضالّة الإمامية: دراسة نقدية في الروايات والأسانيد (6)

يتناول هذا المقال استكمالاً لما سبقه من دراسة نقدية معمقة للروايات التي اعتمدت عليها الفرقة الضالّة الإمامية الاثنا عشرية في تقرير عقيدتهم الباطلة بوجوب الخُمس في غير مواضعه الشرعية التي أقرها الإسلام. فبعد أن تم في الجزء الأول تحليل عددٍ من رواياتهم المروية عن أئمتهم المزعومين، وبيان ما فيها من اضطرابٍ وضعفٍ في السند والمتن، نتابع هنا كشف بقية النصوص التي استندوا إليها لتسويغ هذا التشريع المنحرف الذي اتخذوه وسيلة لابتزاز أتباعهم وتمويل حوزاتهم ومراجعهم تحت غطاء "الفريضة الربانية".

ويُظهر البحث أن غالب هذه الروايات دارت بين رواة مطعون في عدالتهم، أو مجهولي الحال، أو غلاة متهمين بالكذب والتحريف، مما يسقط حجيتها وفق منهجهم الرجالي نفسه. كما يتجلى التناقض الصارخ في موقفهم من الرواة، إذ يُسقطون خصومهم بأدنى طعن، بينما يُدافعون عن رواة الخُمس حفاظًا على أصلٍ يمدّ مؤسستهم بالمال والنفوذ، وهو ما يكشف زيف منهجهم العلمي وتناقض أصولهم المذهبية في باب الرواية والجرح والتعديل.

 يتناول هذا المقال استكمالاً لما سبقه من دراسة نقدية للروايات التي يستند إليها أتباع الفرقة الضالة الإمامية في تقرير عقيدتهم بوجوب الخُمس في غير مواضعه الشرعية التي أقرها الإسلام. فبعد أن ناقشنا في الجزء الأول جملة من رواياتهم المروية عن أئمتهم المزعومين وما يعتريها من اضطرابٍ وضعفٍ في السند والمتن، نواصل هنا الكشف عن بقية الروايات التي استندوا إليها، مع تحليل أسانيدها وفق منهج علماء الرجال عندهم، ليتبين مدى هشاشة هذه النصوص التي قامت عليها واحدة من أهم مصادر تمويل الحوزات والمرجعيات، تحت دعوى أنها فريضة ربانية.

ويظهر من خلال البحث أن أكثر هذه الروايات دارت بين رواة مطعون في عدالتهم أو مجهولي الحال أو غلاة متهمين بالكذب والتحريف، مما يسقط حجيتها ويكشف تناقض القوم في قواعدهم الرجالية، إذ يُسقطون رواة خصومهم بأدنى طعن، بينما يتأولون الدفاع عن رواة روايات الخمس حفاظاً على أصلٍ يمدّ مؤسستهم بالمال والنفوذ.

 55-الصدوق:

حدثنا أبي رضي الله عنه قال:

حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات والدجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدنيا»[1].

وقد مر الكلام في أكثر رجال السند، وحسبك متن الحديث.

 56-الكليني:

محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله.. مثله[2].

والكلام في هذا الرواية كالكلام في سابقه.

 57-الصدوق:

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال:

حدثنا أبي عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن عمه محمد بن عمر عن أبيه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار»[3].

الحسين بن أحمد شيخ الصدوق وقد عرفت القول فيهم، وأبوه مجهول[4]، وابن عمران وإن كان ثقة إلا أنه كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ[5]. وبقية السند مجاهيل[6].

 58-العياشي:

عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

سمعت أبي عليه السلام يقول: «من مضت له سنة لم يصلنا قل أو كثر لم ينظر الله اليه يوم القيامة إلا أن يعفو الله عنه»[7].

مر الكلام في العياشي صاحب التفسير، ومفضل بن عمر قال فيه النجاشي: (فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به)، وقال فيه الغضائري: (ضعيف متهافت، مرتفع القول، خطابي، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً، ولا يجوز أن يكتب حديثه)[8].

 59-العياشي:

عن الحسن بن موسى قال:

روى أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد: 21]، قال: «هو صلة الإمام في كل سنة مما قل أو كثر، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وما أريد بذلك إلا تزكيتهم»[9].

مر الكلام في العياشي وتفسيره، والسند منقطع، وفيه مجاهيل. 

 60-الطبري:

محمد بن شهريار الخازن عن محمد بن الحسن بن داود عن محمد بن يحيى العلوي عن أحمد بن محمد بن عقدة عن محمد بن الفضيل بن إبراهيم عن إبراهيم بن معقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: «لا تدعوا صلة آل محمد من أموالكم، من كان غنياً فعلى قدر غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدر فقره، ومن أراد أن يقضي الله أهم الحوائج إليه فليصل آل محمد وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله»[10].

جُلهم مجاهيل[11]، وبعضهم لم أجد لهم ترجمة.

61- العياشي:

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام:

يسئلونك عن الأنفال، قال: «ما كان للملوك فهو للإمام، قلت: فإنهم يعطعون ما في أيديهم أولادهم ونساءهم وذوي قرابتهم وأشرافهم، حتى بلغ ذكر من الخصيان فجعلت لا أقول في ذلك شيئاً إلا قال: وذلك، حتى قال: يعطي منه مائتي الدرهم إلى المائة والألف - ثم قال: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب»[12].

مر الكلام في العياشي وتفسيره، والسند مقطوع كما ترى.

 62-الكليني:

عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن عيسى بن سليمان النحاس عن المفضلبن عمر عن الخيبري ويونس بن ظبيان قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ما من شيءأحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإن الله ليجعل الدرهم في الجنة مثل جبل أحد، ثم قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة: 245] قال: هو الله صلة الإمام خاصة»[13].

مر الكلام في بعض رجال السند، وعيسى بن سليمان مجهول[14]. وكذلك الخيبري[15]، وابن ظبيان متهم، غال، قال فيه أبو الحسن عليه السلام: (لعن الله يونس بن ظبيان ألف لعنة، يتبعها ألف لعنة، كل لعنة منها تبلغ قعر جهنم)، وقال الخوئي في هذا (أي رواية لعنه): (هذه الرواية صحيحة السند، ودالة على خبث يونس بن ظبيان وضلاله)[16].

 63-الكليني:

علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن الحسن بن مياح عن أبيه قال:

قال لي أبوعبد الله عليه السلام: «يا مياح! درهم يوصل به الإمام أعظم وزناً من أُحد»[17].

مر الكلام في بعض رجال السند، والحسن بن مياح وفي بعض النسخ الحسين بم مياح وفي أخرى بن صباح فهو مجهول[18]، فإن كان الحسين كما في بعض النسخ فهو ضعيف غال[19]. وأبوه مجهول أيضاً[20].

 64-الكليني:

علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البر»[21].

مر الكلام في جل رجال السند.

 65-الكليني:

محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير قال:

سمعت أباعبد الله عليه السلام يقول: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلا أن تطهروا»[22].

مر الكلام في بعض رجال السند. وحسب هذا السند رواية في التحريف فعن الكليني: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال: سئلت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: 95] قال: «العدل رسول الله والإمام من بعده.

ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب»[23].

ورواية: «لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا في شعره ولا في لحمه ولا في دمه ولا في شيء منه عجزت عنه السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير»[24].

 66-الكشي:

عن أبي صالح خالد بن حامد قال:

حدثني أبوسعيد الآدمي، قال: حدثني بكر بن صالح عن عبدالجبار بن المبارك النهاوندي قال: أتيت سيدي سنة تسع ومائتين فقلت: «جعلت فداك! إني رويت عن آبائك أن كل فتح فُتح بضلالة فهو للإمام فقال: نعم..» الرواية[25].

خالد بن حامد وفي بعض النسخ خلف بن حامد لم أجد لهما ترجمة[26]، والآدمي كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها، وقال فيه الغضائري: (كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل)[27]. وبكر بن صالح إن كان الرازي فهو ضعيف جداً، كثير التفرد بالغرائب[28]، وإلا فالرجل مجهول. وعلى أي حال فقد ضعف الخوئي سند الرواية[29].

 

[1] الخصال (291)، من لا يحضره الفقيه، للصدوق (2/45)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/214)، فقه الرضا (40)، مستدرك الوسائل للميرزا النوري (7/296).

[2] الكافي، للكليني (1/409).

[3] أمالي الصدوق (326)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/215).

[4] معجم رجال الحديث للخوئي (2/42).

[5] معجم رجال الحديث للخوئي (16/48).

[6] انظر مثلاً: معجم رجال الحديث، للخوئي (18/73).

[7] تفسير العياشي (1/207)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/216)، البرهان (1/297).

[8] معجم رجال الحديث، للخوئي (19/317).

[9] تفسير العياشي (2/225)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/216)، البرهان (2/289).

[10] بشارة المصطفى(6)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/216).

[11] مستدركات علم رجال الحديث، للنمازي (7/266).

[12] تفسير العياشي (2/49)، مستدرك الوسائل للميرزا النوري (7/298)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/211)، البرهان (2/62).

[13] الكافي، للكليني (1/537).

[14] معجم رجال الحديث، للخوئي (14/207).

[15] معجم رجال الحديث، للخوئي (24/106).

[16] معجم رجال الحديث، للخوئي (21/204).

[17] الكافي، للكليني (1/537).

[18] معجم رجال الحديث، للخوئي (6/159).

[19] معجم رجال الحديث، للخوئي (7/114).

[20] معجم رجال الحديث، للخوئي (20/102).

[21] الكافي، للكليني (1/538).

[22] الكافي، للكليني (1/538).

[23] الكافي، للكليني (4/397)، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي (1/124)، التفسير الصافي، للفيض الكاشاني (2/88)، منتقى الجمان، لحسن صاحب المعالم (3/246).

[24] الكافي، للكليني (5/355)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (7/92).

[25] رجال الكشي (568)، مستدرك الوسائل للميرزا النوري (7/300)، بحار الأنوار، للمجلسي (96/195).

[26] معجم رجال الحديث، للخوئي (8/20).

[27] معجم رجال الحديث، للخوئي (9/354).

[28] معجم رجال الحديث، للخوئي (4/251).

[29] معجم رجال الحديث، للخوئي (10/285)