في عصرنا الحالي، أصبح من الضروري التمييز بين الحق والباطل في نقل الأحاديث النبوية الشريفة، خصوصًا في مواجهة الادعاءات الباطلة التي يروج لها بعض الشيعة، الذين يستخدمون أحاديث غير صحيحة أو مختلقة لدعم عقائدهم الخاطئة. هذه الأحاديث المكذوبة ليست مجرد تحريف للنصوص، بل هي أدوات لترويج فرقة ضالة خارجة عن الإسلام الصحيح. إن دراسة هذه الأحاديث وفهم سياقها اللغوي والشرعي يساعد على كشف الزيف، ويثبت أن استدلالهم بما يسمونه "عترة أهل البيت" على الخلافة أمر مردود عليه لغويًا وشرعيًا، ولا يثبت لهم أي حق في الوصاية أو الإمامة كما يدعون.

قال الإمام أحمد:

" 21578 - حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"[1]

ولقد صحح الأثر الإمام الالباني في صحيح الجامع، حيث جاء فيه: " 2457 - «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

(صحيح)... [حم طب] عن زيد بن ثابت. الروض النضير 977، 978[2]"

يستشهد الإمامية بهذا الأثر على إن الخلافة تكون في أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم على اعتبار إن اسم الخليفة قد جاء في الاثر.

والجواب:

إن استدلال الإمامية بهذا الأثر على الخلافة اوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت، وذلك لإن مفهوم الأثر لا يسعف الإمامية في شيء من عقائدهم الباطلة، فالعترة في اللغة لها مفهوم واسع، قال ابن دريد: " وعِتْرة الرجلُ: أهل بيته. وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: " عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)[3]"

وقال الفيومي: " (ع ت ر): الْعِتْرَةُ نَسْلُ الْإِنْسَإن قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ إن الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى وَرَهْطُ الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ الْأَقْرَبُونَ [4]

فالمعنى اللغوي للعترة لا يخدم الرافضة بشيء فيما يريدونه من الحديث، فلو حملنا العترة على اي مفهوم لغوي فلا يمكن إن يتناسب مع المعتقد الامامي، فلو قلنا مثلا: اقارب النبي صلى الله عليه واله وسلم من المؤمنين فلا يمكن إن نطبق الحديث عليهم وذلك لانهم كلهم يدخلون بمعنى الحديث ومن المستحيل إن يكونوا جميعا خلفاء، وكذلك يدخل في اقاربه صلى الله عليه واله وسلم النساء، فهل تكون المرأة خليفة عند الإمامية؟!!!، وإن حمله الإمامية على الذرية فهو كارثة ايضا، وذلك لإن علي رضي الله عنه ليس من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، بل إن من ذريته فاطمة، وزينب، ورقية، وام كلثوم رضي الله عنهن جميعا، فهل يقول الإمامية بإن بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خلفاء؟!!!.

ولو قال الإمامية إن معنى العترة ينطبق على حديث الكساء فنقول لهم هذه كارثة كبرى، وذلك لإن فاطمة رضي الله عنها ليست خليفة، فيلزم الإمامية القول بإمامة فاطمة رضي الله عنها، او اخراجها من العترة لأنها ليست خليفة، فأي الامرين يا ترى سيأخذ الإمامية؟!!!

فالمعنى اللغوي، وكذلك الشرعي لا يمكن إن يُحمل على مفهوم الإمامية.

ومن المعلوم إن حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم محمول على الوصية بالقرآن الكريم، والعترة الطاهرة، فالنبي صلى الله عليه واله وسلم قد أطلق لفظ الخليفة على القرآن الكريم، ومن المعلوم إن الخليفة يخلف غيره، فمن هو السابق للقرآن كي يخلفه القرآن؟!، ومن المعلوم إن الخليفة ليست له صلاحيات كاملة في عصر الخليفة الذي يسبقه، فهل كان القرآن الكريم معطل الصلاحية قبل إعلان النبي صلى الله عليه واله وسلم خلافته؟!!!

ولو كان لفظ الاستخلاف يفيد منصب الخليفة فيلزم من هذا إن الامة كلها خلفاء على القران، وأهل البيت بدليل ما رواه الإمام الترمذي في سننه:

"حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إن تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

تحقيق الألباني: صحيح، المشكاة (6144)، الروض النضير (977 - 978)، الصحيحة (4 / 356 - 357) [5]" ولا يمكن إن نفهم هذا الحديث لمجرد ورود كلمة تخلفوني فيهما اي تكونوا خلفاء عليهم.

بل ورد في القرآن الكريم إن الله تعالى قد جعل قوم عاد خلفاء، حيث قال سبحانه: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ إن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الاعراف: 69]، فهل نصب الله تعالى قوم عاد خلفاء؟!!!، وقال تعالى مخاطبا الناس: ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]، فهل كان هؤلاء جميعا خلفاء بتنصيب الهي؟!!!.

ولقد ورد في كتب الإمامية إن الإمارة لو كانت في أحد فإن الوصية لا تكون فيه، ففي نهج البلاغة: " ومن كلام له (عليه السلام) في معنى الانصار

قالوا: لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): ما قالت الانصار؟

قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.

قال (عليه السلام): فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِإن رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَصَّى بِإن يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهمْ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟

قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟

فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الامارة فِيهمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ.

ثم قال: فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟

قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).

فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ [6]" فقد اكد علي رضي الله عنه إن الامارة لو كانت في الانصار لم تكن الوصية بهم، ولقد ورد عند الإمامية إن وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانت بأهل البيت، والانصار.

 ففي امالي المفيد:

"أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا عيسى بن مهران قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن الغسيل قال: أخبرني عبد الرحمن بن خلاد الانصاري، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فقالوا: يا رسول الله هذه الانصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك. فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون إن تموت، قال: أعطوني أيديكم فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، أيها الناس! فما تنكرون من موت نبيكم؟ ألم أنع إليكم وتنع إليكم أنفسكم؟ لو خلد أحد قبلي ثم بعث إليه لخلدت فيكم. ألا إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى بين أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا أوصيكم بهم، ثم أوصيكم بهذا الحي من الانصار، فقد عرفتم بلاهم عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار، ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم ". وكان آخر مجلس جلسه حتى لقي الله عز وجل[7]"

فهذه الرواية صريحة بالوصية بأهل البيت، والانصار على حد سواء، ولقد نفى علي رضي الله عنه في نهج البلاغة الامارة لمن تكون الوصية فيه، ومما يدل على إن مراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرعاية لأهل البيت والأنصار قوله: (فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم) فلو كانت ولاية الامر لأهل البيت لأوصاهم بالأنصار بدلا من إن يوصي غيرهم بهم.

واما لفظ (فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) فأرجو قراءة موضوع كتاب الله وعترتي أهل بيتي في الكتاب فقد شرحته، وبينت فيه المفهوم الصحيح له من خلال كلام أهل العلم المعتبرين، والله الموفق للصواب.

 

________________________________________________________________________

[1] حديث صحيح بشواهده دون قوله: "وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عَليَّ الحوضَ" وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله النخعي..... " مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 35 ص 456

[2] صحيح الجامع – محمد ناصر الدين الالباني – ج 1 ص 482

[3] الاشتقاق – أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد –  ج 1 ص 280

[4] المصباح المنير - ابو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي - ج2 ص 391

[5] صحيح وضعيف سنن الترمذي – محمد ناصر الدين الالباني - ج 8 ص 288

[6] نهج البلاغة – الشريف الرضي – ج 1 ص 116

[7] الأمالي - المفيد – ص 46 – 47