البسملة في مذهب الحنابلة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن من أخطر ما تفرعت عنه الفرق الضالة — وعلى رأسها الفرقة الشيعية الرافضية — هو وضعهم للأحاديث المكذوبة والباطلة، وترويجهم لأقوال تخالف النصوص الصحيحة والإجماع الثابت بين علماء المسلمين. فهم لم يكتفوا بالطعن في الصحابة والتابعين، بل تجاوزوا إلى تحريف مفاهيم القرآن والقراءات، فأنكروا ما أجمع عليه العلماء في مسألة البسملة وموضعها من السور، محاولين الطعن في جمع الصحابة للقرآن وفي عدّ الآيات، زاعمين ما لا أصل له من الدين.
وفي هذا المقال سنبيّن موقف مذهب الحنابلة من البسملة بيانًا علميًا موثّقًا من كلام أئمة المذهب، مع الرد على أباطيل الشيعة الذين خالفوا منهج الإسلام الصحيح، حتى يتضح للقارئ أن الحنابلة وأهل السنة والجماعة بنوا عقيدتهم على النقل الصحيح والفهم الثابت عن السلف، لا على روايات موضوعة أو تقية باطلة.
مذهب الحنابلة فيها:
قوله: «وليست من الفاتحة» الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنه اجتهاد ـ بلا شك ـ مستندٌ إلى توقيف؛ لأننا نعلم أنه لو نزلت البسملة بين الأنفال وبراءة لوجب بقاؤها؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *﴾ [الحجر: 9] فلمَّا لم يكن، عُلِمَ أن اجتهاد الصَّحابة كان موافقاً للواقع.
والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي ... »
(أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (395) (38)) الحديث.
الشرح الممتع على زاد المستقنع جزء 3 صفحة 57
فإن قال قائل:
إذا قلتم ذلك فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف: أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟
فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم (2): أن البسملة آية من الفاتحة. ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة.
الشرح الممتع على زاد المستقنع جزء 3 صفحة 59 للامام ابن عثيمين
س54: هل البسملة آية من الفاتحة، أو أية من أول كل سورة؟
ج/ اتفق العلماء على أن البسملة آية من سورة النمل وهي قوله تعالى ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (4)، وكذلك ليست هي آية بين سورتي الأنفال والتوبة.
والراجح من أقوال أهل العلم كذلك أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أول كل سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال حمدني عبدي، وإذا قال ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فإذا قال ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي) (1)، وهنا لم يذكر البسملة، ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (أن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك) (2)، وبناءً على هذا فهي يؤتى بها لإبتداء السور، يدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى نزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم) (3).
مذكرة القول الراجح جزء 1 صفحة 79 لخالد بن ابراهيم الصقعبي
[فَصْلٌ الْبَسْمَلَة هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَة يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا]
(669) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ؛ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا؟ فَعَنْهُ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ تَرَكَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَاقْرَءُوا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَإِنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ، وَإِنَّهَاالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنْهَا» . وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَثْبَتُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ بِخَطِّهَا، وَلَمْ يُثْبِتُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ سِوَى الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَا آيَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا، فَقِيلَ عَنْهُ: هِيَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ كَانَتْ تَنْزِلُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ، فَصْلًا بَيْنَ السُّوَرِ. وَعَنْهُ: إنَّمَا هِيَ بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " إلَّا فِي سُورَةِ ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: 30] .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
المغني لابن قدامة جزء 1 صفحة 346