بين الروايات الضعيفة والصحيح الثابت
منذ قرونٍ، لم تتوقف الفرقة الشيعية الضالة عن محاولاتها لتشويه تاريخ الإسلام وصحابة رسول الله ﷺ، عبر روايات موضوعة أو ضعيفة السند تُحرف الحقائق وتفتري على كبار الصحابة. ومن أكثر ما يعتمدون عليه في تضليل عوامّهم: الاستدلال بأحاديث لا أصل لها أو واهية السند، خاصةً فيما يتعلّق بالفتن التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم.
ومن بين تلك الروايات المكذوبة التي يروّجها القوم ما جاء في "الفتن" لنعيم بن حماد، عن الأحنف بن قيس حين بايع عليًا رضي الله عنه، ثم زعموا أن أبا بكرة رضي الله عنه نهاه عن ذلك بحجة أن القتال كان على الدنيا. وفي هذا المقال سنفند الرواية من أسانيدها، ونُبين الصحيح الثابت من الحديث، لنكشف زيف ما يدعيه هؤلاء.
نص الرواية التي يستدل بها الشيعة:
«حدَّثنا بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيد، عن سُلَيْمَانَ الأَنْصَارِيِّ، عن الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، قال: بَايَعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه، فرآني أبو بَكْرَة وأنا متقلِّدٌ سيفًا، فقال: ما هذا يا ابنَ أخي؟ قلتُ: بايعتُ عليًّا، قال: لا تفعل يا ابن أخي، إِنَّهُم يَقْتَتِلُوْنَ عَلَى الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا أَخَذُوْهَا بِغَيْرِ مَشُوْرَةٍ...[1]» (الفتن لنعيم بن حماد رقم 459)
دراسة الإسناد وبيان ضعفه:
علل الإسناد:
♦ بقية بن الوليد: مدلس، وقد عنعن في الحديث، كما نص الأئمة.
♦ سليمان الأنصاري: لم يُعرف، مجهول الحال.
♦ الحسن البصري: مدلس كثير الإرسال كما نص الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/572)، وأبو زرعة في المدلسين (1/42).
♦ قال الذهبي: "الحسن – مع جلالته – فهو مدلس، ومرسلاته ليست بذاك."
♦ وقال أبو زرعة: "من المشهورين بالتدليس."
فالإسناد ضعيف جدًّا بسبب تدليس بقية بن الوليد، وجهالة سليمان الأنصاري، وانقطاع الحسن عن الأحنف بن قيس.
الرواية الصحيحة في الصحيحين:
الرواية الصحيحة الثابتة في البخاري ومسلم تخالف رواية نعيم بن حماد تمامًا:
عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل (أي عليًا رضي الله عنه)، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد يا أحنف؟ قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله ﷺ، يعني عليًا. فقال لي: يا أحنف، ارجع، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار».
قلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟
قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه».
(البخاري، كتاب الإيمان 3/81 – مسلم رقم 2888 – أبو داود 4268)
وهذه الرواية هي الصحيحة التي اعتمدها المحدثون جميعًا، وهي خالية من العبارات الدخيلة التي نسبها بعض أهل الأهواء.
الفهم الصحيح للحديث
1- لم يرد في الحديث أن أبا بكرة قال: "إن القوم يقتتلون على الدنيا"، بل الحديث النبوي نصٌّ في التحذير من القتال بين المسلمين مطلقًا.
2- الأحنف بن قيس رضي الله عنه كان من العُقلاء الحكماء، ولم يُنقل عنه أبداً ذم لعلي رضي الله عنه ولا امتناع عن بيعته، بل كان ممن يوقرونه ويجلّونه.
3- الصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا في مواقف الفتن، وكلهم مأجورون على اجتهادهم، فلا يجوز وصف أحد منهم بأنه قاتل للدنيا، كما يزعم أصحاب الأهواء.
الشبهة والرد عليها:
الشبهة:
يزعم الشيعة أن أبا بكرة رضي الله عنه اتهم عليًّا رضي الله عنه بأنه قاتل للدنيا، بناءً على رواية الفتن لنعيم بن حماد.
الرد:
◘ الرواية ضعيفة جدًا، لا تصح سندًا ولا متناً.
◘ الأحاديث الصحيحة في الصحيحين تبين أن أبا بكرة لم يتهم عليًّا، بل نصح الأحنف بترك القتال في الفتنة عملاً بحديث النبي ﷺ.
◘ نقل الإمام ابن حجر في فتح الباري (13/27) أن هذا الحديث دليل على وجوب اجتناب الفتنة إذا لم يُعلم الحق فيها، ولم يتضمن أي طعن في أحد من الصحابة.
المصادر:
◘ الفتن – نعيم بن حماد (حديث رقم 459).
◘ صحيح البخاري (كتاب الإيمان – باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا).
◘ صحيح مسلم (رقم 2888 – باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما).
◘ سير أعلام النبلاء (3/8 و4/572) – ط الرسالة.
◘ تهذيب الكمال (2/283).
◘ المدلسين لأبي زرعة (1/42).
◘ جامع التحصيل (1/162).
◘ فتح الباري لابن حجر (13/27 – 29).
[1] بقية: هو ابن الوليد مدلس. وقد عنعن، وسليمان الأنصاري لم أعرفه.