كشف تزوير الروايات ورد الشبهات بالأدلة

من أخطر ما تقوم به الفرق الضالة عبر التاريخ، ولا سيما الشيعة الإمامية، هو الطعن في أصحاب رسول الله ﷺ باستخدام روايات موضوعة أو محرفة لا تصح سندًا ولا متناً، هدفها زعزعة ثقة المسلمين بالصحابة الذين نقلوا الدين والسنّة. فهؤلاء ليسوا من أهل الإسلام الصحيح، بل هم فرقة منحرفة عن جماعة المسلمين، خالفت الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وجعلت الطعن في الصحابة منهجًا، مع أن الله تعالى زكّاهم في كتابه فقال:

﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [التوبة: 100].

ومن جملة ما اختلقته هذه الفرقة من الشبهات المكذوبة، ما نسبوه إلى الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه من قوله: "إن المسلمين قد فسقوني"، ليتخذوا ذلك مدخلًا للطعن في عدالته وروايته للحديث. ولكن هذه الرواية باطلة بشهادة أئمة الإسلام، وضعيفة من حيث الإسناد والمتن، بل أجمع أهل العلم على عدالة أبي بكرة وقبول روايته بالإجماع، كما جاء في كلام ابن حزم، وابن القيم، وابن قدامة، وغيرهم. وفي هذا المقال سنبين بطلان هذه الشبهة بالأدلة النقلية والعقلية، مع توضيح الفرق بين الشهادة والرواية، وبيان إجماع الأمة على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه، وردّ مزاعم القوم الضالين الذين يضعون الحديث لخدمة أهوائهم.

عَن عِيسَى بن عَاصِم قَالَ: كَانَ أَبُو بكرَة إِذا جَاءَهُ رجل يشهده قَالَ: أشهد غَيْرِي فَإِن الْمُسلمين قد فسقوني.

أولاً: لا بُـدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل.

ثانياً: الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية.

ثالثاً: هناك فرق بين الشهادة والرواية:

من الفروقات بين الشهادة والرواية:

1- العدد يشترط للشهادة اما الرواية فلا

2- بعض الشهادة يشترط لها الذكور اما الرواية فلا

3- الشهادة يشترط لها الحرية اما الرواية فلا

4- الشهادة لا تصلح إذا جر الى نفسه فائدة اما الرواية يصلح ان يروي في فضائل نفسه

5- الشهادة يشترط الحضور والمشاهد هاما الرواية فلا يشترط يصح ان تقول حدثني فلان عن فلان..

رابعاً: الرواية بعض اهل العلم ضعفوها:

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ " إنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي " فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ، مَا سَمِعْنَا أَنَّ مُسْلِمًا فَسَّقَ أَبَا بَكْرَةَ، وَلَا امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحْكَامِ الدِّينِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. المحلى بالاثار ج 8 ص 532 لابن حزم ط دار الفكر.

خامساً: اجمع اهل العلم على قبول روايته كما جاء في (المحلى (9/ 431)، وإعلام الموقعين (1/ 127)، وفتح الباري (5/ 257):

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –.

اعلام الموقعين ج 1 ص 98 ط دار الكتب العلمية

 [فَصْلٌ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

. فَصْلٌ

[رَدُّ شَهَادَةِ الْمَجْلُودِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ]

وَقَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ " أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ " الْمُرَادُ بِهِ الْقَاذِفُ إذَا حُدَّ لِلْقَذْفِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَالْقُرْآنُ نَصٌّ فِيهِ؛ وَأَمَّا إذَا تَابَ فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَالثَّانِي: تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ.

اعلام الموقعين ج 1 ص 95

جاء في مجلة البحوث الاسلامية ج 66 ص 291:

ما روي عن قيس بن عاصم (ت 20 هـ) رضي الله عنه قال: كان أبو بكرة إذا أتاه رجل يشهده قال له: أشهد غيري، فإن المسلمين قد فسقوني ونوقش هذا الاستدلال:

أ- بأن هذا الأثر لم يصح فلم يفسق المسلمون أبا بكرة، بل تلقوا روايته بالقبول بالإجماع (المحلى (9/ 431)، وإعلام الموقعين (1/ 127)، وفتح الباري (5/ 257)) قال ابن حزم (ت 456 هـ): " وأما الرواية عن أبي بكرة أن المسلمين فسقوني، فمعاذ الله أن يصح، ما سمعنا أن مسلما فسق أبا بكرة، ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين " (المحلى (9/ 431)).

وقال ابن القيم: " وقد أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه " (إعلام الموقعين (1/ 127)).

ب- أن هذا الأثر إذا صح، فهو محمول على عدم قبول شهادة من لم يتب من القذف دون روايته؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجاز شهادة من تاب من الذين شهدوا على المغيرة، وأبطل شهادة من لم يتب، وهو أبو بكرة رضي الله عنه، لأنه أقام على قوله في المغيرة رضي الله عنه، فلم يقبل عمر رضي الله عنه شهادته، وكان أفضل القوم، فقد عاد مثل النصل من العبادة (الاستذكار لابن عبد البر (22/ 39 و 40 و41)).

قال ابن قدامة: " إن عمر لم يقبل شهادة أبي بكرة، وقال له: تب أقبل شهادتك. وروايته مقبولة، ولا نعلم خلافا في قبول رواية أبي بكرة مع رد عمر شهادته " (المغني لابن قدامة (14/ 191)) فهذا الأثر إذا صح لا يدل على رد شهادة المحدود في القذف إذا تاب، وهو محل النزاع، وإنما يدل على أن المحدود في القذف إذا أصر على قوله ولم يتب، لا تقبل شهادته، وهو محل اتفاق.

راجع مجلة البحوث الاسلامية ج 66 ص 285 العدد السادس والستون شهادة القاذف بعد الحد والتوبة

 

ولأبي داود الطيالسي: حدثنا قيس بن سالم الأفطس، عن قيس بن عاصم قال: كان أبو بكرة إذا أتاه رجل ليشهده قال: أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني (2)، فإن قلت: إذا لم يتب فكيف ذكر في الصحيح، وأجاب الإسماعيلي في "مدخله" بأن الخبر مخالف للشهادة ولهذا لم يتوقف أحد من أهل المصرين في الرواية عنه، ولا طعن أحد على روايته من هذِه الجهة مع إجماعهم إلا شهادة المحدود في قذف غير ثابت، فصار قبول خبره جاريًا مجرى الإجماع؛ كما كان رد الشهادة قبل التولية جاريًا مجرى الإجماع.

التوضيح لشرح الجامع الصحيح ج 16 ص 505

ثم ان: توبة القاذف مختلف في كيفيتها:

واختلف مالك والشافعي في توبة القاذف ما هي؟ فقال الشافعي:

توبته أن يكذب نفسه. روى ذلك عن عمر بن الخطاب، واختاره إسماعيل بن إسحاق. وقال مالك: توبته أن يزداد خيرًا. ولم يشترط إكذاب نفسه في توبته؛ لجواز أن يكون صادقًا في قذفه. قال المهلب: وكان المسلمون احتجوا في هذا على أبى بكرة، ألا ترى أنهم يروون عنه الأحاديث، ويحملون عنه السنة وهو لم يكذب نفسه، وقد قال له عمر: ارجع عن قذفك المغيرة ونقبل شهادتك. وإنما قال له عمر ذلك، والله أعلم، استظهارًا له كمال التوبة بالرجوع عما قال في القذف، وإن كان يستجزء بصلاح حاله عن تكذيب نفسه في قبول شهادته. وأما قوله: وكيف تعرف توبته، وقد نفى النبي (صلى الله عليه وسلم) الزاني سنة، ونهى عن كلام كعب ابن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة؟ فتقدير الكلام. باب شهادة القاذف والسارق والزاني وباب كيف تعرف توبته، وكثيرًا ما يفعله البخاري يردف ترجمة على ترجمة وإن بعد ما بينهما، وأراد بقوله: وكيف تعرف توبته... إلى آخر الكلام الاحتجاج لقول مالك أنه ليس من شرط توبة القاذف تكذيب النفس وتخطئتها، والرد على الشافعي؛ فإنه زعم أن ذلك من شرط التوبة، ووجه الحجة لذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعث معلمًا للناس، وأمرهم بالتوبة من ذنوبهم، ولم يأمرهم بأن يستهلوا بأنهم على معاصي الله، بل قد أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) من أتى معصية ألا يتحدث بها ولا يفشيها. واستدل البخاري أن القاذف يكون تائبًا بصلاح الحال، دون إكذابه لنفسه واعترافه أنه عصى الله أو خالف أمره بلسانه؛ حين لم يشترط ذلك على الزاني في مدة تغريبه، ولا كعب بن مالك وصاحبيه في الخمسين ليلة، فإن زعم الشافعي أن توبة القاذف كانت مخصوصة بذلك؛ كلف الدليل عليه من كتاب أو سنة، أو إجماع أو قياس صحيح. وإنما أدخل البخاري حديث عائشة في هذا الباب لقولها في التي سرقت: (فحسنت توبتها) لأن فيه دليلاً أن السارق إذا تاب وحسنت حاله قبلت شهادته...

شرح صحيح البخاري لابن بطال ج 8 ص 19

والاعتراض الثاني:

 قَالَ: لِمَ عَرَّضَ عُمَرُ بِمَا أَسْقَطَ بِهِ الحد عن المغيرة وهو واحد وواجب به الحد على الشهود وهم ثلاثة؟ فقيل عنه ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ بَيْنَ قَتْلٍ وَجَلْدٍ كَانَ إِسْقَاطُ الْقَتْلِ بِالْجَلْدِ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ الْجَلْدِ بِالْقَتْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ الشُّهُودُ مَا نُدِبُوا إِلَيْهِ مِنْ سِتْرِ الْعَوْرَاتِ، وَخَالَفُوا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ) كَانُوا بِالتَّغْلِيظِ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَالثَّالِثِ: أَنَّ رَجْمَ الْمُغِيرَةِ لَمْ يَجِبْ إِلَّا أَنْ تَتِمَّ شَهَادَتُهُمْ، وَجَلْدُهُمْ قَدْ وَجَبَ مَا لَمْ تَتِمَّ شَهَادَتُهُمْ، فَكَانَ إِسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ ما وجب.

الاعتراض الثَّالِثُ:

إِنْ قَالُوا: إِنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ، وَهَذِهِ الصفة لَا تَخْلُو مِنْ جَرْحِ بَعْضِهِمْ وَفِسْقِهِ، لِأَنَّهُمْ إِنْ صَدَقُوا فِي الشَّهَادَةِ فَالْمُغِيرَةُ زَانٍ، وَالزِّنَا فِسْقٌ، وَإِنْ كَذَبُوا فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَالْقَذْفُ فِسْقٌ، قيل: هذه الصفة لَا تَمْنَعُ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ، وَالْخَلَاصُ مِنْ قَدْحٍ يَعُودُ عَلَى بَعْضِهِمْ، أَمَّا الْمُغِيرَةُ وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ نَكَحَهَا سِرًّا فلم يذكروه لعمر؛ لأنه كان لا يرى نكاح السر ويحد فيه وكان يتبسم عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فقال: لأن أَعْجَبُ مِمَّا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ بَعْدَ كَمَالِ شهادتهم، فقيل: وَمَا تَفْعَلُ قَالَ: أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا زَوْجَتِي.

وأما الشهود فلأنهم شاهدوا بِظَاهِرِ مَا شَاهَدُوا فَسَلِمَ جَمَاعَتُهُمْ مِنْ جَرْحٍ وَتَفْسِيقٍ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِهِمْ فِي الدِّينِ وَأَثْبَتُوا أَحَادِيثَهُمْ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنْ كَانَ أَبُو بَكَرَةَ إِذَا أُتِيَ بِكِتَابٍ لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ فَسَّقُونِي، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ ثِقَةً بِنَفْسِهِ، فَدَلَّتْ هذه القصة من عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ إِذَا لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا أَغْلَظُ مِنْ لَفْظِ الْقَذْفِ بِالزِّنَا، لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْقَذْفِ: زَنَيْتَ وَلَا يَصِفُ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنَّكَ زَنَيْتَ وَيَصِفُ الزِّنَا، وَالْقَذْفُ لَا يُوجِبُ حَدَّ الْمَقْذُوفِ، والشهادة توجب حد المشهود عليه، ولما كَانَتِ الشَّهَادَةُ أَغْلَظَ مِنَ الْقَذْفِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَانَتْ بِوُجُوبِ الْحَدِّ إِذَا لَمْ تَتِمَّ أَوْلَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهُمْ ذَرِيعَةٌ إلى تسرع الناس إلى القذف إذا أرادوه أَنْ يُخْرِجُوهُ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يُحَدُّوا، وَفِي حَدِّهِمْ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ عَنْ تَوَقِّي الْقَذْفِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَحَقَّ، وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمْ عَلَى عَدَالَتِهِمْ لَا يُحَدُّونَ فَدَلِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: 4] فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَذَفَةِ وَالشُّهُودِ فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمْ فِي الْحُدُودِ، وَلِأَنَّ الْقَذْفَ مَعَرَّةٌ وَالشَّهَادَةُ إِقَامَةُ حق، ولذلك إذا أكثر الْقَذَفَةُ حُدُّوا، وَلَوْ كَثُرَ الشُّهُودُ لَمْ يُحَدُّوا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُقُوعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ إِذَا قَلُّوا كَمَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ إِذَا كَثُرُوا، وَلِأَنَّ حكم كل وَاحِدٍ مِنَ الشُّهُودِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُ غَيْرِهِ عَنِ الشَّهَادَةِ مُوجِبًا لِفِسْقِهِ، وَلِأَنَّ حَدَّ الشُّهُودِ إِذَا لَمْ يَكْمُلُوا مُفْضٍ إِلَى كَتْمِ الشَّهَادَةِ خَوْفًا أَنْ يُحُدُّوا إِنْ لَمْ يكملوا فتكتم حقوق الله تعالى ولا تؤدى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةِ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 283] فَهَذَا تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمْ إِذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ وَكَمُلَتْ فِي الْعَدَالَةِ أَوْصَافُهُمْ.

الحاوي الكبير لأبو الحسن الماوردي ج 13 ص 232 – 233 ط دار الكتب العلمية