تسعى بعض الفرق الضالة، وبالأخص "الشيعة الإمامية"، إلى نشر أحاديث ضعيفة أو منكرة ونسبها إلى الصحابة الكرام بهدف "تشويه سيرتهم وإثارة الفتن". ومن أبرز هذه الشبهات ما يُنسب إلى "ابن عمر رضي الله عنه بأنه ندم على عدم قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه".

في هذا المقال، سنوضح "حقيقة هذه الروايات، أسانيدها، موقف ابن عمر الفعلي، والرد العلمي على الشبهة"، استنادًا إلى كتب أهل العلم مثل ابن عبد البر، الحافظ ابن رجب، الحافظ ابن حجر، والسنن الكبرى، مع توضيح ما هو واجب شرعي وما هو مجرد شعور شخصي بالندم على ما فات من الأعمال غير الواجبة.

نص الشبهة:

يُزعم أن ابن عمر رضي الله عنه ندم على عدم قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه، وأن هذا يدل على تقصير منه تجاه واجب القتال في الفتنة.

 تقييم الروايات:

 1- روايات عبد العزيز بن سياه وحبيب بن أبي ثابت

نص الرواية:

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن الورد حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا أسد بن موسى حدثنا أسباط بن محمد عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب ابن أبي ثابت قال: قال ابن عمر: ما أجدني آسي على شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي.

 "تحليل السند:

   "حبيب بن أبي ثابت": مدلس، ولم يدرك ابن عمر، كثير الإرسال والتدليس (الحافظ: تقريب التهذيب 1/52).

   "أسد بن موسى": صدوق يغلب (التقريب 1/104).

   "عبد العزيز بن سياه": صدوق يتشيع (التقريب 1/357).

 2. رواية ابن عبد البر

 نص الرواية:

حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد الجبار بن العباس عن أبي العنبس عن أبي بكر بن أبي الجهم قال: سمعت ابن عمر يقول: «ما آسى على شيء إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي»

 "تحليل السند:"

   "عبد الجبار بن العباس": صدوق يتشيع (التقريب 1/332).

"الاستنتاج:" الروايات السابقة كلها "لا تخلو من علة في السند"، فهي لا تصلح للرجوع إليها في إثبات واجب أو استحقاق غضب أو لوم.

 3. رواية روح بن عبادة عن سعيد بن جبير (حسن)

 نص الرواية:

روح بن عبادة حدثنا العوام بن حوشب عن عياش العامري عن سعيد بن جبير قال:

"لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، مكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج."

 تحليل: وإسناده حسن ولكن كأن ابن عمر يتحدث هنا عن الحجاج وليس حول ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. بدليل ما جاء في رواية القطان: «قال حمزة فقلنا له: ومن ترى الفئة الباغية؟ قال ابن عمر: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم» (السنن الكبرى8/172).

 دليل آخر: رواية القطان:

"ومن ترى الفئة الباغية؟ قال ابن عمر: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم." (السنن الكبرى 8/172)

موقف ابن عمر من قتال الفتنة

 القتال في صف علي رضي الله عنه "ليس واجبًا شرعيًا" كما يظهر من أقوال علي نفسه:

حدثنا محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا عبد الله بن عبيد مؤذن مسجد حردان قال: «حدثتني عديسة بنت أهبان قالت: لما جاء علي بن أبي طالب هاهنا البصرة دخل على أبي فقال يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى. فدعا جارية له فقال: يا جارية أخرجي سيفي. فأخرجته فسل منه قدر شبر فإذا هو خشب. فقال: إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين فأتخذ سيفا من خشب. فإن شئت خرجت معك. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك» قال الألباني «حسن صحيح» (سلسلة الصحيحة 3/454 رقم1380 صحيح سنن ابن ماجة رقم3960).

 إن كل النصوص النبوية تؤكد تفضيل ترك القتال في الفتنة وكذلك بيع السلاح في الفتنة ولهذا أثنى النبي على الحسن لدوره في إنهاء الفتنة والصلح بين المسلمين. وهذا ما أكده أهل العلم حين قالوا: لا يشترط قتال الطائفة الباغية فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداء، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما إن بغت إحداهما على الأخرى. وهو ما كان عليه مجموعة من الصحابة كأسامة بن زيد وابن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة.

 الندم الذي عبر عنه ابن عمر إنما هو "ندم شخصي على ما فات من أعمال غير واجبة"، مثل عدم مواكبته للجنازة حتى تدفن، وهو مثال على حرصه على الأعمال الصالحة وزيادة الحسنات، كما في الحديث: "من شهد الجنازة من بيتها حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان…" (متفق عليه)

الشبهة والرد عليها:

 الشبهة:

 تزعم بعض الفرق أن "ابن عمر ارتكب خطأً كبيرًا بعدم قتال الفئة الباغية مع علي".

 الرد العلمي:

"الروايات المنسوبة له ضعيفة أو بها علل"، فلا يمكن الاستناد إليها.

ما قصده ابن عمر هو "الحجاج وليس أحداث الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما".

القتال في الفتنة ليس واجبًا، وأهل العلم أجمعوا على أن "الصالح ترك القتال واصلاح الأمور".

ندمه إنما هو "ندم على فوات الأعمال الصالحة المستحبة، لا واجب شرعي".

"الخلاصة:" لا دليل على أن ابن عمر ارتكب تقصيرًا شرعيًا، وكل ما ذكر حول القتال مع علي هو "محض إشاعات أو روايات ضعيفة".

المصادر:

1- "السنن الكبرى" - البيهقي (8/172).

2- "الاستيعاب" - ابن عبد البر (3/953).

3- "سلسلة الصحيحة" - الألباني (3/454 رقم 1380).

4- "صحيح سنن ابن ماجة" - ابن ماجة (3960).

5- "تقريب التهذيب، أسماء المدلسين، طبقات المدلسين" - الحافظ ابن حجر (1/52، 1/59، 1/37).

6- "البخاري، مسلم، ابن رجب – فتح الباري".

7- "كتب أهل العلم في الفتنة ووقف القتال" – مجموع أقوال الصحابة رضي الله عنهم.