في كل عصرٍ من عصور الأمة الإسلامية، تظهر فِرَق منحرفة تحاول الطعن في صفوة الأمة من الصحابة والتابعين، وتشويه صورتهم عبر روايات باطلة وأحاديث موضوعة. ومن أكثر هذه الفرق الشيعة الإمامية الذين ما فتئوا يختلقون القصص والأحاديث الكاذبة للطعن في رموز الإسلام، خاصة الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم.

ومع أنّ هذه الفرقة تدّعي حبّ آل البيت، إلا أنّها تسيء إليهم من حيث لا تدري، إذ تنسب إليهم أقوالًا وأفعالًا لا تليق بمقامهم الشريف ولا بأخلاقهم الزكية، والغاية من ذلك واضحة: تشويه صورة الصحابة والنيل من وحدة الأمة الإسلامية.

ومن جملة تلك الأحاديث التي روّج لها الشيعة حديث باطل منسوب زورًا إلى الإمام الحسين أو الحسن رضي الله عنهما في شأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وسنقوم في هذا المقال ببيان بطلان السند والمتن، وبيان موقف العلماء من هذه الرواية المدسوسة، لنكشف زيف منهج القوم القائم على الكذب والافتراء.

قال الفاكهي:

"348 -حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ حُسَيْنٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: بَيْنَمَا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا خَلْفَهُ فَقَالَ: مَا أَشْبَهُ أَلْيَتَيْهِ بِأَلْيَتَيْ هِنْدٍ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: "يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ ذَاكَ كَانَ يُعْجِبُ أَبَا سُفْيَانَ مِنْهَا"

أخبار مكة - أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي -ج 1 ص 207

وقال ابن عساكر:

" أخبرنا أبو بكر المؤدب أنا أبو عمرو العبدي أنا أبو محمد بن يوة أنا أبو الحسن اللنباني نا ابن أبي الدنيا نا إسحاق بن إسماعيل نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي عن الأعمش قال طَافَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَكَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَشْبَهَ أَلْيَتَيْهِ بِأَلْيَتَيْ هِنْدَ؟! فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَمَا إنَّه كَانَ يُعْجِبُ أَبَا سُفْيَانَ "

تاريخ دمشق –علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر -ج 59 ص 182

ان هذا الاثر الذي اورده الفاكهي، وابن عساكر لا يصح، وعلة الرواية عنعنة الاعمش، والاعمش مدلس، وقد عنعن في رواية الفاكهي، واما في رواية ابن عساكر فلم يذكر الاعمش الواسطة، فالرواية لا تصح، وقد تكلم العلماء في تدليس الاعمش.

 فقد قال الامام الخطيب:

 " أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ: " قَدْ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِثْلُ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ التَّدْلِيسَ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَبِيحٌ وَمَهَانَةٌ، وَالتَّدْلِيسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ تَدْلِيسًا عَنْ ثِقَةٍ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى شَيْءٍ وَقُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْحَدِيثُ إِذَا أَرْسَلَهُ حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ، أَوْ سَمِعْتُ، فَنَحْنُ نَقْبَلُ تَدْلِيسَ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَنُظَرَائِهِ لِأَنَّهُ يُحِيلُ عَلَى مَلِيءٍ ثِقَةٍ، وَلَا نَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَشِ تَدْلِيسَهُ لِأَنَّهُ يُحِيلُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ، وَالْأَعْمَشُ إِذَا سَأَلْتَهُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَرِيفٍ، وَعَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، إِذَا وَقَّفْتَهُ، قَالَ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَنُظَرَائِهِمَا، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسَيْنِ "

الكفاية – ابو بكر احمد بن علي بن ثابت البغدادي – ج 1 ص 362

وقال الامام ابن حبان:

" وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري، والاعمش.... "

صحيح ابن حبان – محمد بن حبان البستي -ج 1 ص 161

وفي المتن نكارة، فلا يمكن ان ينشغل الحسن، او الحسين رضي الله عنهما عن الطواف في بيت الله والخشوع، وينظرون الى مؤخرة أحد، او يذكرون مؤخرة امرأة في مثل هذا المقام العظيم، فمثل هذه الافعال غير واردة في المواقف، والايام العادية فكيف تكون في بيت الله الحرام؟!!!.

فالأثر ضعيف من ناحية السند، ومنكر من ناحية المتن، والله الموفق.

الشبهة والرد عليها:

الشبهة:

يزعم بعض الشيعة أنّ الحسن أو الحسين رضي الله عنهما عيّرا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بقوله: "ما أشبه أليتيه بأليتي هند". ويرون في ذلك دلالة على استخفاف أهل البيت بمعاوية أو سخرية منه.

الرد العلمي:

هذه الرواية باطلة سندًا ومتنًا كما بيّنه العلماء:

من جهة السند:

  الإسناد فيه الأعمش، وهو مدلس، وقد عنعن الرواية في طريق الفاكهي، مما يسقط اتصال السند.

 في رواية ابن عساكر أيضًا لم يُذكر الواسطة بين الأعمش ومن فوقه، فالرواية منقطعة لا تقوم بها حجة.

  وقد نصّ الأئمة كالخطيب البغدادي وابن حبان وغيرهما على أن تدليس الأعمش لا يُقبل إلا إذا صرّح بالسماع، ولم يصرّح هنا.

من جهة المتن:

 المتن منكرٌ جدًّا، لأنّ مثل هذا الكلام لا يليق بمقام الحسن أو الحسين رضي الله عنهما، خصوصًا في بيت الله الحرام وفي حال الطواف، حيث الخشوع والذكر.

كما أنّ فيه ذكرًا لأمرٍ فاحشٍ لا يصدر من آل البيت الذين اشتهروا بالحياء والعفّة.

 لذلك أجمع العلماء على ردّ مثل هذه الأخبار المنكرة التي لا تليق بالأنبياء وأهل بيتهم الأطهار.