.. نموذج من تحريفات الشيعة في السيرة النبوية

لم يسلم تاريخ الإسلام وسيرة النبي ﷺ من تحريفات الفرق الضالة، وعلى رأسهم الشيعة الإمامية الذين نسبوا إلى رسول الله ﷺ روايات باطلة تخالف الصحيح الثابت في كتب السنة.

ومن بين ما ترويه مصادرهم ما ورد في كتاب الكافي للكليني من أحاديث ملفقة أو مشوهة الغرض منها إظهار اختلافات ظاهرية مع ما اتفق عليه جمهور المسلمين، لتأكيد وجود “تميز” مزعوم لمذهبهم الباطل.

ومن أبرز هذه الروايات ما نسبوه إلى الإمام جعفر الصادق حول مبايعة النساء بعد فتح مكة، وهي رواية منكرة السند والمتن، سنتناولها في هذا المقال بالتحقيق والردّ العلمي المفصل.

النص الشيعي في الكافي:

قال الكليني في الكافي (الجزء الخامس، ص527):

(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما فتح رسول الله ﷺ مكة بايع الرجال ثم جاءت النساء يبايعنه، فأنزل الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فقالت هند: أما الولد فقد ربيناهم صغارًا وقتلناهم كبارًا. وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام – وكانت عند عكرمة بن أبي جهل – يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصينك فيه؟ فقال: لا تلطمن خدا، ولا تخمشن وجهًا، ولا تنتفن شعرًا، ولا تشققن جيبًا، ولا تسودن ثوبًا، ولا تدعين بويل. فبايعهن رسول الله ﷺ على هذا. فقالت: يا رسول الله كيف نبايعك؟ قال: إنني لا أصافح النساء. فدعا بقدح من ماء، فأدخل يده ثم أخرجها وقال: أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة).

تحليل الرواية من حيث السند والمتن:

أولًا: ضعف السند

الرواية من طريق الكليني في الكافي، وهو من كبار رواة الشيعة، وروايته تعتمد على رجال فيهم علل شديدة:

أبان بن عثمان يرويه الشيعة ويجعلونه من أصحاب الإمام جعفر، لكنه معروف عند المحدثين بالتشيع والغلو.

أحمد بن محمد بن أبي نصر لم يُعرف له سماع من أبان عند جمهور المحدثين، مما يجعل الإسناد منقطعًا.

كما أن الرواية مرسلة عن النبي ﷺ على لسان الإمام جعفر الصادق بعد أكثر من مئة سنة من الحدث! وهذا سقوط في التوثيق التاريخي لا يُقبل عند أهل العلم.

ثانيًا: اضطراب المتن

النص الوارد في الكافي يخلط بين ألفاظ صحيحة ثابتة في البخاري ومسلم، وأخرى أضيفت لاحقًا مثل:

"ولا تسودن ثوبًا، ولا تدعين بويل" وهي زيادات لا أصل لها في الروايات الصحيحة، مما يدل على أن الكليني أو من روى عنه أدخل ألفاظًا للتزيين أو التفصيل غير المعتمد.

الرواية الصحيحة عند أهل السنة:

ثبتت مبايعة النساء للنبي ﷺ في فتح مكة بروايات صحيحة متواترة، منها ما أخرجه الإمام البخاري (كتاب البيعة، باب بيعة النساء):

عن عائشة رضي الله عنها قالت:

"كان النبي ﷺ يمتحن من يبايعه من النساء بهذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ...، فمن أقرّ بها قال لها النبي ﷺ: قد بايعتك كلامًا، وما مسّت يد رسول الله ﷺ يد امرأة إلا امرأة يملكها."

وفي رواية مسلم:

"كانت بيعة النساء قولًا دون مصافحة."

وهذا هو الأصل الثابت الذي لا خلاف فيه عند المحدثين، أما القدح بالماء أو إدخال الأيدي فيه فلم يثبت بسند صحيح.

الشبهة والرد عليها:

الشبهة:

يستشهد الشيعة بهذه الرواية لإثبات أن النبي ﷺ بايع النساء بطريقة مادية “بالماء”، ويضيفون تفاصيل ليست في السنة الصحيحة، محاولين إظهار تفرّد مذهبهم في نقل تفاصيل السيرة.

الرد:

الرواية ضعيفة السند لانقطاعه وجهالة بعض رواته عند المحققين.

الرواية تخالف الثابت في الصحيحين من أن النبي ﷺ لم يصافح النساء أبدًا، ولم يثبت عنه أنه أدخل يده في الماء للمبايعة.

زيادات الرواية لا تصحّ مثل: “ولا تسودن ثوبًا” أو “ولا تدعين بويل”، فهي ليست من ألفاظ الحديث الصحيح، بل من وضع الرواة المتأخرين.

الرواية الصحيحة تُثبت أن البيعة كانت قولًا لا لمسًا، وهو ما أجمع عليه جمهور المحدثين.

الهدف العقدي للشيعة من رواية مثل هذه هو إظهار استقلالية منهجهم الحديثي ولو على حساب الحقّ، وهو من دلائل ضلالهم وتحريفهم لسيرة النبي ﷺ.

الفهم الصحيح لبيعة النساء:

بيعة النساء كانت أمرًا تشريفيًا وتربويًا، أكّد فيها الإسلام على نقاء المجتمع من الشرك والزنا والبهتان، وأمر النساء بالالتزام بالمعروف والطاعة في الخير، كما قال تعالى: ﴿فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وكانت البيعة قولًا فقط دون مصافحة، وهو ما يدل على سموّ التشريع الإسلامي في حفظ حدود الحياء والعفاف.

المصادر والمراجع:

الكافي للكليني، الجزء الخامس، ص527.

صحيح البخاري، كتاب البيعة.

صحيح مسلم، كتاب الإيمان.

تفسير الطبري، سورة الممتحنة.

فتح الباري لابن حجر العسقلاني، شرح حديث البيعة.

السيرة النبوية لابن هشام، باب فتح مكة.