يتعرض الدين الإسلامي اليوم للعديد من الشبهات والروايات المكذوبة التي تروج لها بعض الفرق الضالة، وخاصة الشيعة الذين يختلقون أحاديث وأحداثًا عن النبي ﷺ وأهل بيته لأهداف سياسية ودينية. ومن هذه الروايات، حديث ضعيف يُنسب إلى النبي ﷺ حول وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وموقف عائشة وحفصة من هذه الوصية.
في هذا المقال سنناقش سند الحديث وضعفه، وبيان المخالفات فيه، والرد العلمي على ما يحاول الشيعة إثباته باستخدامه، مع إبراز الأثر الفقهي والشرعي لتولي أبي بكر الصلاة بالناس بعد وفاة النبي ﷺ، وهذا ما يوضح صحة خلافته ومكانته في الإسلام.
نص الحديث:
ورد في تاريخ الطبري (2/439) من طريق اليونسيين: بن عمرو وبن بكير:
حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا يونس بن عمرو عن أبيه عن الارقم بن شرحبيل قال:
«سألت ابن عباس: أوصى رسول الله ﷺ؟ قال: لا. قلت: فكيف كان ذلك؟ قال: قال رسول الله ﷺ: "ابعثوا إلى علي فادعوه"، فقالت عائشة: لو بعثت إلى أبي بكر، وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر، فاجتمعوا عنده جميعًا، فقال رسول الله ﷺ: "انصرفوا، فإن كلي حاجة أبعث إليكم"، فانصرفوا، وقال رسول الله ﷺ: "آن الصلاة؟" قيل: نعم، قال: فأمروا أبا بكر ليصلي بالناس. فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، فمر عمر».
تضعيف الحديث:
وهذا إسناد ضعيف. يونس بن عمرو ويونس بن بكير. صدوقان يخطئان، فيهما ضعف، كلاهما يخطئان كما ذكر الالباني (سلسلة الصحيحة6/253).
وقد تقدم الكلام على يونس بن عمرو، حاصل قول الحافظ في يونس أنه «ثقة يحصل له وهم قليل» (تقريب التهذيب2/348). وقول يحيى بن معين «كانت فيه غفلة شديدة وكانت فيه سجية».
وفي يونس بن أبي إسحاق آفة أخرى وهي التدليس. فقد ذكره الحافظ في الطبقة الثانية في (كتاب طبقات المدلسين1/37).
فقال: « يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي حافظ مشهور كوفي يقال إنه روى عن الشعبي حديثا وهو حديثه عن الحارث عن علي رضي الله عنه حديث أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة فأسقط الحارث».
والظاهر أنهم ضعفوه في روايته عن أبيه فقط. وبالجملة فيونس ثقة لكن ليس مثل ابنه ولا ابيه والكل ثقات.
وقد جاء في (الجرح6/291). ويونس بن بكير متكلم في حفظه. قال عنه أبو داود « ليس بحجة» (تهذيب التهذيب11/383).
الشبهة:
يحاول بعض الشيعة أن يثبتوا أن النبي ﷺ كان يريد وصية علي بن أبي طالب على الأمة، وأن عائشة وحفصة منعت ذلك لصالح والديهما.
واستدلوا بهذا الحديث الضعيف، متجاهلين الجزء الأهم في الرواية:
«فانصرفوا، وقال رسول الله ﷺ: أن الصلاة؟ قيل: نعم، قال: فأمروا أبا بكر ليصلي بالناس».
وهذا الجزء يوضح أن النبي ﷺ لم يخص عليًا بالوصية على الأمة، بل أمر أبي بكر بالصلاة بالناس أثناء إقامته في المدينة بعد وفاة النبي ﷺ، وهو موافق للشرع وإقرار ضمني بخلافة أبي بكر.
الرد العلمي والشرعي:
أولوية الإمامة:
◘ جميع من سبقوا أبو بكر للصلاة بالناس كانوا ولاة من النبي ﷺ أثناء غيابه عن المدينة، أما في هذا الحديث فقد أمر النبي ﷺ أبو بكر بالقيادة أثناء إقامته في المدينة، وهو تأكيد على ولاية أبي بكر وخلافته.
منهج أهل العلم:
◘ العلماء يشددون على رفض الأحاديث الضعيفة جدًا أو المكذوبة، وعدم الاستناد إليها لإثبات مسائل العقيدة أو الإمامة.
◘ الالتزام بما ثبت عن النبي ﷺ من الكتاب والسنة الصحيحة هو الطريقة الصحيحة لفهم أحكام الإسلام.
أثر الحديث عند الشيعة:
◘ هذا الحديث يستخدمه بعض الشيعة لتشويه خلافة أبي بكر رضي الله عنه ورفع مكانة علي رضي الله عنه فوق ما نص عليه الشرع.
◘ الرد عليه يكون بتوضيح ضعف الإسناد وعدم حجية الرواية، وبيان الأمر الإلهي في الإمامة، كما يظهر من التاريخ والسنة الصحيحة.
المصادر:
1) تاريخ الطبري 2/439 – من طريق اليونسيين: بن عمرو وبن بكير
2) سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/253 – الألباني
3) الجرح 6/291 – الحافظ
4) تقريب التهذيب 2/348 – ابن حجر العسقلاني
5) تهذيب التهذيب 11/383 – ابن حجر
6) سنن أبي داود وشرح المنذري