يتناول هذا المقال مسألة مهمة تتعلق بـ علاقة الزوج بزوجته أثناء الحيض والصيام، مستندة إلى الأحاديث الصحيحة للنبي ﷺ وكتب الفقهاء والمحدثين. وقد وردت بعض الروايات في كتب الشيعة كالكافي ومرآة العقول عن النبي ﷺ وأمهات المؤمنين، تؤكد أن المباشرة واللمس والتقبيل جائز مع التحفظ عن الفرج أثناء الحيض، ولا تبطل الوضوء أو الصيام. هذه الأحكام توضح الضوابط الشرعية للعلاقة الزوجية وتبين خطأ الادعاءات التي يحاول بها بعض المخالفين التشكيك في السنة الصحيحة.
في صحيح البخاري:
" 303 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ، تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَرَادَ أن يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا، فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ» وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ "
صحيح البخاري - بَابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ - ج 1 ص 68
وفيه أيضًا: " 1927 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» "
صحيح البخاري - بَابُ المُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ - ج 3 ص 30
قال الإمام ابن منظور:
" وفي الحديث أَنه كان يُقَبِّلُ ويُباشِرُ وهو صائم أَراد بالمباشَرَةِ المُلامَسَةَ وأَصله من لَمْس بَشَرَةِ الرجل بَشَرَةَ المرأَة "
لسان العرب - محمد بن مكرم بن منظور - ج 4 ص 59
وقال الإمام النووي:
" قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ) مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ هُنَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ "
شرح صحيح مسلم - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 7 ص 217
فمعنى المباشرة في الحديث اللمس باليد، والتقاء البشرتين من غير جماع كما صرح بذلك علمائنا، وبينوا هذه المعاني بيانا شافيا، وقد ورد في كتب الرافضة كل هذه الاحكام، ففي الكافي: "عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أبي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أبي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ لَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَ لَا مَسِّ الْفَرْجِ وَ لَا الْمُبَاشَرَةِ وُضُوءٌ "
الكافي - الكليني - ج 3 ص37، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - حسن - ج 13ص 118
في هذه الرواية بيان عدم نقض الوضوء اذا باشر الرجل زوجته، وفي هذا بيان على أن المراد من المباشرة غير الجماع، فمن المعلوم أن الجماع يوجب الغسل فضلا عن الوضوء.
وقال الصدوق:
"204 - وسأل عبيد الله بن علي الحلبي أبا عبد الله عليه السلام " عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار "
205 - وذكر عن أبيه عليهما السلام " أن ميمونة كانت تقول: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمرني إذا كنت حائضا أن أتزر بثوب ثم أضطجع معه في الفراش " من لا يحضره الفقيه - الصدوق - ج 1 ص 99
قال المجلسي:
" و ذكر الصدوق رحمه الله في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه ذكر عن أبيه عليه السلام أن ميمونة كانت تقول: أن النبي صلى الله عليه و آله كان يأمرني إذا كنت حائضا أن أتزر بثوب ثم اضطجع معه في الفراش، و كانت نساء النبي صلى الله عليه و آله لا يقضين الصلاة إذا حضن، لكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضين ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن الله عز و جل "
ملاذ الاخيار - محمد باقر المجلسي - ج 2 ص 31
فالزوج يجوز له من زوجته ما عدا الفرج في أثناء الحيض، وقد ورد في الرواية الرافضية إتزار أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في حال حيضتها واضطجاعها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا توضيح، وتبيين لما يتعلق بعلاقة الزوج مع زوجته في حال حيضها، وحكمه.
وفي روضة المتقين:
" و في الموثق كالصحيح عن محمد بن مسلم و زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال: إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه "
روضة المتقين - محمد تقي المجلسي - ج 3 ص 312
فالرواية دالة على جواز المباشرة، والتقبيل إذا وثق بنفسه بإنه لن ينزل المني.
وفي الاستبصار:
" [ 254 ] 2 - عنه عن القاسم عن علي عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم قال: ليس عليه شيء وإن أمذى فليس عليه شيء والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ولا ينبغي له أن يتعرض لرمضان "
الاستبصار - الطوسي - ج 2 ص 83
وفي الكافي:
" حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْحَائِضِ مَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا مِنْهَا قَالَ مَا دُونَ الْفَرْجِ "
الكافي - الكليني - ج 5 ص538 - 539، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - موثق - ج 20 ص 381
فهذه الروايات بجميعها دالة على أن المباشرة لا توجب غسلا، ولا وضوءا، ولا إبطالا للصيام، وفيها جواز مباشرة الحائض، وما يجوز للزوج من زوجته الحائض، فإذا أراد الرافضة أن يطعنوا بهذه الأحكام فيجب عليهم أن يطعنوا بكتبهم أولا قبل أن يطعنوا في كتب المخالفين.