في عالمنا اليوم، تنتشر بين بعض الناس فرق ومذاهب تدّعي الإسلام، لكنها في حقيقتها تشوّه تعاليم الدين الحق وتروج لمعتقدات باطلة. ومن أبرز هذه الفرق الضالة الشيعة، الذين يعتمدون على اختلاق أحاديث مزورة أو نشر أحاديث ضعيفة لا أصل لها في السنة النبوية، بهدف دعم معتقداتهم المذهبية الخاصة وتحقيق أغراض سياسية وعقائدية لا تمت للإسلام الصحيح بصلة.
ويهدف هذا المقال إلى توضيح كيفية صناعة الشيعة للأحاديث الملفقة وكيفية ترويجها بين العامة، مع بيان الفرق بين الأحاديث الصحيحة الثابتة في الإسلام وبين الأحاديث المكذوبة التي يختلقونها. ويستعرض المقال الأمثلة على تحريف النصوص والأحداث التاريخية لصالح معتقداتهم، مثل رواياتهم عن رؤية الله تعالى أو عن النبي ﷺ وأهل بيته بطريقة مخالفة للحق، مما يدل على زيف ما ينسبونه للدين.
كما يناقش المقال الأضرار الناتجة عن تصديق هذه الأحاديث الباطلة، سواء على المستوى العقائدي للفرد أو على مستوى وحدة المجتمع الإسلامي، حيث تؤدي هذه الممارسات إلى انتشار الفتن والاختلاف بين المسلمين، وتشويش المفاهيم الصحيحة، وتحريف الدين عن مساره السليم. ويستند المقال في تحليله إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال العلماء الموثوقين، مع إبراز الفرق بين ما هو ممكن عقليًا وشرعيًا، وما هو مستحيل أو ملفق، مثل مسألة رؤية الله تعالى والتي أثبتت الروايات الصحيحة أن الرؤية ممكنة في الآخرة، لكن ليس في الدنيا، بينما اختلقتها بعض الروايات الشيعية لتبرير معتقدات باطلة.
هذا المقال يهدف إلى توعية القارئ بخطورة الانصياع وراء هذه الأحاديث المكذوبة، وبيان أن الشيعة فرقة ضالة لا تمثل الإسلام الصحيح، وأن الالتزام بالسنة النبوية هو السبيل لحفظ العقيدة من التحريف والتزييف. كما يوضح الطرق الشرعية للتحقق من صحة الروايات وتمييز الصحيح من المكذوب، ويبين أن أغلب أحاديث الشيعة حول النبي ﷺ وأهل بيته والأحداث التاريخية لا سند لها ولا يمكن اعتمادها.
قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143].
لقد علق الله تعالى رؤيته على استقرار الجبل، واستقرار الجبل امر ممكن وليس مستحيل، فالله تعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا إذا تجلى له.
فكل شيء معلق على الممكن فهو ممكن، فرؤية الله تعالى ممكنة، ولكن الانسان بضعفه لا يستطيع أن يرى الله تعالى في الدنيا.
قال الصدوق:
"1- حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الحسيني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن عبد الله قال حدثني عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام انه سئل مما خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال: أن موسى عليه السلام: لما قال ربى أرني انظر إليك، قال الله تعالى: أن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إلي وان لم يستقر فلا تطيق أبصاري لضعفك، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع، فقطعة ارتفعت في السماء، وقطعة غاصت تحت الأرض، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار، غبار الجبل "
علل الشرائع - الصدوق - ج 2 ص 497
ولو لم تكن رؤية الله تعالى جائزة لما سال موسى عليه السلام ربه أن يراه.
قال الإمام الباقلاني:
"ويجب أن يعلم: أن الرؤية جائزة عليه سبحانه وتعالى، من حيث العقل، مقطوع بها للمؤمنين في الآخرة؛ تشريفاً لهم وتفضلا، لوعد الله تعالى لهم بذلك.
والدليل على جوازها من حيث العقل:
سؤال موسى عليه السلام، حيث قال ﴿رب أرني أنظر إليك﴾. ويستحيل أن يسأل نبي من أنبياء الله تعالى مع جلالة قدره وعلو مكانه ما لا يجوز عليه سبحانه، ولولا أنه اعتقد جوازها لما سألها، ولأنه تعالى علقها باستقرار الجبل، ومن الجائز استقرار الجبل، ويدل عليه أيضاً: أنه موجود، والموجود يصح أن يرى "
الإنصاف - أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني - ص 14
وقال الإمام البيهقي:
"وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى بِالْأَبْصَارِ قَوْلُ مُوسَى الْكَلِيمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 143]، وَلَا يَجُوزُ أن يَكُونَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، قَدْ أَلْبَسَهُ اللَّهُ جِلبَابَ النَّبِيِّينَ وَعَصَمَهُ مِمَّا عَصَمَ مِنْهُ الْمُرْسَلِينَ، يَسْأَلُ رَبَّهُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ مُسْتَحِيلًا، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ جَائِزَةٌ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143]، فَلمَّا كَانَ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى أن يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُستَقِرًّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ لَرَآهُ مُوسَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أن اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أن يُرِيَ نَفْسَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ رُؤْيَتُهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143] أَرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مَا مَضَى مِنَ الآية "
الاعتقاد – أبو بكر احمد بن الحسين البيهقي – ج 1 ص 122 – 123
وقال الشريف المرتضى:
"قد ثبت أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته، لا سيما إذا كانت المسألة ظاهرة يعرفها قومهم "
تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - ص 139
وقد استشكل البعض أن (لن) تفيد التابيد، وقالوا أن الآية دالة على عدم جواز رؤية الله تعالى، فنقول أن هذا الاستدلال خطأ، وذلك لان (لن) لا تفيد التأبيد دائما عند اهل العربية.
قال ابن مالك: "ومن رأى النفي بـ"لن" مؤبدا... فقوله اردد، وخلافه اعضدا "
شرح الكافية الشافية - محمد بن عبد الله بن مالك – ج 3 ص 1515
وقال ابن هشام الانصاري:
"وَلنْ حرف يُفِيد النَّفْي والاستقبال بالِاتِّفَاقِ وَلَا يَقْتَضِي تأبيدا خلافًا للزمخشري"
شرح قطر الندى – أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام – ص 58
وقال الإمام أبو حيان:
"وَلَمَّا وَعَظَهُمْ هَارُونُ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ رُشْدُهُمُ اتَّبَعُوا سَبِيلَ الْغَيِّ وقالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَى عِبَادَتِهِ مُقِيمِينَ مُلَازِمِينَ لَهُ، وَغَيُّوا ذَلِكَ بِرُجُوعِ مُوسَى وَفِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ رُجُوعِهِمْ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ وَأَخَذَ بِتَقْلِيدِهِمُ السَّامِرِيُّ وَدَلَالَةٌ عَلَى أن لَنْ لَا تقتضي التأبيد خِلَافًا لِلزَّمَخْشَرِيِّ إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ مَوْضُوعِهَا التَّأْبِيدُ لَمَا جَازَتِ التَّغْيِيَةُ بِحَتَّى لِأَنَّ التَّغْيِيَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا حَيْثُ يَكُونُ الشَّيْءُ مُحْتَمَلًا فَيُزِيلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ بِالتَّغْيِيَةِ"
البحر المحيط - أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الاندلسي – ج 7 ص 374
فكلام اهل العربية أن (لن) لا تفيد التأبيد، واما ما ورد في القران الكريم بإفادة التأبيد فهو مستفاد من القرينة لا بذات (لن) وانما بالقرينة الدالة، فلو كانت لن تفيد التأبيد بذاتها لدل ذلك على تكذيب القران الكريم والعياذ بالله تعالى، وذلك لان لن قد جاءت في القران الكريم ولا تدل على التأبيد، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)﴾ [البقرة:95]، فقد اخبر الله تعالى انهم لن يتمنوه، وذكر تعالى في الآية كلمة ابدا للتأكيد، ومع هذا نجد في القران الكريم تمني الكفار للموت، كما قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾ [الزخرف: 77]، وقال تعالى ﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ [الحاقة: 27]، وقال تعالى مبينا أن القضاء عليهم هو الموت، والانتهاء مما هم فيه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: 36]، فقد تمنوا الموت بعد أن ذكر الله تعالى بانهم لن يتمنوه ابدا، وقال تعالى عن احمد اخوة الصديق يوسف عليه السلام قوله: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يوسف: 80]، فلو كانت للتأبيد مطلاقا لما حدد الفعل بعدها، فالتأبيد مع تحديد الفعل متناقض، ولقد فصل العلماء المعنى المراد ب (لن) بكل وضوح واستدلوا بأدلة متينة عليه.
قال الإمام الزركشي:
"لَنْ" لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَإِنَّ فِي تَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ فَتَقُولُ: لَا أَبْرَحُ فَإِذَا أَرَدْتَ تَأْكِيدَ النَّفْيِ قُلْتَ: لَنْ أَبْرَحَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ جَوَابٌ لِمَنْ قَالَ: سَيَفْعَلُ يَعْنِي وَالسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ فَجَوَابُهَا كَذَلِكَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَنْ تَدُلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ "لَا" وَكَذَا قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ: "لَنْ" لِتَأْكِيدِ مَا تُعْطِيهِ "لَا" مِنْ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ تراني﴾ قَالَ: هُوَ دَلِيلٌ عَنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْيَهُودِ: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ. ولن يتمنوه أبدا﴾ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عَامَّةِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الآخرة فيقولون: ﴿يا ليتها كانت القاضية﴾ يَعْنِي: الْمَوْتَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَنْفِي الْأَبَدَ وَلَكِنْ إِلَى وَقْتٍ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّ النَّفْيَ بِلَا أَطْوَلُ مِنَ النَّفْيِ بِلَنْ لِأَنَّ آخِرَهَا أَلِفٌ وَهُوَ حَرْفٌ يَطُولُ فِيهِ النَّفَسُ فَنَاسَبَ طُولُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ "لَنْ" ولذلك قال تعالى: ﴿لن تراني﴾ وَهُوَ مُخَصَّصٌ بِدَارِ الدُّنْيَا وَقَالَ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ تُشَاكِلُ الْمَعَانِيَ وَلِذَلِكَ اخْتُصَّتْ لَا بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ وَهَذَا أَلْطَفُ مِنْ رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِهَذَا أَشَارَ ابْنُ الزَّمْلِكَانِيُّ فِي التِّبْيَانِ بِقَوْلِهِ: "لا" تنفي ما بعد و"لن" تنفي ما قرب وبحسب الْمَذْهَبَيْنِ أَوَّلُوا الْآيَتَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا﴾ ﴿ولا يتمنونه أبدا﴾
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ: ﴿لَا يَتَمَنَّوْنَهُ﴾ جَاءَ بَعْدَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الموت﴾ وحرف الشرط يعم كل الأزمنة فقوبل بلا لِيُعَمَّمَ مَا هُوَ جَوَابٌ لَهُ أَيْ زَعَمُوا ذَلِكَ فِي وَقْتِ مَا قِيلَ لَهُمْ تَمَنَّوُا الموت وأما ﴿ولن يتمنوه﴾ فَجَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عند الله خالصة﴾ أَيْ: أن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ الْآنَ اسْتِعْجَالًا لِلسُّكُونِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَعَلَى وَفْقِ هذا القول جاء قوله: ﴿لن تراني﴾
قلت: والحق أن "لا" و"لن" لِمُجَرَّدِ النَّفْيِ عَنِ الْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالتَّأْبِيدُ وَعَدَمُهُ يُؤْخَذَانِ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ وَمَنِ احْتَجَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ وبقوله: ﴿لن يخلقوا ذبابا﴾ عورض بقوله: ﴿فلن أكلم اليوم إنسيا﴾ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَمْ يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ وبقوله: ﴿ولن يتمنوه أبدا﴾ ولو كانت لتأبيد لَكَانَ ذِكْرُ الْأَبَدِ تَكْرِيرًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبُقُولِهِ: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى﴾ لَا يُقَالُ: هِيَ مُقَيَّدَةٌ فَلَمْ تُفِدِ التَّأْبِيدَ وَالْكَلَامُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَدَّعِي أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ فَلَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ "لَا" لِلِاسْتِغْرَاقِ الْأَبَدِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا يقضى عليهم فيموتوا﴾ وقوله: ﴿لا تأخذه سنة ولا نوم﴾ ﴿ولا يؤوده حفظهما﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سم الخياط﴾ وَغَيْرُهُ مِمَّا هُوَ لِلتَّأْبِيدِ وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ فِيهِ "لَا" دُونَ "لَنْ" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ"
البرهان في علوم القران - بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي – ج 2 ص 420 – 422
فكلام الإمام الزركشي صريح بأن التأبيد يؤخذ من ادلة اخرى، وليس من ذات كلمة (لن)، وذلك لان كلمة (لن) قد جاءت في القران وهي لا تفيد التأبيد، ولا يمكن أن يتعارض القران الكريم، فيجب أن نجمع بين النصوص القرآنية، ثم ننظر في كلام اهل اللغة وماذا قالوا لنخرج بالمعنى الصحيح المراد من الفاظ القران الكريم حتى لا نجعل كتاب الله تعالى يضرب بعضه بعضا.
وقال الإمام البغوي:
" وَتَعَلَّقَتْ نُفَاةُ الرُّؤْيَةِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالُوا: قَالَ الله لَنْ تَرانِي، وَلَنْ تَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ [1]، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ كَانَ يسأل الرؤية في الحال ولن لَا تَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً﴾ [الْبَقَرَةُ: 95]، إِخْبَارًا عَنِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فِي الْآخِرَةِ كما قال الله تعالى: ﴿وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: 77]، ﴿ويا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ﴾ [الْحَاقَّةُ: 27]، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْسِبْهُ إِلَى الجهل بسؤال الرؤية وأنه لم يَقُلْ إِنِّي لَا أَرَى حَتَّى تَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ بَلْ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ وَاسْتِقْرَارُ الجبل عند التَّجَلِّي غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ إِذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تِلْكَ الْقُوَّةَ، وَالْمُعَلَّقَ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ لَا يَكُونُ مُحَالًا "
تفسير البغوي - أبو محمد الحسين بن مسعود – ج 2 ص 229
ولقد جاء في كتب الرافضة أن الله تعالى ترائي للنبي صلى الله عليه واله وسلم في بيت فاطمة رضي الله عنها.
قال ابن قولويه:
"حدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد القماط، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل فاطمة (عليها السلام) والحسين في حجره إذ بكى وخر ساجدا ثم قال: يا فاطمة يا بنت محمد أن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيأ هيئة، وقال لي: يا محمد أتحب الحسين (عليه السلام)، فقلت: نعم قرة عيني وريحانتي وثمرة فؤادي وجلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد - ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) - بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناوأه ونازعه، أما انه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة - وذكر الحديث"
كامل الزيارات - ابن قولويه - ص141 – 142