يتناول هذا المقال حديثًا ضعيفًا نسبه بعض المؤلفين إلى النبي ﷺ وعائشة رضي الله عنها عن الاستدفاء أثناء الجنابة، ويبيّن ضعف الإسناد ومخالفته لقواعد علم الرجال والحديث الصحيح. وقد نشر بعض الشيعة هذا الحديث في بحار الأنوار وكتبهم الأخرى بهدف إثارة الشبهات وتشويه السيرة النبوية، لكن التحقيق في كتب أهل السنة والحديث الصحيح يظهر أن هذا الحديث ضعيف جداً ولا يمكن الاستدلال به على شيء من أحكام الشرع. المقال يوضح الفرق بين المصادر الموثوقة وأقوال الرافضة عن نفس الفعل، ويوضح حقيقة الاستدفاء وشرح المقصود به عند العلماء.

في مصنف ابن أبي شيبة وغيره:

" 842- حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ يَسْتَدْفِئُ بِي قَبْلَ أن أَغْتَسِلَ "

مصنف ابن أبي شيبة – أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة - ج 1 ص 76، وسنن ابن ماجه – أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني - ج 2 ص 268، وسنن الترمذى – أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي - ج 1 ص 215

ولقد ضعفه الإمام الألباني في تحقيق المشكاة.

حيث جاء فيه: " 459 -[9] (ضَعِيف)

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَسْتَدْفِئُ بِي قَبْلَ أن أَغْتَسِلَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وروى التِّرْمِذِيّ نَحوه " مشكاة المصابيح – تحقيق محمد ناصر الدين الألباني – ج 1 ص 142

وقال في الضعيفة: " 5657 - (كان يُجْنِبُ، فيغتَسِلُ، ثم يَسْتَدْفِئ بي قبلىَ أن أغتَسِلَ).

ضعيف.

وهو من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه علي بن الجعد في " مسنده " (2 / 855 / 2336) - وهو " حديث علي بن الجعد " - قال: أنا شريك عن حريث عن عامر عن مسروق عنها.

ومن طريق ابن الجعد أخرجه البغوي في " شرح السنة " (2 / 30)؛ لكن

وقع فيه: (حصين) مكان: (حريث)!

وهو تحريف لم يتنبه له الشيخ شعيب الأرناؤوط؛ فإنه بعد أن خرجه من رواية

الترمذي وابن ماجه من حديث وكيع (!) عن حريث قال: " وحريث وهو ابن أبي مطر الحناط الفزاري، ضعفه غير واحد، لكن تابعه حصين بن عبد الرحمن في رواية المصنف وهو ثقة، فيتقوى به "!

كذا قال! وقد عرفت أن (حصين) تحريف (حريث)، وعليه؛ فقد بقي

الحديث على ضعفه من أجل حريث هذا، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه؛ بل تركه النسائي وابن الجنيد وغيرهما.

ثم أن الحديث عزاه لابن ماجه من حديث وكيع. وهو وهم آخر منه؛ فإنما هو

عنده (580) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا شريك... وكذا هو في

" مصنف ابن أبي شيبة " (1 / 76 - 77)، وكذلك أخرجه الحاكم (1 / 154) من طريق أخرى عن شريك وغيره به، وقال: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!!

وهذا عجب منهما - وبخاصة الذهبي -؛ فإن حريثاً هذا مع كونه ليس من

رجال مسلم فقد عرفت ضعفه، والذهبي نفسه قال فيه في " الكاشف ":

" ضعفوه ". وقال في " الضعفاء ": " متروك ".

ومما سبق تعلم تساهل الترمذي أيضًا في قوله عقب الحديث: " ليس بإسناده بأس ".

ولذلك؛ فقد أحسن صنعاً أبو بكر بن العربي بقوله في " شرحه " (1 / 191): " حديث لم يصح ولم يستقم، فلا يثبت به شيء ".

 ونقله أحمد شاكر في " شرحه على الترمذي " (1 / 211) وأقره "

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الألباني – ج 12 ص 352 – 354

وقال الإمام ابن القيسراني:

" 3049 - حَدِيث: رُبمَا اغتسل النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْجَنَابَة، ثمَّ أَتَانِي وضمني اليه، وَأَنا جنبة. رَوَاهُ حُرَيْث بن أبي مطر: عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عَائِشَة قَالَت. وَهَذَا مُنكر، وحريث مَتْرُوك الحَدِيث "

ذخيرة الحفاظ - محمد بن طاهر بن القيسراني المقدسي - ج 3 ص 1396

وهذا الحديث ضعيف، وافته حريث بن أبي مطر.

 قال الإمام البخاري:

" 254 - حريث بن ابى مطر الكوفى الحناط، عن الشعبى، نسبه الفضل بن موسى، فيه نظر، يقال حريث بن عمرو "

التاريخ الكبير – أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري – ج 3 ص 71

قال الإمام ابن حجر:

" قال البخاري فيه نظر وهذه العبارة يقولها البخاري في من هو متروك " القول المسدد – احمد بن علي بن حجر - ص 10

وقال الإمام النسائي:

 " حريث بن أبي مطر متروك الحديث "

الضعفاء والمتروكون – أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب بن علي النسائي - ص 165

وقال الإمام ابن الجوزي:

" 793 حريث بن أبي مطر واسم أبي مطر عمرو بن أبي عمرو الفزاري الكوفي يروي عن الشعبي قال يحيى حريث لا شيء وقال مرة ضعيف وكذلك قال الفلاس وأبي حاتم الرازي وابن عدي قال النسائي وعلي بن الجنيد والأزدي متروك "

الضعفاء والمتروكون – عبد الرحمن بن علي بن الجوزي - ج 1 ص 197

وقال الإمام الذهبي:

" 1357 خت ت ق حريث بن أبي مطر الفزاري واسم أبيه عمرو متروك " المغني في الضعفاء – أبو عبد الله محمد بن احمد الذهبي – ج 1 ص 154

وقال الإمام ابن حجر:

 " 1182 - حريث بن أبي مطر الفزاري أبو عمرو وابن عمرو الكوفي الحناط بالمهملة والنون ضعيف من السادسة خت ت ق "

تقريب التهذيب – أبو الفضل احمد بن علي بن حجر – ص 230

ولقد جاء عين هذ الفعل في كتب الرافضة.

 قال المجلسي:

" 6 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يغتسل من جنابته ثم يستدفئ بامرأته وإنها لجنب. بيان: الاستدفاء طلب الدفء، وهو نقيض حدة البرد "

بحار الأنوار - المجلسي - ج 78 ص 43 – 44، وقرب الاسناد - الحميري القمي - ص 137، ومستدرك الوسائل – النوري الطبرسي - ج 1 ص 484 – 485