ترك خطبة الجمعة والتوجه للهو والتجارة
يُروِّج بعض أهل الزيغ والفرقة الضالّة لشبهةٍ قديمةٍ متهافتةٍ، زعموا فيها أن الصحابة رضي الله عنهم تركوا النبي ﷺ قائمًا في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى التجارة واللهو، وأن ذلك دليل على ضعف إيمانهم وقلة ديانتهم! وهي شبهة تدلّ على الجهل بزمان الحادثة وظروفها، وعلى سوء القصد في تفسير النصوص القرآنية، إذ لم تكن الواقعة طعنًا في الصحابة كما يدّعي أهل الأهواء، بل كانت حادثة تعليمية وقعت في أوائل العهد المدني، قبل استقرار الأحكام الشرعية المتعلقة بالجمعة وآدابها.
في هذا المقال نعرض نص الشبهة كما يوردها الطاعنون، ثم نبين الرد العلمي الموثق من التفسير والسير، لنظهر كيف أن القرآن الكريم لم يوبّخهم توبيخًا قاسيًا، ولا النبي ﷺ عنّفهم، بل جاء التوجيه الرباني برفقٍ ورحمةٍ لتربية الأمة على آداب الجمعة والحرص على طاعة الله ورسوله. وهكذا يتبيّن أن الصحابة هم صفوة الأمة، وأن ما وقع منهم كان عن اجتهادٍ أو جهلٍ مؤقتٍ لا عن نفاقٍ أو تهاونٍ في الدين كما تزعم الفرق الضالّة.
الشبهة والرد عليها:
الشبهة:
قالت الفرقة الضالّة أن الصحابة انفضوا عن النبي ﷺ أثناء خطبته يوم الجمعة وتركوه قائمًا، وانشغلوا باللهو والتجارة، وهذا يدل على ضعف ديانتهم وقلة تعظيمهم للنبي ﷺ.
بقوله تعالى في سورة الجمعة: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (11)
قالوا أن الصحابة انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتجارة،
وذلك دليل على عدم الديانة.
والجواب:
أن هذه القصة إنما وقعت في بدء زمن الهجرة [1]، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الآداب الشرعية كما ينبغي، وكان للناس مزيد رغبة في الغلة، وظنوا أن لو ذهبت الإبل يزيد الغلاء ويعم البلاء، ولم يخرجوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنده صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الأحاديث الصحيحة[2]، ولذا لم يشنع عليهم[3] ولم يوعدهم سبحانه بعذاب ولم يعاتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً.
_______________________________________________________