شبهة خروج أم المؤمنين لقتال علي رضي الله عنهما
من أكثر الشبهات التي تروجها الفرقة الضالة الشيعة في طعنهم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، زعمهم أنها خرجت على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيشت الجيوش لقتاله. وهذه فرية باطلة، قصد منها تشويه صورة أطهر نساء الأمة وأصدقهن نية، زوجة نبي الله صلى الله عليه وسلم التي برأها الله من فوق سبع سماوات. أن فهم هذه الحادثة يحتاج إلى دراسة دقيقة للظروف السياسية والاجتماعية التي أحاطت بها بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما أحدثه قتَلَته من فتنة وفرقة بين المسلمين. ولم يكن خروج أم المؤمنين للقتال أو للتمرد كما يدّعي المبطلون، بل كان خروجها للإصلاح وحقن الدماء والمطالبة بالقصاص من القتلة، وهو مقصد نبيل تشهد له الروايات الصحيحة. وفي هذا المقال نكشف الشبهة ونبين الحق بالأدلة الموثقة من كتب السنة المعتمدة، مع بيان الموقف الشرعي والواقعي لما جرى في وقعة الجمل بعيدًا عن الغلو والتحريف الذي تبنته فرق الضلال.
الشبهة والرد:
الشبهة:
يزعم الشيعة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خرجت على إمام زمانها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيشت الجيوش لقتاله، فكانت بذلك متمرّدة خارجة عن الطاعة.
حيث يزعم صاحب هذه الشبهة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جيشت الجيوش لقتال علي وخرجت على إمام زمانها مفروض الطاعة الذي اجتمعت الناس على مبايعته...
الرد:
نقول وبالله التوفيق.....
أولاًٍٍ: " لم يكن خروج أم المؤمنين للقتال البتة وإنما خرجت للإصلاح والمطالبة بقتلة عثمان رضي الله عنه والأدلة على ذلك كثيرة منها لا للحصر ما ذكره الإمام أحمد في مسنده: فقال لها الزبير ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس[1].
وأيضا ما رواه ابن حبان عن أم المؤمنين رضي الله عنها قولها:
ما أظنني الا أني راجعة فقال بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون
فيصلح الله عز وجل ذات بينهم[2].
ثانياً: " نقول ليس عندنا شي في كتبنا أسمه إمام زمان أصلاً فلا يحق لأحد أن يلزمنا في لفظة لا نؤمن بها.
ثالثاً: "لم يكن علي رضي الله عنه في العراق وإنما كان في المدينة وأم المؤمنين ذهبت للعراق حيث قتلة عثمان رضي الله عنه.
أخيراً: نقول لصاحب الشبهة أن قلنا في خروج ام المؤمنين على الامام فسيكون حكمها خارجية مثلها مثل الخوارج الذين خرجوا على الإمام
فكيف الحكم عليها؟
لماذا لم يقم الإمام عليها الحد والحكم الشرعي؟
بل أعادها معززة مكرمة إلي مكة وأكرمها وكان يناديها ب (يا أماه) إذن نقول أن ما حصل فتنة والله يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا أن الله يحب المقسطين
وملخصا لما وقع في حرب الجمل وخروج أم المؤمنين عائشة:
الأولى أنه لما قتل عثمان عنه صبراً توجع المسلمون، فسار طلحة والزبير وعائشة – وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها – نحو البصرة، فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام، ففاتوه، وأرسل ابنه الحسن وعماراً يستنفران أهل المدينة واهل الكوفة، ولما قدموا البصرة أستعانوا باهلها وبيت مالها، حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله تعالى وجهه حاول الصلح واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك، فثار قتلة عثمان وكان ما كان، وانتصر علي كرم الله تعالى وجهه، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة.
ولما ظهر علي جاء إلى أم المؤمنين فقال ((غفر الله لك)) قالت ((ولك. وما أردت إلا الإصلاح)) ثم انزلها دار عبدالله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على سنيه بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل: يا أمير المؤمنين أن بالباب رجلين ينالان من عائشة فامر القعقاع بن عمر أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وان يجردهما من ثيابهما ففعل.
ولما ارادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع واذن لمن نجا من الجيش أن يرجع إلا أن يحب المقام، وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها اخاها محمداً. ولما كان اليوم الذى ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت: ((يا بني لا يغتب بعضكم بعضاً، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار)) فقال علي ((صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة)) وسار معها مودعاً أميالاً، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم.
وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها. ففي هذه المعاملة من الأمير رضي الله عنه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها – وحاشاها رضي الله عنها – وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك. وقال غير واحد إنها اجتهدت ولكنها أختات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على اجتهاده[3] وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه.
نعم قالت الشيعة إنه يبطل اجتهادها أنه صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب، فإياك أن تكون يا حميراء والحوأب منزل بين البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع.
والجواب عن ذلك:
أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحه همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلاً من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحواب، على أن ((إياك أن تكوني يا حميراء)) ليس موجوداً في الكتب المعول عليها عند أهل السنة فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد، على أنه لو كان فلا يرد محذوراً أيضاً لأنها اجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان، لو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه. وليس في الحديث بعد هذا النهي امر بشئ لتفعله، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة.
وأما طلحة والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام رضي الله عنه. وأما طلحة فقد روى الحكم عن ثور بن مجزأة أنه قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي: من أنت؟ قلت: من اصحاب أمير المؤمنين علي، فقال: أبسط يدك أبايعك، فبسطت يدي فبايعني وقال: هذه بيعة علي، وفاضت نفسه. فأتيت علياً فأخبرته فقال: الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ابي الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه.
وأما الزبير فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي له: لتقاتلن علياً وأنت له ظالم، فقال: لقد اذكرتني شيئاً أنساني الدهر، لا جرم لا أقاتلك ابداً، فخرج من العسكرين نادماً وقتل بوادي السباع مظلوماً قتله عمرو بن جرموز. وقد ثبت عند الفريقين أنه جاء بسيفه واستأذن على الأمير فلم يأذن له، فقال: أنا قاتل الزبير، فقال: أبقتل أبن صفية تفتخر؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((بشر قاتل ابن صفية بالنار)).
وأما عدم قتله فلقيام الشبهة على ما قيل، ونظيره ما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن أن أناساً من الصحابة ذهبوا يتطرقون، فقتل واحد منهم رجلاً قد فر وهو يقول: إني مسلم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ولم يقتل القاتل.
وكذا قتل أسامة فيما أخرجه السدى رجلاً يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم جداً ولم يقبل عذره وقال له: كيف أنت ولا إله إلا الله؟ ونزل قوله تعالى ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً﴾ الآية.
وأجاب آخرون:
بأن العلماء اختلفوا في أنه هل يجب على الحاكم القصاص إذا لم يطلبه الولي أم لا؟ ولعل الأمير كرم الله تعالى وجهه ممن لا يرى الوجوب بدون طلب ولم يقع. وروى أيضاً أن الأمير قال لما جاءه عمر بن طلحة بعد موت أبيه ((مرحباً بابن أخي، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين﴾ وهذا ونحوه يدل على أنهما رضي الله تعالى عنهما لم يذهبا إلا طاهرين متطهرين.
[1] مسند أحمد الجزء 6 ص 97 حديث رقم 24698 عليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
[2] صحيح بن حبان الجزء 15 ص 126 حديث رقم 6732 ال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين
[3] إنها اجتهدت واصابت، لأنها أرادت الإصلاح والتعاون مع أمير المؤمنين علي على إقامة حدود الله في القتلة المجرمين. والدماء التي سفكت في وقعة الجمل كانت جريمة اخرى من جرائم قتلة عثمان لا يلحق منها شئ بعلي ولا بعائشة ومن معها، ولو توفقوا إلى إقامة الحدود على قتلة عثمان، لتغيرت الحوادث بعد ذلك، ولما وجدت الخوارج ولا الروافض، ولما قتل علي كرم الله تعالى وجهه. ولكن لله في كل شيء حكمه قد يطلعنا عليها وقد تخفى عنا.