تُعدّ الروايات الموضوعة من أخطر الوسائل التي استعملتها الفرق المنحرفة عبر التاريخ لتشويه العقيدة الإسلامية، وعلى رأسها الفرقة الشيعية السبئية التي عُرف غلاتها بإقحام الخرافات والإسرائيليات ونسبتها زورًا إلى رسول الله ﷺ. ومن بين هذه الخرافات حديث (المجرة من عرق الأفعى تحت العرش) الذي انتشر في بعض الكتب المتأخرة دون سند صحيح ولا أصل معتمد في كتب السنة.

في هذا المقال نعرض الرواية كاملة، ونفحص أسانيدها، ونبيّن بطلانها، ثم نوضّح كيف تُستعمل مثل هذه الأكاذيب في تشويش العقيدة وإدخال الدجل والميثولوجيا إلى الإسلام، مع توضيح الشبهة والرد عليها بلغة علمية رصينة.

الرواية كما وردت:

قال السيوطي في أسرار الكون:

«أخرج الطبراني وأبو الشيخ من طرق عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المجَرّة التي في السماء من عَرَقِ الأفعى التي تحت العرش» (أسرار الكون 1/13)

وقد وُجد له الإسناد التالي:

عن هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدّثنا عبد الله بن يزيد، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الأعلى بن أبي عمرة، عن عبادة بن نُسَيء، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ...

تعليق الباحثين

هذا الحديث باطل، ولم يُوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة.

رواية أخرى مشابهة

وفي رواية عمرو بن عثمان، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، قال: قال أبو عائشة:

«إن نفرًا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يحمل العرش؟
قال: تحمله الهوام بقرونها، والمجرة التي في السماء من عرقهم.

قالوا: نشهد إنك لرسول الله».

ثم قال الكاتب:

لعل الرواة نفر من بني سبأ، حسبما تُنبئ حاسة الشم عنهم.

الشبهة والرد عليها

الشبهة:

يزعم بعض المتأثرين بالباطنية والسبئية أنّ النبي ﷺ ذكر أن المجرة في السماء ناتجة من (عرق أفعى) تحت العرش، وأن الهوام تحمل العرش على قرونها، ويستدلون بهذه الخرافة لإثبات وجود أسرار كونية غير مثبتة في الإسلام.

الرد العلمي المختصر

أولًا: الحديث لا أصل له

لم يروه:

البخاري – مسلم -أصحاب السنن – أحمد - ولا أي كتاب معتمد من كتب السنة.

وجميع الأسانيد المنسوبة إليه إما مجهولة أو باطلة أو مركّبة لاحقًا.

ثانيًا: وجود رواة متهمين بالوضع

مثل:

بقية بن الوليد كان يدلس عن الضعفاء.

رواة مجهولون لا يُعرف حالهم.

عبادة بن نسيء وعبد الأعلى ويحيى بن سعد فيهم كلام شديد عند أهل الجرح والتعديل.

ثالثًا: مخالفة الرواية للعقيدة

حمل العرش جاء وصفه في القرآن دون ذكر هوام أو أفاعٍ.

لا يوجد أبدًا في الكتاب ولا السنة تشبيه المجرة بعرق مخلوق.

الرواية تحمل ألفاظ الإسرائيليات المعروفة عند اليهود، مما يفسّر ذكر (الهوام) و(العرق).

رابعًا: لا يجوز إثبات الغيبيات إلا بدليل صحيح

قال تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]

ومثل هذه الروايات تتناقض مع القاعدة الشرعية المحكمة.

خامسًا: العلماء صرّحوا ببطلان هذه الرواية

السيوطي نقلها استغرابًا لا تصحيحًا.

الذهبي لا يعرف لها أصلًا.

لا توجد في أي مصنف حديثي قديم بسند معتبر.

سادسًا: السبب الحقيقي لانتشار هذه الخرافة

هي من مخلفات الرواة السبئيين والباطنية الذين كانت نيتهم:

تشويه الحديث النبوي

إدخال الأساطير إلى الإسلام

نسب خرافات كونية إلى النبي ﷺ

الخلاصة

بعد دراسة الرواية وطرقها، يتبين بوضوح أنها باطلة لا سند لها، وهي أقرب إلى الإسرائيليات والميثولوجيا اليهودية منها إلى الحديث النبوي. وكل ما ورد فيها اختلاق منسوب إلى رواة سبئيين وغلاة من الفرق الضالة لإقحام الخرافات في الدين.

المصادر:

السيوطيأسرار الكون.

الذهبيميزان الاعتدال.

ابن حجرلسان الميزان.

الطبراني – الروايات المنسوبة إليه (مع عدم وجودها في نسخ المعجم).

دراسات الجرح والتعديل للرواة المذكورين.

كتب التخريج المعاصرة في نقد الموضوعات.