دراسة نقدية للروايات الإسرائيليات
في ظل انتشار بعض الأباطيل بين فرق ضالة مثل الشيعة الرافضة، نجدهم يختلقون الأحاديث وينسبونها زورًا إلى النبي ﷺ أو الصحابة بهدف تبرير معتقداتهم الخاطئة. ومن أبرز هذه الروايات ما يخص كلام الله تعالى بالألسنة والحروف والصوت، الذي يُستدل به في بعض الروايات الإسرائيليات المجهولة، ويُفسَّر عندهم بما يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة. إن الشيعة ليسوا من المسلمين بل فرقة ضالة، والكشف عن بطلان هذه الأحاديث ونقدها بالطرق العلمية الشرعية واجب لضمان صحة العقيدة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المسلمين.
الرواية الإسرائيليات عن كعب الأحبار:
943 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَزْءُ بْنُ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، يَقُولُ: "لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى كَلَّمَهُ بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ، وَطَفِقَ مُوسَى، يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا أَفْقَهُ هَذَا حَتَّى كَلَّمَهُ آخِرَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ مِثْلَ صَوْتِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَذَا كَلَامُكَ، قَالَ اللَّهُ: لَوْ كَلَّمْتُكَ كَلَامِي لَمْ تَكُ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: لَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ، قَالَ: يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهِ كَلَامَكَ؟، قَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا لِكَلَامِي أَشَدُّ مَا يَسْمَعُ النَّاسُ مِنَ الصَّوَاعِقِ "
الرد:
عن كعب أنه قال: "لما كلم الله موسى عليه السلام كلمه بالألسنة كلها، قبل لسانه فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته". وذكر الحديث[1].
رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من انكر الحرف والصوت ج 1 ص 245 تحقيق محمد با كريم با عبدالله عن كعب الأحبار أنه قال: "لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول والله يا رب ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه ففهمه"[2].
الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الاشرار ج 2 ص 560 تحقيق سعود بن عبدالعزيز الخلف هذي الرواية هي من الاسرائيليات وفي سندها مجهول الحال وهو ابن جابر الخثعمي ثم ان متن الرواية لو صح ليس فيه اشكال بل هو حجه على المخالف لان فيه اثبات الكلام لله تعالى بصوت وحرف.
قوله: بالألسنة:
كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ وليس المقصود ان لله تعالى لسان.
وقد دلت الآيات والأحاديث على أن كلام الله عز وجل بحرف وصوت، كما قال سبحانه لموسى عليه السلام: ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾ وكان يكلمه من وراء حجاب، لا ترجمان بينهما، واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت.
وقال الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾ وقال جل جلاله: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ والنداء عند العرب لا يكون إلا بصوت، ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله عليه السلام أنه من الله بغير صوت.
وقال تعالى ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً﴾ مريم/52، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت.
وعن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً بُهْمًا فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ) أخرجه أحمد، وصححه الألباني في "الصحيحة" (7/757).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلى النَّارِ...) أخرجه البخاري (4741)
قال الإمام أبو نصر السجزي رحمه الله:
"ينبغي أن ينظر في كتب من درج، وأخبار السلف: هل قال أحد منهم: إن الحروف المتسقة التي يتأتى سماعها وفهمها، ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها، وأنه معنى لا يدري ما هو، غير محتمل شرحاً وتفسيراً؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه.
وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون والأمم، ولا نطق به كتاب منزل، ولا فاه به نبي مرسل، ولا اقتضاه عقل عُلم جهل مخالفينا وإبداعهم، ولن يقدر أحد في علمي على إيراد ذلك عن الأوائل، ولا اتخاذه إياه دينا، في أثر ولا عقل ".
انتهى من " رسالة السجزي إلى أهل زبيد " (ص215)
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" هاتوا أخبرونا من قال قبلكم: إن هذا القرآن عبارة وحكاية، وأن حقيقة القرآن معنى قائم في النفس.. أخبرونا هل وجدتم هذه الضلالة، وقبيح المقالة، عند أحد من المتقدمين سوى قائدكم " [يعني أبا الحسن الأشعري]"
. انتهى من " رسالة في القرآن وكلام الله " (ص52)
ثالثا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وليس في الأئمة والسلف من قال: إن الله لا يتكلم بصوت، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة: أن الله يتكلم بصوت، وجاء ذلك في آثار مشهورة عن السلف والأئمة، وكان السلف والأئمة يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ولا ينكرها منهم أحد، حتى قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إن قوما يقولون: إن الله لا يتكلم بصوت؟ فقال: يا بني هؤلاء جهمية إنما يدورون على التعطيل. ثم ذكر بعض الآثار المروية في ذلك.
وكلام "البخاري" في "كتاب خلق الأفعال" صريح في أن الله يتكلم بصوت، وفرّق بين صوت الله وأصوات العباد، وذكر في ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ترجم في كتاب الصحيح باب في قوله تعالى: ﴿حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾ وذكر ما دل على أن الله يتكلم بصوت" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/527)
وقال السجزي رحمه الله:
" فقول خصومنا: إن أحداً لم يقل إن القرآن كلام الله حرف وصوت ؛ كذب وزور، بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك، وإذا أوردنا فيه المسند، وقول الصحابة من غير مخالفة وقعت بينهم في ذلك: صار كالإجماع.
ولم أجد أحداً يعتد به، ولا يعرف ببدعة:
من نفر من ذكر الصوت إلا البويطي، إن صح عنه ذلك. فإن عند أهل مصر رسالة يزعمون أنها عنه، وفيها: لا أقول إن كلاَم الله حرف وصوت، ولا أقول إنه ليس بحرف وصوت. وهذا إن صح عنه فليس فيه أكثر من إعلامنا أنه لم يتبين هذه المسألة، ولم يقف على الصواب فيها.
وأما غيره ممن نفى الحرف والصوت: فمبتدع ظاهر البدعة، أو مقروف بها مهجور على ما جرى منه. والله الموفق للصواب" انتهى من "رسالته إلى أهل زبيد" (ص260)
ومن أراد الاستزادة فليراجع رسالة أبو نصر السجزي لأهل زبيد وقد خصصها أبو نصر رحمه الله، للرد على من أنكر الحرف والصوت.
الرد على الشبهة الشيعية:
مزاعم الشيعة: أن الكلام بالحرف والصوت غير صحيح أو فيه تجسيم لله.
الرد:
كلام الله بصوت وحرف ثابت في القرآن والسنة، ومفهومه لا يعني أن لله هيئة أو لسان مثل البشر.
[1] أخرجه عبد الله بن أحمد من طريق معمر عن الزهري به ولفظه: "لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول: يا رب والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر ذلك بلسانه مثل صوته، فقال: موسى هذا يا رب كلامك فقال الله: "لو كلمتك بكلامي لم تك شيئاً" أو قال: "لم تستقم له" قال: أي رب فهل من خلقك شيء يشبه كلامك قال: لا. وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق. قال عبد الله: والحديث على لفظ حديث أبي عن عبد الرزاق. (السنة ص 63).
وأخرجه: الدارمي من طريق شعيب عن الزهري. بمثل لفظ المصنف وفي آخره زيادة (يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى). (الرد على الجهمية 93).
وذكر نحوه الإمام أحمد بدون سند، مع اختلاف في اللفظ يسير. (الرد على الجهمية والزنادقة 132).
وابن كثير في التفسير: من طريق معمر أيضاً عن الزهري. وقال: "وهذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين". (تفسير ابن كثير 1/ 588) وأخرجه الطبراني في الأوسط 1/ 527. وفي الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة في هذا الباب ما يغني ويكفي.
[2] أخرجه ابن جرير في فسيره 6/29- 30، والديلمي في الرد على الجهمية ص 93، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة 1/283، وهذا الحديث فيه مجهول الحال وهو "جزء بن جابر" ثم لو ثبت إلى كعب الأحبار لا يعتد به لأنه من الإسرائيليات. قال ابن كثير: فهذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسارئيل وفيها الغث والسمين. تفسير ابن كثير 1/588.