تعتبر الأحاديث من أهم المصادر التي يعتمد عليها المسلم في فهم تعاليم دينه، لكن للأسف بعض الفرق الضالة، ومنها الشيعة الرافضية، تتعمد نسب أحاديث ضعيفة أو باطلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق أغراض سياسية أو مذهبية. هذه الأحاديث لا تصح شرعًا، وغالبًا ما يروّج لها أصحاب الأهواء لتشويه صورة أهل السنة والجماعة، وزرع الانقسام بين المسلمين.
ومن أبرز هذه الأحاديث حديث "لو دلّي أحدكم بحبل لهبط على الله"، الذي رواه الحسن بن علي عن أبي هريرة، ويُستدل به على مسائل غيبية وعُلويات مفرطة للسماء والأرض، لكنه ضعيف جدًا. في هذا المقال، سنقوم بمراجعة الحديث بدقة، وبيان الشبهة التي يروّجون لها، وشرح الرد الشرعي عليها وفق منهج أهل السنة والجماعة، مع الوقوف على أسباب ضعف الحديث وسبب كونه غير مقبول.
نص الحديث وتحليله:
روى الحديث على النحو التالي:
"بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا العنان، هذه روايا الأرض يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه. ثم قال: هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها الرقيع، سقف محفوظ وموج مكفوف. ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: بينكم وبينها مسيرة خمس مئة سنة. ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك سماءين، ما بينهما مسيرة خمسمئة عام، حتى عد سبع سماوات، ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض. ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين. ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها الأرض. ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن تحتها أرض أخرى، بينهما مسيرة خمس مئة سنة، حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمس مئة سنة. ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لو أنكم دلّيتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله. ثم قرأ: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم."
تحليل الحديث:
1. ضعف الإسناد:
ذكر الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، يروى عن أيوب، ويونس بن عبيد وعلي بن زيد، قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة".
الذهبي: وصفه بالحديث المنكر (العلو ص73).
ابن الجوزي: أكد أن الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، بل كان يروي عن الضعفاء.
2. سبب الضعف:
مدلس الحسن: أي أن الحسن كان ينقل أحاديثه عن ضعفاء، أو بشكل غير موثوق.
ضعف طرق الإسناد: الرواية عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة لم تثبت، بل الاعتماد على كتاب أو سند غير موثوق.
3. موضوع الحديث:
يحاول الحديث رسم تصور للسماء والأرض والمسافات بينها بشكل مبالغ فيه.
الحديث يوحي بأن الإنسان لو استخدم وسيلة للوصول إلى الأرض السفلى يمكنه "الهبوط على الله"، وهذا مفهوم خاطئ ومنافي لعقيدة التوحيد، لأن الله تعالى ليس بمكان محدد يمكن الوصول إليه بالأسباب المادية.
الشبهة الشيعية:
يستخدم بعض الشيعة هذا الحديث للادعاء بأن هناك معلومات غيبية دقيقة يمكن معرفتها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن علو السماوات والأرض بمسافات محددة، مما يثير التساؤل عن قدرة الله وحدود خلقه.
في بعض الأحيان يستخدمون هذا الحديث لتقليل شأن النبي وأصحابه، أو للتشويه على عقيدة أهل السنة والجماعة، من خلال جعل الحديث يبدو وكأنه "كشف للغيبيات".
الرد الشرعي:
1. الرد العلمي على ضعف الإسناد:
الحديث ضعيف للغاية، لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
النقل عن الحسن عن أبي هريرة مدلس وغير موثوق.
2. الرد العقيدي:
الله تعالى ليس في مكان محدد يمكن قياسه بالأقدام أو السنوات، ولا يمكن أن يصل إليه الإنسان بالحبال أو غيرها.
هذا النوع من الروايات لا يُعتد به في العقيدة، بل يندرج تحت الخرافات المحدثة، والاعتماد عليه يؤدي إلى الانحراف عن التوحيد الصحيح.
3. الرد على الشبهة:
أي محاولة للاستدلال بهذا الحديث على معلومات غيبية أو علو السماوات والأرض تعتبر باطلة.
أهل السنة يعتمدون على القرآن الكريم والسنة الصحيحة في إثبات أسماء الله وصفاته، وما لم يثبت عن النبي ﷺ أو القرآن فهو مردود.
المصادر:
1. سنن الترمذي 5/257.
2. العلو للذهبي، ص73.
3. العلل المتناهية في الأحاديث الوهّاية لابن الجوزي 1/14.
4. كتاب نقد الأحاديث الضعيفة ومصادر العلماء الموثوق بها.