في عالم الحديث الشريف، تتعرض الكثير من النصوص للتزييف والتحريف، ومن أبرز الأمثلة ما يرويه بعض الشيعة من أحاديث ضعيفة أو موضوعَة لتحقيق أهداف سياسية أو مذهبية بعيدة عن الدين الصحيح. هذه الأحاديث غالبًا ما تُستشهد بها لتضليل العامة ورفع مكانة شخصيات بعينها، مع ما يترتب على ذلك من تشويش على فهم السنة النبوية. ومن الجدير بالذكر أن هذه التصرفات تكشف عن بعد هؤلاء عن منهج أهل السنة والجماعة، واعتبارهم فرقة ضالة أضلّت الطريق عن الحق. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل حديث "النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي" مع تحليل سلاسل الإسناد وبيان ضعفها، لنكشف زيف الروايات التي يُستغل بها اسم النبي صلى الله عليه وسلم ونسلط الضوء على منهج أهل السنة في التحقق من صحة الأحاديث.
حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا موسى بن سهل الرملي نا محمد بن عبد العزيز الرملي ثنا القاسم بن غصن ثنا محمد بن سوقة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: «رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال النجوم أمان لأهل السماء وأنا أمان لأصحابي وأصحابي أمان لأمتي».
رواه الطبراني في (المعجم الأوسط7/6) وقال: «لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سوقة إلا القاسم بن غصن تفرد به محمد بن عبد العزيز».
وحكم الهيثمي عليه بالانقطاع فقال «إسناده جيد إلا أن علي بن طلحة لم يسمع من ابن عباس» (مجمع الزوائد9/739).
ورواه الطبراني في (المعجم الأوسط9/275) «حدثنا علي قال: نا الحسين بن عيسى بن ميسرة الرازي قال: نا الصباح بن محارب قال: نا محمد بن سوقة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النجوم أمان لأهل السماء، وأصحابي أمان لأمتي».
ثم قال «لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سوقة إلا الصباح، تفرد به: الحسين بن عيسى».
حدثنا محمد بن علي بن عبد الله القزويني ببغداد حدثنا حفص بن عمر المهرقاني الرازي حدثنا القاسم بن الحكم القرني عن عبد الله بن عمرو بن مرة عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال: أخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة صلاة العشاء الآخرة هنيهة فخرج علينا فقال: «ما تنتظرون؟» قالوا: الصلاة، قال: «أما إنكم لن تزالوا فيها ما انتظرتموها» ثم رفع بصره إلى السماء فقال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمان لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون، أقم يا بلال ».
رواه الطبراني في (المعجم الصغير3/104) وقال: «لم يروه عن ابن سوقة إلا عبد الله بن عمرو بن مرة، تفرد به ربيعة».
ورواه الحاكم في المستدرك:
«حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه ثنا محمد بن المغيرة اليشكري ثنا القاسم بن الحكم العرني ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون» (المستدرك2/436 و3/162 و517).
وفيه محمد بن المغيرة اليشكري:
نقل الحافظ قول السليماني «فيه نظر» (لسان الميزان5/386). فالحديث بذلك ضعيف جدا.
وذكره ابن الأعرابي نا عبد الرزاق نا أسباط عن موسى بن عبيدة الربذي نا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي».
قال الحافظ «مدار الحديث على موسى بن عبيدة وهو ضعيف» (إتحاف الخيرة المهرة7/87). وقال في المطالب العالية «هذا إسناد ضعيف» (المطالب العالية18/386). وقال الألباني «متروك».
وقد أتى الشيخ الألباني بتفصيل موسع للرواية جاء فيه ما نصه:
««وروي من حديث علي مرفوعاً أتم منه: «عبد الرحمن بن عثمان التميمي في (مسند علي1/2) من طريق المأمون عن الرشيد قال: حدثني المهدي عن المنصور قال: حدثني أبي عن جدي قال: سمعت عبد الله بن عباس: قال علي بن أبي طالب مرفوعاً: «.. فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي؛ ذهب أهل الأرض». أخرجه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم مسلسل بالملوك العباسيين من دون المنصور. واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. لا يعرف حالهم في الحديث. ثم رواه التميمي (2/ 2) من طريق محمد بن يونس بن موسى البصري أبي العباس: حدثنا عمرو بن الحباب السلمي: حدثنا عبدالملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي مرفوعاً نحوه. قلت: وهذا موضوع؛ محمد بن يونس وهو الكديمي: كذاب. وعبدالملك بن هارون كذبه يحيى. وقال ابن حبان: «يضع الحديث». وروى محمد بن المغيرة اليشكري حدثنا القاسم بن الحكم العرني حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه مرفوعاً نحوه. أخرجه الحاكم في (معرفة الصحابة3/457) ساكتاً عليه، وكذا الذهبي.
وأقول: إسناده ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: عبد الله بن عمرو بن مرة؛ قال الحافظ: «صدوق يخطىء»
والثانية: العرني؛ صدوق فيه لين.
والثالثة: محمد بن المغيرة اليشكري؛ قال السليماني «"فيه نظر». وقد خالفه حفص بن عمر المهرقاني: حدثنا القاسم بن الحكم العرني به دون ذكر أهل البيت.
أخرجه الخطيب في (التاريخ3/67-68) من طريق الطبراني.
وقال: الطبراني: لم يروه عن ابن سوقة إلا عبد الله بن عمرو بن مرة، تفرد به القاسم بن الحكم. قلت: وقد علمت أنه صدوق فيه لين. والمهرقاني ثقة من شيوخ النسائي وأبي زرعة وغيرهما.
والحديث - دون ذكر أهل البيت - صحيح؛ فإن له شاهداً من حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره، وهو مخرج في (الروض النضير875).
وقد رواه بدونها:
القاسم بن غصن: وهو ضعيف: عن محمد بن سوقة عن علي بن أبي طلحة مولى ابن عباس عن ابن عباس مرفوعاً نحوه. أخرجه الخطيب في(الفوائد الصحاح2/13).
وقال: حديث غريب من حديث أبي بكر محمد بن سوقة العجلي عن علي بن أبي طلحة، تفرد بروايته عنه هكذا القاسم بن غصن. وتابعه الصباح بن محارب عن ابن سوقة. وخالفهما عبد الله بن المبارك؛ فرواه عن ابن سوقة عن علي بن أبي طلحة عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه ابن عباس. وابن سوقة كوفي ثقة عزيز الحديث والحافظ من الرواة يجمعون حديثه.
قلت: فهذا اختلاف شديد على ابن سوقة.
وقد وجدت عنه اختلافاً آخر؛ فقال عبيد بن كثير العامري: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الله الدارمي: حدثنا عبدالرزاق أنبأ ابن عيينة عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً به، وفيه الزيادة. أخرجه الحاكم (2/448) وقال: صحيح الإسناد. أورده الذهبي بقوله «"قلت: أظنه موضوعاً، وعبيد متروك، والآفة منه.
قلت: وشيخه يحيى بن محمد بن عبد الله الدارمي؛ لم أعرفه، ولم يورده السمعاني في مادة (الدارمي) من الأنساب.
وبالجملة؛ فهذه الزيادة لم تثبت في شيء من طرق الحديث، وليس فيها ما يشد من عضدها، مع عدم ورودها في الحديث المشار إليه. والله أعلم»
(سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم4699).