خرافة عصمة الأئمة عند الشيعة الاثني عشرية: نقد آية التطهير والاحاديث المكذوبة
يستند الشيعة الاثني عشرية في عقيدتهم إلى ما يسمونه "عصمة الأئمة"، مدعين أنها شرط لا بد منه لصحة الإمامة. وقد حاولوا الاستدلال على هذه العقيدة بـ(آية التطهير) والروايات المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأئمتهم، لكن التحقيق اللغوي والعقلي يظهر ضعف هذه الادعاءات وباطليتها.
الاستدلال بـ(آية التطهير) على عصمة الأئمة منقوض من ناحيتين: أولاً من ناحية الدليل، إذ لا يتوافر فيها شروط النصوص الصريحة التي تبنى عليها أصول الاعتقاد، وثانياً من ناحية الدلالة، لأن اللغة القرآنية للنصوص المستشهد بها لا تعني العصمة. هذه البدعة العقائدية تجعل من الشيعة فرقة ضالة تخرج عن المنهج الإسلامي الصحيح، مستندة على أحاديث باطلة وتحريف نصوص القرآن.
إن الاستدلال بـ(آية التطهير) على (عصمة الأئمة) منقوض من الناحيتين: ناحية الدليل وناحية الدلالة.
أولاً: فقدان (الدليل) لشروط الأدلة الأصولية
أما بطلان الناحية الأولى -وهي صلاحية الدليل للاستدلال- فلفقدانه شروط الدليل التي سقناها في أول الكتاب وهي كالآتي:
1- أن النص غير صريح في دلالته على (العصمة). وإن هذا المعنى المستنبط غير واضح وإنما هو شبهة وظن لا أكثر.
2- لا يوجد نص غيره صريح في دلالته على المراد. فليس في (العصمة) آية واحدة صريحة. فضلاً عن تكرر الآيات وكثرتها. وأساسيات الاعتقاد -حسب الاستقراء الكامل للقرآن- تبنى على النصوص الصريحة المتكررة.
3- أن القول بـ(العصمة) من خلال الآية استنباط وليس نصاً. والأصول أو الأساسيات مبناها على النص الحرفي. لا على الاستنباط.
4- ليس لهذا النص –ولا لغيره من النصوص المحتج بها- (أُم) من الآيات المحكمات المفصلات التي يرجع إليها، من أجل تحديد المعنى المحتمل، وفصله عن غيره.
5- أن هذا النص لا يدل بنفسه على (العصمة) فيحتاجون إلى إسناده بالروايات كرواية الكساء. أو تفسيره بالرأي. وكلا الأمرين (الرأي [التفسير] والرواية) لا يصلح كدليل في تأصيل أساسيات الاعتقاد.
6- ليس في الآية ولا في القرآن كله أدلة إثبات عقلية على مسألة (العصمة) كما هو الشأن في أصل الألوهية والنبوة والمعاد.
7- ليست الآية -وليس في القرآن كله آية واحدة- تنذر بالعقاب من جحد (عصمة الأئمة). كما هو الشأن في بقية أساسيات الدين عموماً والاعتقاد خصوصاً.
8- ليست هناك من فائدة تترتب على الإيمان بـ (عصمة الأئمة) تضاف إلى الفوائد التي نجنيها من الإيمان ببقية الأصول لسبب بسيط جداً –قد مر ذكره في موضوع (الإمامة).
أختصره فيما يلي:
إن الدين أصول وفروع. فالأصول لا يحتاج بيانها إلى غير القرآن. فالحاجة فيها إلى (المعصوم) منتفية. ولو كان وجود (الإمام المعصوم) ضرورياً لمعرفة الأصول وحفظ الدين لدام وجوده بيننا. أن النبي صلى الله عليه وسلم المتفق على عصمته قد مات وختمت به النبوة، فما معنى (الإمامة المعصومة) وقد ختمت النبوة؟! ثم أن القائلين من الاثنى عشرية بـ(الإمام المعصوم) يقولون: إنه قد اختفى منذ اثني عشر قرناً وغاب والغائب غير موجود، ولو كان وجوده ضرورة لما غاب!
ثم أن الأصول –عند الإمامية- تثبت بالعقول، فما وجه الحاجة فيها إلى (المعصوم)؟! فما بقي إلا الفروع، وهذه يكفي في بيانها العلماء –وهو الواقع- فلا حاجة فيها إلى المعصوم.
وهكذا خرج النص من دائرة الآيات المحكمات إلى دائرة المتشابهات ففقد صلاحيته الدلالية كنص في (العصمة) وسقط الاحتجاج به عليها، فمناقشته من حيث دلالته زيادة واستطراد لا أكثر.
ثانياً: بطلان الاستدلال بـ(آية التطهير) على (العصمة) من حيث الدلالة
وأما دلالة النص على (عصمة الأئمة) فغير متحققة لعلل كثيرة منها:
فقدان النص للدلالة اللغوية على (العصمة)
ليس العصمة من الذنب أو الخطأ من معاني هذين اللفظين: (التطهير) و(إذهاب الرجس). وذلك لعدم تضمن هذين اللفظين لهذا المعنى في لغة العرب. فإذا علم هذا بطل الاستدلال بالآية على (العصمة) من الأساس.
أما القول بدلالة اللفظ على (العصمة) فيكفي في رده أنه مجرد دعوى، لا دليل عليها.
ورود اللفظ في غير المعصومين:
وأول ما ينقض هذه الدعوى -العارية أساساً عن الدليل المعتبر- العلم بورود هذا اللفظ في حق أشخاص مجمع على عدم عصمتهم كما في الأمثلة القرآنية الآتية:
◘ قال تعالى عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأْقْدَامَ﴾ (الأنفال/11).
والاتفاق حاصل على عدم عصمة أهل بدر مع أنهم موصوفون بالتطهير و(إذهاب الرجس). فاللفظ إذن لا علاقة له بالعصمة.
(والرجز) و(الرجس) متقارب في لغة العرب. جاء في (مختار الصحاح) للرازي: (الرجز) القذر مثل الرجس. ولعلهما لغتان أبدلت السين زاياً كما قيل للأسد الأزَد.
وفي هذه الآية مزايا لأهل بدر زيادة على ما في (آية التطهير)، فإن الله تعالى زادهم الربط على القلوب وتثبيت الأقدام، إضافة إلى أمور بلاغية أخرى لا حاجة لها في مقامنا هذا.
◘ بل عم جميع المسلمين فقال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ (المائدة/6).
واللفظ (يريد ليطهركم) واحد في الآيتين. ولو كانت إرادة التطهير تعني (العصمة) لكان كل مسلم معصوماً.
◘ وقال عن جماعة صرح بارتكابهم الذنوب: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أن صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة/102-103).
فلو كان لفظ (التطهير) معناه (العصمة) لما وصف الله به هؤلاء المذنبين!
بل في الآية ما هو أبلغ من التطهير! ألا وهو (التزكية). فإن التطهير غايته الوصول إلى عدم وهو إزالة الشيء المتطهَّر منه، بينما التزكية أمر وجودي وهو الاتصاف بالبركة والزيادة والنماء لملازمتها له. والعكس ليس شرطاً: فقد تطهر مكاناً ما من القذارة دون أن تجمله بالزينة. أما التزكية وهي التجميل والزينة فلا تكون إلا بعد التطهير وإلا كانت عبثاً.
فهؤلاء ليسوا قابلين للتطهر فقط، وإنما للتزكية زيادة ودرجة ومع ذلك فقد كانوا مذنبين، فأين (العصمة) منهم!
فإن كان التطهير يعني (العصمة) إذن هؤلاء معصومون وزيادة.
وفي الأمر نكتة لطيفة أخرى ألا وهي أن الإمامية يقولون بأن (عصمة الأئمة) منذ الولادة، وليست (العصمة) عندهم حادثة أو كائنة بعد إذ لم تكن. (فالمعصوم) عندهم يولد معصوماً ودليلهم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ مع أن لفظ (التطهير) يصح إطلاقه -كما في الآية التي نحن بصددها- على قوم اقترفوا ذنوبا، فمن أين استنتجوا من (آية التطهير) أن المقصودين بها ليس لهم ذنوب قبل نزولها؟ واللفظ لا يمنع من ذلك.
◘ وقال سبحانه –عن أهل مسجد قباء من الصحابة-: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة/108) وهؤلاء ليسوا معصومين مع شهادة الله لهم بأنهم (يحبون أن يتطهروا)، وأقل ما في هذا الوصف أنهم قابلون للاتصاف به.
◘ وقال في معرض نهيه عن إتيان الحائض: ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ (البقرة/222) ولا علاقة لهؤلاء المتطهرين بالعصمة.
◘ وقال: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل/56) وفي آل لوط ابنتاه وهما ليستا معصومتين.
◘ وقال عن النساء: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ﴾ (البقرة/222) وليس معنى اللفظ: ولا تجامعهن حتى يُعصمن. فإذا عُصمن فجامعوهن! ولو كان لفظ (التطهير) معناه العصمة، لكان هذا هو تفسير الآية، ولكان في الإسلام لا يجوز غير جماع المعصومات!
◘ وقال عن اليهود والمنافقين: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ (المائدة/41) وذلك في مقابل قوله في السورة نفسها عن المؤمنين: ﴿ولكن يريد ليطهركم﴾ (المائدة/6).
ولا شك أن الآية ليس معناها: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أن يعصمَ قُلُوبَهُمْ من إرادة الذنب أو الميل إلى المعاصي، ولا أن معنى الآية الأخرى عن المؤمنين: ولكن يريد الله ليعصمكم من الذنوب.
ولا يمكن تفسير (التطهير) بالعصمة إلا إذا كان الأمر كذلك، وهو ممتنع فبطل هذا التفسير.