لا علاقة لغوية بين اللفظ وبين الامتناع من الوقوع في الخطأ
تحليل آية التطهير وفهم أهل البيت
يستند الشيعة الاثني عشرية في عقيدتهم على ما يسمونه "عصمة الأئمة"، مدعين أن هذه العصمة شرط ضروري للإمامة وأنها مثبتة في القرآن والسنة. وقد حاولوا الاستدلال على ذلك بـ(آية التطهير) وبعض الروايات المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.
لكن التحقيق اللغوي والشرعي يظهر أن هذا الادعاء باطل وغير قائم على دليل قطعي، فالآية لا تعني عصمة الأئمة، ولفظ (أهل البيت) يخص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى وليس علياً أو أحفاده حصراً، كما أن النصوص القرآنية لا تربط العصمة بالإنسان إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
منهج الإمامية الاثني عشرية في الاستدلال بالروايات المكذوبة والأقوال المجتزأة يجعلها فرقة ضالة خارجة عن الإسلام الصحيح، مستندة على التأويل والتحكم بالرأي لا النص الصريح.
ولا علاقة لغوية كذلك بين الآية وبين الامتناع من الوقوع في الخطأ في الاجتهاد أو الرأي عموماً:
فالرجس لغةً هو القذر والنتن، ولهذا يطلق على الذنوب والمعاصي كالكفر والفسوق. لكنه لا يطلق في لغة العرب على الخطأ حتى يمكن أن نقول: أن (إذهاب الرجس) يحتمل معنى عدم الوقوع فيه. فالآية لا علاقة لها بالخطأ البتة فكيف يمكن الاستدلال بها على (العصمة) منه!!
لقد جاء في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النصوص ما هو أعلى في المدح ولم يستلزم ذلك عصمتهم. هذا نص واحد من تلك النصوص:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أن فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأْمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أولَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (الحجرات/6-8).
ولو كنا ممن يحتاج إلى الاحتجاج بالمتشابه لقلنا بعصمة هؤلاء الصحابة، وحجتنا في هذا ظاهرة قياساً بحجج الإمامية: فإن الآية تنص على أن الله كرّه إليهم جميع أنواع المعاصي والذنوب من الكفر إلى العصيان، مروراً بالفسوق. ليس هذا فحسب وإنما حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم. فإذا لم يكن هذا عصمة فكيف هي العصمة إذن؟! وقد توج الله ذلك كله بالشهادة لهم بأنهم هم الراشدون. فإذا أضفنا إليه النص القرآني على وجوب اتباعهم[1] كمل الدليل على عصمتهم!
ولو كان هذا النص نازلاً في علي عليهم السلام خاصة لكان في مقدمة الآيات التي يحتج الإمامية بها دليلاً على عصمته!
وهكذا ظهر بجلاء أنه لا علاقة لنص الآية بـ(العصمة)، وأن القول بها بدلالة النص إنما هو استنباط مسند إلى شبهة، وليس نصاً صريحاً. والاستنباط لا يجوز دليلاً في أساسيات الدين، واتباع المتشابه ممنوع بنص القرآن الحكيم.
♦ انعدام الدلالة اللغوية على تخصيص لفظ (أهل البيت) بأهل بيت علي دون بيت النبي صلى الله عليه وسلم
يحتاج الإمامية ضرورة إلى الدليل القطعي الذي يقصر (أهل البيت) على علي وفاطمة والحسن والحسين أولاً. ثم تعديته إلى تسعة من أحفادهم فقط ثانياً. ويمنع كونه عاماً في جميع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثالثاً.
وذلك كله ممتنع لأن لفظ (أهل البيت) في لغة العرب -التي خاطبهم الله تعالى بها في كتابه- أوسع من ذلك: فهو يتضمن الزوجة أولاً، ثم من يشتمل عليه البيت من الأبناء والبنين والأب والأم وغيرهم ثانياً. ثم يتسع -من بعد- ليعم الأقارب ثالثاً.
أما الزوجة فدلالة اللفظ عليها حقيقية، وكذلك الأولاد ومن في البيت. وأما الأقارب فمجازية. قال الراغب الاصفهاني في مفرداته:
أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد. ثم تجوز به فقيل: أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب.
وقال: وعبر بـ(أهل الرجل) عن امرأته… و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل:
(أهّلك) الله في الجنة: أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً ا.هـ
وقال الرازي في مختار الصحاح: (أهَل) الرجل: تزوج. وبابه دخل وجلس. و(تأهل) مثله أ.هـ
(أهل البيت) في القرآن هم الأزواج لا غير
فأصل معنى اللفظ وحقيقته الزوجة. وليس الأقارب. والقرآن جاء بذلك كما في:
◘ قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأْجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ (القصص/29). ولم يكن معه غير زوجه.
◘ وقول امرأة العزيز لزوجها: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ (يوسف/25) أي بزوجتك.
◘ وقال عن لوط عليه السلام : ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرَأَتَهُ﴾ (الأعراف/83).
◘ وقال يحكي كلام الملائكة خطاباً لزوجة إبراهيم عليه السلام سارة: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ (هود/73).
وفي العموم فإن لفظ أهل البيت يعني سكنة البيت المجتمعين فيه كما أخبر الله تعالى عن يوسف عليه السلام .
فإنه لما قال لإخوته: ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (يوسف/93) بيّن الله تعالى أنهم كانوا أباه وزوجة أبيه وأخوته، وذلك بقوله: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ أن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (يوسف/99-100).
أما لفظ (أهل البيت) -بهذا التركيب:
[(أهل) مضافاً إلى (البيت)]- فلم يرد في القرآن قط إلا في الزوجة فقط. وهو المعنى الحقيقي لـ(أهل البيت): فقد ورد في موضعين من القرآن لا غير أحدهما في زوجة إبراهيم عليه السلام وهو: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ (هود:73) والآخر في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب:33).
وحمل اللفظ على معناه الحقيقي هو الأصل. أما حمله على معناه المجازي دون الحقيقي فلا بدّ له من شرطين:
1) مانع يمنع حمله على معناه الحقيقي.
2) وقرينة أو دليل يصرفه إلى معناه المجازي. وكلا الأمرين مفقود في الآية: إذ لا مانع ولا قرينة إلا الهوى والتحكم المحض!
القرائن المرجحة لمعنى (الزوجة) في الآية
بل القرائن تؤكد المعنى الحقيقي تأكيداً جازماً. ونحن، وإن كنا لا نحتاج لذكر هذه القرائن إذ يكفي أن نحتج بالأصل وهو حمل اللفظ على حقيقته وعدم وجود مانع منه، إلا أننا سنذكر بعض هذه القرائن زيادة في الفائدة لا أكثر:
سياق النص:
إن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب/33) هو جزء من آية لا يمكن بحال تجريدها منه وعزلها عنه وإلا اختل الكلام لفظاً ومعنى. فالآية جاءت في سياق كله حديث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قبل ورود الآية وبعدها.
يبدأ السياق بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ أن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
ويستمر الكلام في خطابه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ أن اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أن اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ (الأحزاب/28-34).
فقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ جزء من آية ورد فيها مورد العلة والسبب الذي من أجله سيقت جميع الأوامر والنواهي المتقدمة. أي افعلن كذا ولا تفعلن كذا.
لماذا كل هذا؟ ولماذا التشديد في العقوبة مع المخالفة ومضاعفة الأجر مع الموافقة؟ والجواب:
لأن الله تعالى يريد لأهل هذا البيت وسكنته أن يكونوا طاهرين من كل ما يسيء إلى سمعته ومكانته بين الناس. لأن هذا البيت هو بيت النبي صلى الله عليه وسلم فكل من انتمى إليه وكان من أهله وجب عليه أن يكون عمله وخلقه يليق وشرف هذا الانتماء، وإلا توجب عليه أن يخرج منه ويقطع علاقته به ثم ليفعل بعدها ما يشاء فإنه لن يحسب عليه، وعندها سيكون ثواب إحسانه وإساءته كغيره من المسلمين. أما إذا أصر على البقاء والانتماء فإن العقوبة -كالأجر-ستكون مضاعفة.
وما ذلك إلا لشرف المكان ورفعة البيت، كما أن الصلاة في (البيت) الحرام أو أي (بيت) من بيوت الله مضاعفة، والمعصية كذلك: فإن الذي يسرق في بيت الله ليس كمن يسرق في الشارع.
وبما أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن أهله وأهل بيته، فقد جعل الله تعالى الثواب والعقاب المتعلق بهن مضاعفاً، ولولا كونهن كذلك لما كان للمضاعفة مناسبة.
أيصح أن يصلي رجل في بيته ثم يريد أن يكون أجره كأجر المصلي في بيت الله؟! أم يصح أن تضاعف عقوبة سارق من محل عام قياساً على عقوبة آخر سرق من بيت الله؟!
[1] هو قوله تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه … الآية﴾ (التوبة/100). والنصوص القرآنية الكثيرة في مدحهم.