آية التطهير وأهل البيت بين الحقيقة والتأويل الباطل

يحاول الشيعة الاثني عشرية الترويج لمفهوم عصمة الأئمة عبر استغلال آية التطهير وما يسمونه (أهل البيت)، مدعين أنها تثبت عصمة علي رضي الله عنه  وأحفاده. إلا أن الدراسة اللغوية والسياقية للآيات تبين باطل هذا الادعاء، فالآية تتعلق بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام بيته فقط، ولا علاقة لها بعصمة غير النبي صلى الله عليه وسلم.

كما أن اعتمادهم على روايات مكذوبة أو موضوعة يجعل منهم فرقة ضالة خارج نطاق الإسلام الصحيح، حيث يسلكون في استدلالاتهم طرق التأويل والتحكم بالرأي بعيداً عن نص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

تكرر ذكر (البيت) في الخطاب السابق ثلاث مرات:

الأولى: في قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾.

والثانية: في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾.

وجاءت المرة الثالثة: في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾. ثم بعد عدة آيات يتكرر ذكر (البيت)، ولكن هذه المرة مضافاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أن يُؤْذَنَ لَكُمْ (53) وفي أخر هذه الآية قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

والبيوت المذكورة في الآية الأخيرة ليست بيوتاً أخرى غير البيوت التي ذكرت في الآيات الأولى، وإنما هي بيوت واحدة محددة تضاف مرة إلى أزواجه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، ومرة تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾.

ولا شك أن هذه البيوت واحدة. فبيوت النبي صلى الله عليه وسلم هي بيوت أزواجه. وبيوت أزواجه بيوته هو بلا فرق. إذ لا يعقل أن تكون لأزواجه بيوت خاصة بهن وللنبي بيوت أخرى غيرها. إذن البيت واحد وهو مشترك بين الجميع الذين هم أهله. فيضاف مرة إليهن، ومرة إليه حسب مقتضى الكلام. فإذا أطلق لفظ (البيت) من دون إضافة فليس هو غير البيت الواحد المشترك بين النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه. والكرامة والتطهير والبركة نزلت على أهل هذا البيت- بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو بيت أزواجه بلا فرق. فإخراجهن من حكم الآية إسفاف وخروج عن العقل والعرف والذوق، ولا مسوغ له إلا التحكم بالكلام بغير ضابط، ولَيُّ أعناق النصوص بالهوى.

ثم أن كل من يملك ذوقاً لغوياً عربياً يدرك بالفطرة أن دخول كلام أجنبي بين ثنايا كلام مسوق لقصد معين ممتنع في كلام العقلاء. فكيف بكلام الله؟!!

وإذن ما علاقة الكلام عن عصمة أشخاص معينين بكلام مسوق لبيان أمور تختص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام تختص ببيته وأهله؟!

أين موضع النص المناسب من القرآن؟

لو افترضنا أن النص (آية التطهير) معناه عصمة (الأئمة). فإن هذا يستلزم أن لا تكون للنص علاقة بما قبله، وما بعده من الكلام. ولا بد أن يكون موضعه في مكان آخر من القرآن!

فأين يمكن أن نضعه؟!

 أن هذا النص هو روح الكلام ذلك كله، وعلته التي ابتني عليها، ومحوره الذي يدور عليه.

والعلاقة بينهما لفظية ومعنوية:

فمن حيث اللفظ فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن أهله. ولو أننا جردنا الآية من هذا الجزء لنقص الكلام واختل نظمه.

وأما من حيث المعنى فإن المقصود: يا نساء النبي أن الله يريد لأهل هذا البيت أن يكونوا بعيدين عن كل ما يسيء إليه. فلا بد من فعل كذا، والابتعاد عن كذا. حتى يتحقق مراد الله، فيكون الثواب مضاعفاً. وإلا فإما أن تخرجن من هذا البيت بالطلاق. وإما أن يكون العقاب مضاعفاً بسبب انتمائكن لهذا البيت. إذن هذا الجزء المتمم للآية هو علة الكلام وروحه ومحوره. فكيف يجرد منه؟!

محور سورة (الأحزاب) هو النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن

إن المتدبر لسورة (الأحزاب) يجدها من البداية وإلى النهاية، موضوعها ومحورها النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه. ففي أول السورة جاء قوله تعالى: ﴿النَّبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (الأحزاب/6). وما قبله تمهيد لا أكثر.

ثم ذكر الله غزوة الأحزاب، وبني قريضة الذين فتح المسلمون أرضهم، وغنموا أموالهم وديارهم. وبسبب تلك الأموال حصل الخلاف في بيت النبي صلى الله عليه وسلم. لأن أزواجه صرن يطالبنه بالنفقة والتوسعة. فكان ذكر الغزوتين تمهيداً لذكر ما حصل في بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وبيان التوجيهات الربانية في شأن ذلك. وفيها جاء ذكر التطهير. ثم ذكر زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها زوجة متبناه زيد عليهم السلام وما يتعلق به. وهو شأن خاص ببيت النبي. وفيه توجيه المؤمنين إلى الانشغال بذكر الله عوضاً عن الخوض بما يثيره الكفار والمنافقون من شبهات حول هذا الزواج. وهذا المعنى يشبه ما بدأت به السورة خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله جل وعلا: ﴿يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين... (1-3). وتفسير له.

ثم قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ… واستمرت الآيات تذكر أحكاما تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم في علاقاته الزوجية البيتية. وفيها مكافأة الله تعالى لأزواجه بعد أن اخترنه على الحياة الدنيا وزينتها بقوله: ﴿لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾. ثم ذكر أدب الدخول إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم. وحرمة أزواجه بحيث لا تكون مخاطبتهن إلا من وراء حجاب. وذكر تحريم الزواج بهن من بعده. وهو عطف على قوله في أول السورة ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾. ثم ذكر جواز تكليمهن مباشرة من قبل محارمهن كالآباء والأبناء…الخ.

ثم عظم من شأن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم في أزواجه. وتوجيهه لهن مع بناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى لا يتعرضن للأذى والأقاويل. ثم تهديد المنافقين والذين في قلوبهم مرض الذين لا ينتهون عن ذلك. ثم توجيه المؤمنين أن لا يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهله، كما آذى بنو إسرائيل موسى عليه السلام في أهله واتهموه بما يسيء إليهم. وأمرٌ لهم بأن يتقوا الله، ويقولوا قولاً سديداً. ويتذكروا عظم الأمانة التي حملهم الله إياها.

 واختتمت السورة بما بدأت به نفسه من ذم المنافقين والكافرين أو المشركين الذين نهى الله تعالى رسوله أن يسمع لهم أو يطيعهم في أهل بيته وما يشيعونه عنهم - وهو شأن الرافضة على مدار التاريخ- وأن يكون سمعه وطاعته لجهة واحدة هي جهة الوحي. فالبداية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أن اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أن اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (1-2). والنهاية: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيما (73). فالسورة كلها -بداية ونهاية- في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه أهل بيته. والأحكام والآداب المتعلقة بذلك البيت. فما علاقة عصمة علي وأهله، أو غيره بهذا الموضوع؟!

سبب نزول الآية:

إن سبب نزول الآيات التي تضمنت هذا المقطع المسمى بـ(آية التطهير) أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. حينما طالبنه بالنفقة بعد غنائم بني قريضة من اليهود الذين قضى عليهم النبي بعد غزوة الأحزاب (الخندق) مباشرةً. ذلك أن يهود بني قريضة هم الذين ألبوا الأحزاب وتحالفوا معهم، فلما باءوا بالفشل وانصرف الأحزاب خائبين التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى حلفائهم من اليهود فأبادهم وغنم أرضهم وديارهم وأموالهم. فتنفس فقراء المسلمين لا سيما المهاجرون فصاروا يوسعون على بيوتهم ونسائهم. فطالبت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالنفقة أسوة ببقية النساء. فنزلت الآيات بهذا الشأن. وقد بدأها الله تعالى بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا (الأحزاب/9).

واستمرت الآيات تذكر أحداث غزوة الأحزاب. ثم عرجت على بني قريضة، وكيف سلط الله عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ أن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً (الأحزاب/26-28).

وكان هذا التخيير، سببه مطالبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالنفقة بسبب الأموال التي غنمها النبي صلى الله عليه وسلم من يهود قريضة.

واستمرت الآيات تعالج هذا الموضوع الذي أثير في بيت النبي صلى الله عليه وسلم. إلى أن قال تعالى: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أن اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيراً (الأحزاب/33-43).

ومن المعلوم في الأصول أن سبب النزول داخل في حكم الآيات النازلة من باب أولى. وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

شمول النص القرآني لأقارب النبي صلى الله عليه وسلم احتمال ضعيف

لكن في الأمر نكتة لطيفة هي: أن العموم هنا مجازي، والسبب حقيقي. فحمل النص على العموم ضعيف. مما يجعله محتملاً لا مقطوعاً به. ومما يزيد هذا الاحتمال ضعفاً أن مجيء اللفظ بصيغة العموم والمقصود به الخصوص يرد كثيراً في لغة العرب. لا سيما مع وجود القرائن المرجحة كما في (آية التطهير). فيصبح شمول النص لعموم أهل البيت ضعيف الاحتمال جداً. وإن لم يكن مرفوضاً تماماً. وهذا غايته أن يكون النص يعم الأقارب مع الأزواج. ولكن على سبيل الاحتمال.

 أي أن شمول النص للأقارب غير قطعي كقطعية شموله للأزواج. أما أن نقصره على الأقارب فقط. ونخرج الأزواج منه فهو الباطل بعينه. وهو قول على الله بلا علم. ولا دليل عليه سوى التحكم اتباعاً للهوى.

فلو كان النص معناه العصمة، لاستلزم ذلك عصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى. وهو باطل. فبطلت دلالته على (العصمة).

مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به خصوص معناه وحتى لا أحرم القارئ غير المتخصص من هضم هذه القاعدة وتقريبها إلى فهمه، أذكر له ما يوضح معناها:

يقول تعالى عن الرياح التي أهلك بها عاداً: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا (الأحقاف/25).

إن لفظ (كل شيء) عام. لكن عمومه غير مراد بدليل أن الله تعالى قال بعدها: ﴿فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾.   فمساكنهم إذن لم تدمر. وهذا يعني أن التدمير خاص بالبشر وما شابه. وليس عاماً، رغم أن اللفظ الوارد عام.

ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/274). أن لفظ (الذين) عام يشمل كل منفق. سواء كان مسلماً أم كافراً. مخلصاً أم مرائياً. لكن هذا العموم غير مقصود قطعاً. وإن كانت صيغة اللفظ عامة. فالآية خاصة بالمسلمين المخلصين.

والأمثلة على هذا لا تحصى.

إن سياق النص، وسبب النزول، مع حقيقة المعنى في الأزواج. ترجح إرادة الخصوص، وأن المقصود بالآية أزواج النبي لا غير. وهذا هو الذي يفسر لماذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم -حسب ما جاء في الرواية- لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم؟ وذلك من أجل أن يشملهم الله تعالى مع أزواجه ببركة الآية. ولو كان النبي يقطع بشمول الآية لهم، لما كان لدعائه معنى. وهذه هي القرينة الثالثة التي تؤكد المعنى الحقيقي لأهل البيت. وهو الأزواج. دون المجازي. وهو الأقارب.