عموم لفظ "أهل البيت" وتفنيد عصمة الأئمة عند الشيعة: حقيقة حديث الكساء وآية التطهير

يحاول بعض أتباع الشيعة الاثني عشرية تبرير عقائدهم حول عصمة الأئمة بالاعتماد على أحاديث موضوعة أو مكذوبة مثل حديث الكساء، مدعين أن الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ تقتصر على أربعة أشخاص فقط. لكن التحليل اللغوي والشرعي والتاريخي يوضح أن لفظ "أهل البيت" أعم وأشمل، يشمل كل أقارب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن، ويستحيل تقييد هذا النص على الحسن والحسين فقط.

هذا المقال يكشف أكاذيب الروايات الشيعية ويبين الفرق بين السنة القرآنية الصحيحة وبين التزوير الشيعي للأحاديث، مؤكداً أن اتباع هذه الروايات يجعلهم فرقة ضالة ابتعدت عن القرآن الكريم وسنة النبي

إن لفظ (أهل البيت) في عمومه اللغوي يشمل أقارب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً. وهؤلاء عند نزول الآية الكريمة -بالإضافة إلى أزواجه رضي الله عنهن- أولهم القاسم وعبد الله وإبراهيم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.

أليس هؤلاء من أهل بيته؟! هل يستطيع أحد أن يخرج واحداً منهم من ذلك البيت الطاهر؟! وهل يمكن القول بأن الله لا يريد تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم؟! هل هؤلاء جميعاً معصومون!

ثم أعمامه حمزة سيد الشهداء وعباس بن عبد المطلب. ثم أبناء عمومته جعفر وعلي وعقيل. وأبناء العباس ومنهم ابنه عبد الله بن عباس. هؤلاء كلهم مشمولون
بلفظ (أهل البيت).

وبهذا فسر الإمامية كلمة (ذي القربى) الواردة في آية الخمس فقالوا: هم بنو عبد المطلب جميعاً الرجال منهم والنساء[1] هل هؤلاء معصومون!

ثم أن أولاد عليهم السلام كثيرون. منهم محمد بن الحنفية وعباس وعمر وزينب وأم كلثوم. فلم الاقتصار على اثنين منهم فقط، هما الحسن والحسين والآية عامة. وحديث الكساء لا يصلح للتخصيص -كما مر بنا-؟ أن الله تعالى قادر –لو أراد الحسن والحسين فقط- أن يستعمل لفظاً آخر يدل عليهما صراحة وتخصيصاً.

ثم أن الحسن أفضل من الحسين بالاتفاق. وهو أكبر منه. بل هو أكبر أولاد أبيه. والنص يشمله. وله أولاد وأحفاد وذرية. فلماذا لم تكن (العصمة) في واحد منهم؟ وما الذي نقلها من ذرية الحسن إلى ذرية الحسين! وما الذي جعل أولاد الحسين (معصومين) بدلالة الآية. ولم يجعل أولاد الحسن كذلك، وهم جميعاً داخلون في حكم الآية بلا فرق؟! بل أن أولاد الحسن ينبغي أن يكونوا أولى بها من أولاد الحسين لأفضلية الحسن!

ثم أن للحسين أولاداً وأحفاداً وذرية. فلم اقتصرت (العصمة) على واحد منهم، ليس هو الأكبر ولا الأوحد. وهم كثر ذكوراً وإناثاً. ثم تسلسلت في الواحد بعد الواحد ثم… انقطعت السلسلة مع أن الكل ينتسبون إلى (أهل البيت)؟!

ما هذا؟! بأي لغة يتحدث القوم؟! ومع أي صنف من الناس؟!

إن هذه الانتقائية التي لا مسوغ لها لغة ولا عرفاً ولا شرعاً بل ولا ذوقاً! أن هي ألا تحكم لا مستند له. وتعسف في التعامل مع النصوص لا ضابط له، ولا قانون!

لمحة تاريخية:

هذه لمحة تاريخية سريعة، عن فترة زمنية قصيرة جداً. محصورة بين (إمامة) جعفر بن محمد، و(إمامة) ابنه موسى بن جعفر. تعبر عن هذا التحكم والتعسف، بل التخبط في الاستدلال، والحيرة في تطبيق النصوص وتطويعها للرغبات. وتفسيرها حسب المشتهى:

كان الإمامية يقولون بـ(إمامة) إسماعيل بن جعفر. فلما مات إسماعيل في حياة أبيه انقسموا فرقاً:

منهم من استمر على القول (بإمامة) إسماعيل وجعلوا (الإمامة) تتسلسل في عقبه وهؤلاء هم الإمامية الإسماعيلية. ولا زال (أئمتهم) إلى اليوم يخلف بعضهم بعضاً! وقد نجح الإسماعيلية في إقامة دولة سميت بدولة (الفاطميين) في المغرب ومصر دامت قروناً وكانوا أكثر الإمامية إلى عهد قريب.

ومنهم من قال بغيبة إسماعيل وعدم موته وأنه المهدي المنتظر!

ومنهم من اتجه بعد موت إسماعيل إلى أخيه الثاني عبد الله الملقب بالأفطح. لكن هذا مات بعد سبعين يوماً من وفاة أبيه جعفر دون أن يعقب ولداً يخلفه.

فمنهم من ادعى أن له ولداً واسمه (محمد)! ثم جعلوه غائباً! وصاروا ينتظرونه.

ومنهم من قال (بإمامة) أخيه الثالث (محمد) الذي خرج عام 200هـ في مكة معلناً نفسه أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين. ونجح في إقامة دولة، لم تستمر طويلاً بعد أن بايعه كثير من الشيعة في زمانه!

إلا أن منهم فريقاً اتجه اتجاهاً آخر ونقل (الإمامة) إلى الابن الأصغر موسى بن جعفر بطريق (البداء) فقالوا (بدا لله في إسماعيل). بعد أن كانوا يقولون بأن جعفر قد أخبر بـ(إمامته)!

ومنهم من نقلها بطريق سلمي قياساً على انتقال (الإمامة) من الحسن إلى الحسين. رغم وجود قاعدة تقول: (لا تكون الإمامة في أخوين بعد الحسين والحسين)!! ورغم أن القياس في العقائد باطل!

نكتفي بهذه اللمحة التي تمثل فترة زمنية قصيرة جداً. لكنها ممتلئة بالاختلافات! لتعرف من خلالها عمق الصراع والاختلاف الحاصل بين فرق الإمامية على مدى مئات السنين!! رغم أن كل واحدة من هذه الفرق -على اختلافها وتضادها- تحتج لنفسها بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراًً دليلاً على (عصمة) و(إمامة) من تقول بـ(إمامتهم) من (الأئمة)!!

 التطهير وإذهاب الرجس بين أهل بدر وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ورد هذا اللفظ: (التطهير وإذهاب الرجس) في القرآن مرتين:

مرة في أهل بدر. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأْقْدَامَ (الأنفال/11).

ومرة في (أهل بيت) النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب/33).

وكلاهما نزل بسبب مشكلة مادية، عقب معركة عسكرية. تكون فيها غنائم وأموال.

أما أهل بدر فاختلفوا فيما بينهم، وتنازعوا على قسمة غنائم المعركة. فأنزل الله تعالى قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأْنْفَالِ قُلْ الأْنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (الأنفال/1). ينهاهم عن التفرق. ويأمرهم بإصلاح ذات بينهم. مذكراً إياهم بأنه تعالى قد أعدهم لأمر أعظم، ومهمة أسمى. تتطلب منهم أن يحتقروا الدنيا، ويكونوا هم المنفقين لا الآخذين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ…الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا…إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ (الأنفال/2-11).

وأما أهل النبي صلى الله عليه وسلم فقد طالبنه بالنفقة. وذلك بعد غزوة بني قريضة التي وقعت بعد غزوة الأحزاب مباشرة. وقد غنم المسلمون فيها أموال يهود وأرضهم وديارهم. كما قال سبحانه: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (الأحزاب/27).

فصارت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يطالبنه بحقهن من النفقة. فأنزل تعالى قوله بعد الآية السابقة مباشرة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ أن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاًً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا… يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ أن اتَّقَيْتُنَّ…وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب/28-33). فمن كانت هذا شأنها ومنزلتها عند الله لا ينبغي لها أن تنشغل بما تنشغل به النساء العاديات من الاهتمامات الدنيوية الزائلة. إنما عليها أن تذكر وتتلو ما أنزل الله في بيتها من الآيات والحكمة: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أن اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيراً (الأحزاب/34).

فأي منزلة أسمى؟ وأي درجة أعلى من منزلة ودرجة امرأة تتنزل الآيات في بيتها، وتتفجر الحكمة من جنباته وأركانه؟!! انه بيت يريد الله ليذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا. فكنَّ –يا نساء النبي- أهلاً لهذه المنزلة. والرقي إلى تلك الدرجة. وهذا لا بد فيه من التعالي على الدنيا وزخارفها ومتعها الزائلة.

وأنتم يا أهل بدر! أن الله يعدكم لأمر عظيم، ودور في الحياة والتاريخ كبير. ويريد أن يطهركم من كل ما يتعارض وهذه الغاية السامية.. ولا ينبغي لمن كان في عين الله بهذه المنزلة، أن تكون خصومته على الدنيا ومتاعها وزخارفها الزائلة. فعليكم أن ترتفعوا وتسموا عليها جميعا.

وتكاد أن تكون ألفاظ الآيات النازلة في كلا الفريقين واحدة. ففي كل منهما أمر بالتقوى وطاعة الله ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. ثم ذكر إرادة الله إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم!

وهذا مما يبين أن لا علاقة بين (العصمة)، وموضوع الآية وأسبابها ومقاصدها.

 

[1] انظر مثلا أصول الكافي للكليني 1/540.