وقـفة مع الآيات المتشابهات

يحاول بعض أتباع الشيعة الاثني عشرية استخدام الآيات المتشابهات في القرآن لتثبيت عقيدة الإمامة التي يزعمون أنها هبة إلهية لا يشارك فيها البشر، مثلما يزعمون بإمامة علي وبقية الأئمة. لكن هذا الاستدلال لا يقوم على نصوص صريحة أو محكمة، بل على افتراضات وظنية وسلسلة من التفسيرات المبنية على خيالهم. هذا المقال يوضح الحقائق حول إساءة استخدام الإمامية للآيات القرآنية، ويكشف كيف أنهم فرقة ضالة تعتمد على أوهام لا دليل لها في تثبيت أصولها الاعتقادية.

الآية الأولى:

﴿وَإِذْ ابْتَلَى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة/124)

يدعي الإمامية أن (الإمامة) هبة إلهية -كالنبوة- مقدرة (بجعل) من الرب لا بسعي من العبد.

وعلى هذا فإن اختيار الإمام (أو الخليفة) ليس من حق الأمة. إنما هو من شأن الله وحده فهو الذي يعين الإمام ويسميه و(يجعله). هذا بالنسبة لمبدأ (الإمامة) عموماً.

وأما الاستدلال بالآية على (إمامة) علي وبقية (الأئمة) فقائم على أن العهد الذي هو (الإمامة) لا ينال ولا يجعل للظالمين.

والظالم كل من كان مشركاً، أو اقترف ذنباً برهة من حياته وإن تاب وأصلح!

أي أن غير (المعصوم) لا يكون (إماماً). وبما أن علياً هو هذا المعصوم دون غيره من الصحابة، إذن هو (الإمام). فبطلت (إمامة) غيره من الخلفاء الذين سبقوه أو لحقوه.

ومما قالته الإمامية في الآية أن (الإمامة) أعظم من النبوة! وهي آخر منزلة نالها إبراهيم عليه السلام .

يروي الكليني عن جعفر بن محمد أنه قال: أن الله عز وجل اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وأن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وان الله اتخذه خيلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قال (ع): فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال: لا يكون السفيه إمام التقي[1].

يقول (آية الله العظمى) كاظم الحائري:

أن الذي يبدو من الروايات أن مقام الإمامة فوق المقامات الأخرى -ما عدا مقام الربوبية قطعاً- التي يمكن أن يصل إليها الإنسان!

ويقول: فمقام الإمامة فوق مقام النبوة[2].

ويقول (آية الله العظمى) ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل): يتبين من الآية أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم بعد كل هذه الاختبارات تفوق منزلة النبوة والرسالة …. فمنزلة الإمامة أسمى مما ذكر بل أسمى من النبوة والرسالة!

هذا ملخص ما قيل في الاستدلال بالآية الكريمة على (الإمامة).

الآية متشابهة وليست محكمة في موضوع (الإمامة)

وجوابنا على كل ما قيل -ويقال- كلمة واحدة فقط هي:

إن الآية ليست نصاً فيما ذهبوا إليه وإنما غايتها أن تكون متشابهة تحتمل هذا وتحتمل غيره. وما كان كذلك فليس بدليل معتبر في الأصول التي شرطها أن يكون دليلها نصاً قرآنياً محكماً صريحاً.

بل يمكن القول ببساطة: أن هذه الأقوال ما هي إلا أوهام وافتراضات وخواطر لولا الاضطرار الذي يفرضه العلم اليقيني بعدم وجود آية قرآنية صريحة لما لجأ إليها عاقل!

والآية في أحسن أحوالها لا تدل على ما قيل إلا على سبيل الاحتمال البعيد، أي الظن المرجوح جداً!

فلو كانت (الإمامة) فرعاً من الفروع الفقهية لما صح الاستدلال بمثل هذه الآية عليها، فكيف وقد جعلت أصلاً من الأصول الاعتقادية لا يضاهيه إلا مقام الربوبية!!

ومجمل القول أن الآية الكريمة ليست نصاً صريحاً في (إمامة) علي، ولا أحد غيره. إنما هي حديث عن إمامة إبراهيم عليه السلام . وموضوعنا (إمامة) علي لا إمامة إبراهيم. وهو لا ذكر له، ولا أثر في الآية!

وبما أن الآية ليست نصاً صريحاً في (إمامة) علي فهي ليست دليلاً أو نصاً في (إمامته).

إن ما قالوه ضرب من الاستنباط البعيد المبني على سلسلة من الافتراضات والمقدمات، كل واحدة منها بحاجة إلى برهان قطعي. وهو مفقود.

وبما أن أصول الدين مبناها على النص القرآني الصريح وليس الاستنباط، وبما أن الآية ليست نصاً صريحاً في ذلك فهي ليست دليلاً صالحاً للاحتجاج على المطلوب. وهو المطلوب.

زيادة واستطراد:

أما إذا أردنا الاستطراد من أجل أن لا نحرم القارئ من فوائد وأسرار وحكم والتفاتات قيمة[3] من باب: ﴿ولكن ليطمئن قلبي.

 فنقول: إن الاحتجاج بالآية على (الإمامة) عموماً، و(إمامة) علي خصوصاً مبني على ثلاث مقدمات تحتاج إلى إثبات:

الأولى: أن الإمامة المذكورة جاءت بالمعنى الاصطلاحي عند الإمامية، وليس اللغوي. أي أنها منصب آخر غير منصب النبوة، وليست وصفاً لازماً لها.

والثانية: أن (الجعل) في قوله تعالى: ﴿إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قدري تكويني، لا شرعي سببي حتى تكون (الإمامة) –كالنبوة- هبة من الله لا سعياً من العبد.

والثالثة: أن الآية تتحدث عن شرط (العصمة) بالنسبة لـ(الإمام). وهذا مبني على تفسير الظالم بأنه مطلق من ارتكب ذنباً وإن تاب منه وأصلح.

وهذا كله لا ينفع إلا بعد إثبات أن علياً (معصوم) مع أحد عشر آخرين.

إن هذه المقدمات ما هي إلا قضايا ظنية وشبهات افتراضية، فهي لا تصلح دليلاً على أي مسألة اعتقادية. وإليك الدليل على ظنيتها وبعدها الشاسع عن اليقين.

 

 

[1] أصول الكافي/ 1/175. ويقول محمد حسين الطباطبائي في (الميزان): وروي هذا المعنى أيضاً عنه بطريق آخر. وعن الباقر (ع) بطريق آخر. ورواه المفيد عن الصادق (ع).

[2] الإمامة وقيادة المجتمع /ص 26، 29.

[3] الحقيقة أن كثرة الثغرات المتوافرة في احتجاج الإمامية بهذه الآية الكريمة، والتهافت البيِّن فيما خاضوا فيه بشأنها هو الذي أغراني وأغراني جداً إلى حد المتعة- بإطالة الحديث معهم عنها.