الشيعة والأحاديث الباطلة: دراسة نقدية لمسألة الإمامة وإبطال الاستدلال بالآيات

الشيعة، الذين يضعون أحاديث باطلة أو مختلقة لتحقيق أغراض سياسية ودينية، يمثلون فرقة ضالة ابتعدت عن المنهج الإسلامي الصحيح. واحدة من أكبر الشبهات التي يروجون لها هي تفسير آية الإمامة في القرآن على أنها منصب مستقل عن النبوة، ومحاولة إسقاط إمامة الخلفاء والرسول صلى الله عليه وسلم من خلالها. هذه المقالة تسلط الضوء على التحليل اللغوي والشرعي لمفهوم الإمامة في القرآن، موضحة كيف أن معظم الادعاءات الشيعية مبنية على الظن والاحتمال، وليس على نصوص قطعية واضحة. سنستعرض بالتفصيل كيف أن لفظ (الإمام) في القرآن يحمل المعنى اللغوي للقدوة والاقتداء، وليس منصبًا مستقلًا، وكيف أن احتساب الآية لتعيين الإمامة الاصطلاحية للأئمة المعصومين يتناقض مع نصوص القرآن ومبادئ الشرع.

وهذا جنحوا إليه من أجل إبطال إمامة الصديق وصحة خلافته -بل الخلافة الإسلامية على مر التاريخ!- على اعتبار أنها تمت باختيار من الناس لا بنص وتعيين أو (جعل) من الله. فهو من جنس (قواعد تحت الطلب).

وأقل ما في هذا أنه ظن لا يقين فيه: لأن اللفظ -من حيث الأصل اللغوي- محتمل لهذا وهذا دون إمكانية القطع بقدريته ونفي سببيته.

والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. وكفى الله المؤمنين القتال.

أرجو من القارئ أن يحسِب -قبل الاسترسال في القراءة - كم احتمالاً تطرق إلى الاستدلال بهذه الآية على (الإمامة)؟ ونحن لمّا نزل في أول الطريق!!

وأن لا ينسى أننا لسنا بحاجة إلى كل هذا بعد أن أسقطنا الموضوع برمته بضربة واحدة!! ألا وهي عدم صراحة النص.

والآن لنا أن نسأل:

 ما الدليل القطعي على أن (الجعل) في الآية قدري تكويني لا شرعي سببي؟

 واللفظ في أصله- يحتمل الأمرين:

إن كل حركة في الكون إنما هي بقدر من الرب. لكن بعضها قدري محض لا دخل للأسباب البشرية في حدوثها: كلون البشرة وصورة الوجه ودوران الأرض وإشراقة الشمس. وبعضها يتوقف على هذه الأسباب.

الذرية -مثلاً- تكون بقدر من الله، لكن لا بد من الزواج كسبب لولادتهم ووجودهم.

 وكذلك الزرع والرزق والذهاب والمجيء: كلها بقدر و(جعل) من الله، لكنها -من الناحية الأخرى- لها أسباب تتوقف عليها حتى الصلاة والصيام وبقية الأعمال فهي
-وإن كانت بسبب أو سعي من العبد لكنها- متوقفة على تقدير الرب.

والعكس صحيح. ومن هذا قول نبي الله إبراهيم عليه السلام : ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (إبراهيم/40) فـ(الجعل) هنا ليس مستقلاً عن الأسباب. وهو كقوله أيضاً: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (البقرة/128).

هذا هو الجعل الشرعي السببي.

فحينما نقول: أن (الجعل) سببي لا نقصد استقلاله عن القدر، وإنما نقصد اشتراكهما فيه معاً لإيجاد ما بني عليه.

أما إذا قلنا: أن (الجعل) قدري فنقصد به استقلاله عن السبب البشري، وهذا واقع لا محالة بخلاف (الجعل) السببي الذي قد يقع وقد لا يقع.

والملاحظ:

 أن إبراهيم عليه السلام سأل عدة أشياء له ولذريته، واللفظ واحد في جميع هذه الأسئلة وهي:

﴿قَالَ إِنِّي جَاعلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (البقرة/124).

﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (البقرة/128).

﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (إبراهيم/40).

وقد اشتركت الأسئلة الثلاثة (الإمامة والإسلام والصلاة) بلفظ (جعل). ولفظ (ومن ذريتي). مما يشير إلى أن (الجعل) فيها واحد. وأن الإمامة هي من جنس بقية الأسئلة. لا علاقة لها بعصمة أحد أو تعيينه من الله.

والآن اقرأ هذه الآيات:

﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (النحل/72).

﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنعَامِ بُيُوتًا (النحل/80).

فلولا سعي العبد في الزواج وبقية الأسباب لما جعل الله له بنين أو حفدة.

وكذلك لولا عمل العبد من ذبح الأنعام وسلخ جلودها ودباغتها وخياطتها وتهيئتها لما جعل الله له من جلود الأنعام بيوتاً.

﴿وَجَعَلَ لَكمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ (النحل/81)

وهي الثياب التي ينسجها الإنسان والدروع التي يصنعها.

﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (الفتح/72).

ولولا إعداد العدة وتجهيز الجيش لما حصل الفتح الذي (جعله) الله.

﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً (المائدة/13).

فنقض الميثاق كان السبب في (جعل) قلوبهم قاسية.

﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (الكهف/32) وكل ذلك بأسباب.

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق/2، 3) فالتقوى هي السبب في (جعل) المخرج من كل ضيق.

﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (الشعراء/85) والجنة لا تنال إلا بعمل العبد.

فكل (جعل) هنا متوقف على سبب.

وكذلك (الجعل) في قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً. والدليل -كذلك- قولهم: إنه حصل بعد الابتلاءات واجتياز الامتحانات. إذن هو متوقف على هذه الأسباب، ولولاها لما حصل أثره وهو الإمامة. وهو يشبه تماماً دعاء المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (الفرقان:74).

ما علاقة ذلك بالتعيين الإلهي؟!

ومما يبطل الاحتجاج بالآية تماماً: أن (الإمامة) التي أثبتها الإمامية لـ(الأئمة) قدرية كائنة مع الإمام منذ وجوده. وإمامة إبراهيم عليه السلام -والقول لا زال للإمامية –حادثة بعد أن لم تكن. فهي ليست قدرية تكوينية. فإما أن تكون (الإمامة) حادثة كإمامة إبراهيم فهي ليست (الإمامة) التي أثبتوها لـ(الأئمة)، وأما أن تكون غيرها فلا وجه للاحتجاج لها بإمامة إبراهيم.

والنتيجة أن أعلى ما يطمع فيه المحتج بالآية أن اللفظ يحتمل الأمرين. فعاد الأمر إلى الظن والاحتمال. فبطل الاستدلال.