إن بعض فرق الشيعة تحاول نشر أحاديث باطلة وغير صحيحة عن حياة النبي ﷺ قبل البعثة، لتحقيق أهدافهم الفكرية والدينية، مستغلين جهل الناس وعدم التحقق من صحة النصوص. وهذه الفرقة الضالة لا تمثل الإسلام الحقيقي، بل تسعى لتشويه صورة النبي ﷺ وتشويش فهم السنة الصحيحة. وفي هذا المقال، نسلط الضوء على حال النبي ﷺ قبل بعثته، مبينين الحقيقة من خلال المصادر الموثوقة مثل صحيح البخاري، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب الإمام الذهبي، لبيان كمال النبي ﷺ وصحة سيرته قبل الوحي.

حال النبي صلى الله عليه واله وسلم قبل البعثة

قال الإمام البخاري:

" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ..." اهـ.

صحيح البخاري - كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ج 1 ص 7

قال الحافظ ابن حجر:

" قَوْلُهُ فَيَتَحَنَّثُ هِيَ بِمَعْنَى يَتَحَنَّفُ أَيْ يَتَّبِعُ الحنيفية وَهِيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ وَالْفَاءُ تُبْدَلُ ثَاءً فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ يَتَحَنَّفُ بِالْفَاءِ " اهـ.

فتح الباري – احمد بن علي بن حجر - ج 1 ص 23

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية:

" وَإِذَا كَانَ غَارُ حِرَاءَ الَّذِي كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَصْعَدُونَ إلَيْهِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهِ وَيُقَالُ: إنَّ عَبْدَ الْمُطَلِّبِ سَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ يَتَحَنَّثُ فِيهِ وَفِيهِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَوَّلًا؛ لَكِنْ مِنْ حِينِ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ مَا صَعِدَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَرِبَهُ؛ لَا هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ وَقَدْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَزُرْهُ وَلَمْ يَصْعَدْ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ بِمَكَّةَ " اهـ

مجموع الفتاوى – احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 27 ص 251

وقال: "بَلْ قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ يَحُجُّ وَيَتَصَدَّقُ وَيَحْمِلُ الْكُلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا " اهـ

مجموع الفتاوى – احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 27 ص 501

وقد ذكر شيخ الاسلام ان بعض العرب كان مؤمنا بالله تعالى قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، حيث قال عن زيد بن عمرو بن نفيل: "ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل الإسلام فقال رسول الله إنه يبعث أمة وحده " اهـ

الجواب الصحيح - احمد بن عبد الحليم بن تيمية ج 5 ص 169

وقال الإمام الذهبي:

" وَمَا زَالَ المُصْطَفَى مَحْفُوظاً مَحْرُوْساً قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَلَوِ احْتُمِلَ جَوَازُ ذَلِكَ، فَبِالضَّرُوْرَةِ نَدْرِي أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ ذَبَائِحِ قُرَيْشٍ قَبْلَ الوَحْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا تُوْصَفُ ذَبَائِحُهُمْ بِالتَّحْرِيْمِ بَعْدَ نُزُوْلِ الآيَةِ، كَمَا أَنَّ الخَمْرَةَ كَانَتْ عَلَى الإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ نَزَلَ تَحْرِيْمُهَا بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ يَوْمِ أُحُدٍ.

وَالَّذِي لاَ رَيْبَ فِيْهِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُوْماً قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ التَّشْرِيْعِ مِنَ الزِّنَى قَطْعاً، وَمِنَ الخِيَانَةِ، وَالغَدْرِ، وَالكَذِبِ، وَالسُّكْرِ، وَالسُّجُوْدِ لِوَثَنٍ، وَالاسْتِقْسَامِ بِالأَزْلاَمِ، وَمِنَ الرَّذَائِلِ، وَالسَّفَهِ، وَبَذَاءِ اللِّسَانِ، وَكَشْفِ العَوْرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَطُوْفُ عُرْيَاناً، وَلاَ كَانَ يَقِفُ يَوْمَ عَرَفَةَ مَعَ قَوْمِهِ بِمُزْدَلِفَةَ، بَلْ كَانَ يَقِفُ بِعَرَفَةَ.

وَبِكُلِّ حَالٍ، لَوْ بَدَا مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَمَا كَانَ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ، لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْرِفُ، وَلَكِنَّ رُتْبَةَ الكَمَالِ تَأْبَى وُقُوْعَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً – " اهـ

سير أعلام النبلاء – محمد بن احمد بن عثمان الذهبي - ج 1 ص 130 – 131