يقول الأستاذ أحمد الكاتب:

 لقد كانت نظرية -التقية والانتظار- تقول: إن الخمس من حق الإمام المعصوم، وإنه في عصر غيبة الإمام المهدي مباح للشيعة. وقد تم الانسحاب من هذه النظرية في هذا المجال في وقت مبكر، ولكن خطوة... خطوة...

1- الخطوة الأولى: وكانت الخطوة الأولى هي القول بوجوب الخمس في عصر الغيبة مع القول بدفنه أو الاحتفاظ به حتى ظهور المهدي أو الإيصاء به بعد الموت من واحد إلى واحد حتى يوم الظهور. تطور الفكر السياسي الشيعي

يلاحظ أن الجديد في الأمر هو انتقال حكم الخمس من الإباحة إلى الوجوب دون القول بصرفه إلى أحد لا فقيه ولا غيره، وإنما يعزل حق الإمام الغائب ليدفن أو يوصى به... وهذا لم يكن معروفاً من قبل.

2- وكانت الخطوة الثانية: إيداعه عند أمين من إخوانه المؤمنين دون اشتراط كونه فقيهاً.

3- والخطوة الثالثة: إيداعه عند أمين من فقهاء المذهب على سبيل الاستحباب والأولى.

وينبغي أن يلاحظ هنا أن القضية قضية إيداع لا أكثر. أي: أن الفقيه لا يحق له التصرف فيه، وإنما يحتفظ به إلى حين ظهور الإمام ما عدا نصيب  الأصناف الثلاثة، فإنه يتولى عملية قسمته فيهم لا أكثر، لاسيما إذا كان المالك لا يحسن القسمة.

4- الخطوة الرابعة: فبعد أن كان إيداعه عند الفقيه على سبيل الاستحباب جاءت الخطوة الرابعة لتنقله إلى الوجوب.

يقول أحمد الكاتب: وكان القاضي ابن براج -المتوفى في منتصف القرن الخامس- أول من أشار إلى ضرورة إيداع سهم الإمام عند من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، وإيصائه بدفع ذلك إلى الإمام عليه السلام إن أدرك ظهوره وإن لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك. المهذب (1/180).

وكان العلماء السابقون يوصون بإيداعه عند أمين، ولكنه ابن براج أضاف -من فقهاء المذهب- دون أن يشير إلى مستنده في ذلك، وقد جاء العلماء المتأخرون عنه فطوروا هذه المسألة شيئاً فشيئاً. // تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:352)

ولنا أن نسأل هنا: هل رأى أحد بعد أن تغير الزمان واختلفت الفتوى- أموالاً مكدسة عند الفقهاء أو غيرهم كانت قد تراكمت نتيجة العمل بالفتاوى القائلة بإيداعها عند أمين من فقهاء المذهب أو بقية المؤمنين؟! فأين مصير تلك الأموال التي أودعت عند أولئك الأمناء؟!!

5- الخطوة الخامسة: جواز أو وجوب إعطاء الخمس إلى الفقهاء لكي يقسموه أيضاً. يقول أحمد الكاتب: وربما كان أول من مال إلى جواز أو  وجوب إعطاء الخمس إلى الفقهاء لكي يقسموه هو: ابن حمزة في القرن السادس في الوسيلة إلى نيل الفضيلة // (ص:682)، واعتبر ذلك أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه خاصة إذا لم يكن يحسن القسمة. // تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:352). 

ويقول أحمد الكاتب: ولم يترسخ هذا القول بقوة في أوساط الشيعة حتى إن عالماً كبيراً هو الشهيد الأول (الذي جاء بعد ذلك بقرنين) تردد فقال بالتخيير بين القولين القديم: الدفن والإيصاء، والجديد: الصرف...

وكذلك فعل المحقق الكركي الذي استقدمته الدولة الصفوية التي قامت في بلاد فارس في القرن العاشر الهجري، وظل على الرأي القديم الذي يقول بالتخيير بين صرف سهم الإمام المهدي أو حفظه إلى حين ظهوره. // تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:353). 

وظلت هذه الفتوى تتردد في أوساط الفقهاء عدة قرون وظلت أقوالهم مضطربة ومتخالفة إلى اليوم، حتى إن السيد محسن الحكيم -المتوفى في أواخر القرن الرابع عشر الهجري- استشكل التصرف في سهم الإمام زمن الغيبة ثم استثنى بعد ذلك ما إذا أحرز رضاه عليه السلام -أي: الإمام الغائب- بصرفه في بعض الجهات التي يعلم رضاه بصرفه (فيها)... ولم يشترط مراجعة الحاكم الشرعي -أي: الفقيه-. // مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم (9/584).

أي: إنه لم يوجب على المقلد إذا أحرز رضا الإمام إعطاء خمسه إلى الفقيه، بل يستطيع أن يتولاه بنفسه.