مسألة حدود العورة من المسائل التي اعتنى بها العلماء قديماً وحديثاً، لما لها من أثر مباشر في صحة الصلاة وأحكام النظر والستر. وقد اختلفت المذاهب الفقهية في تحديد ما يجب ستره من بدن الرجل، فذهب الجمهور إلى أن العورة ما بين السرة والركبة، بينما خالف في ذلك بعض الأئمة كابن حزم الذي حصرها في القبل والدبر فقط. وفي المقابل نجد الروايات الشيعية التي توسعت في هذا الانحراف حتى زعمت أن ستر الذكر والبيضتين يكفي عن ستر باقي البدن، مما يخالف النصوص الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ. وتبرز أهمية هذا البحث في بيان الموقف الصحيح المبني على الدليل، وكشف التلبيس الذي وقع فيه بعض الفرق.
وأما حديث أنس:
«ثم حسر الإزار عن فخذه» فقد قال فيه الحافظ ابن حجر: «وقد اختلف في ضبط الإزار هل هو بالرفع أو بالنصب؟ والمشهور الثاني ورجح الإسماعيلي الأول»
[كتاب موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر 2/120].
ـ وانحسار الإزار عنه r ليس حجة على جواز كشف الفخذ كما أن انكشاف عورة موسى عليه الصلاة يوم أن كان يغتسل ليست حجة على جواز كشف العورة.
مقالات السقيفة ذات صلة:
قول علي رضي الله عنه في اهل الجمل وصفين
خلاف علي وأهل الشام وتبرأ علي من قتل عثمان
شبهة أن ابن الزبير يتكلم مئة لغة
ومن هذا الباب ما نقل عن مالك:
«من صلى وفخذه مكشوفة فلا إعادة عليه».
ويفهم منه المسامحة فيمن حصل له الانكشاف أثناء الصلاة. وليس جواز كشف الفخذين أثناء الصلاة عمدا.
وأما قول ابن حزم:
"مسألة والعورة المفترض سترها على الناظر وفى الصلاة: من الرجل: الذكر وحلقة الدبر فقط".
فهو متعلق فيما يحل النظر إلى ما ينكشف من عورة المصلي وهو في حال الصلاة وهو مكشوف العورة مضطرا الى ذلك بدليل قوله في الصفحة التي سبقتها:
من أبدى فرجه لغير من أبيح له فقد عصى الله تعالى، وقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف – 31 ].
فاتفق على أنه ستر العورة.
وانما هذا للعامد، وأما من لا يجد ثوبا أبيح له الصلاة به أو أكره أو نسى: فصلاته تامة، لقول الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة – 286] وقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [لأحزاب –5] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) إلا أن القول في إلغاء ما عمل من فرائض صلاته مكشوف العورة ناسيا والمجئ بها كما أمر والبناء على ما صلى مغطى العورة والسجود للسهو وجواز الصلاة بما صلى كذلك في حال من صلاته لو أسقطها تمت صلاته وسجود السهو لذلك: كما قلنا في الصلاة غير مجتنب لما افترض علينا اجتنابه، سواء سواء ولا فرق، لما ذكرنا هنالك.
ثم قال ابن حزم:
فلو ابتدأ التكبير مكشوف العورة أو غير مجتنب لما افترض عليه اجتنابه عامدا أو ناسيا أو جاهلا فلا صلاة له، لأنه لم يدخل في الصلاة كما أمر، ولا صح له منها شيء يبني عليه، ولا يجوز في الصلاة تقديم مؤخر قبل ما هو في الرتبة قبله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
عرض المسائل.
ثم قال ابن حزم:
فلو ابتدأ التكبير مكشوف العورة أو غير مجتنب لما افترض عليه اجتنابه عامدا أو ناسيا أو جاهلا فلا صلاة له، لأنه لم يدخل في الصلاة كما أمر، ولا صح له منها شيء يبني عليه، ولا يجوز في الصلاة تقديم مؤخر قبل ما هو في الرتبة قبله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
والحجة قول رسول الله أولا وآخرا.
وهو الذي قال: "غط فخذيك فإن الفخذ عورة "
قال النووي:
"في مذاهب العلماء في العورة قد ذكرنا ان المشهور من مذهبنا أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته وكذلك الامة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك وطائفة وهي رواية عن احمد. وقال أبو حنيفة عورة الرجل من ركبته الي سرته وليست السرة عورة وبه قال عطاء وقال داود ومحمد بن جرير وحكاه في التتمة عن عطاء عورته الفرجان فقط"
(المجموع3/170).
قلت: الرواية عن عطاء قد تعارضت فلا تقوم به حجة لمدلس كالرافضة.
وكذا ما ينقلون عن المرداوي في الإنصاف (1/449) أن مذهب أحمد أن العورة هما الفرجان فقط.
وهذا تلبيس ماكر حيث تجاهل قول المرداوي:
«الصحيح من المذهب أن العورة هي ما بين السرة والركبة. وعليه جماهير الأصحاب»
[الإنصاف للمرداوي 1/449].
قال النووي:
"في مذاهب العلماء في العورة قد ذكرنا ان المشهور من مذهبنا أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته وكذلك الامة وعورة الحرة جميع بدنها الا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك وطائفة وهي رواية عن احمد. وقال أبو حنيفة عورة الرجل من ركبته الي سرته وليست السرة عورة وبه قال عطاء وقال داود ومحمد بن جرير وحكاه في التتمة عن عطاء عورته الفرجان فقط"
(المجموع3/170).
قلت: الرواية عن عطاء قد تعارضت فلا تقوم به حجة لمدلس كالرافضة.
وكذا ما ينقلون عن المرداوي في الإنصاف (1/449) أن مذهب أحمد أن العورة هما الفرجان فقط. وهذا تلبيس ماكر حيث تجاهل قول المرداوي: «الصحيح من المذهب أن العورة هي ما بين السرة والركبة. وعليه جماهير الأصحاب»
[الإنصاف للمرداوي 1/449].
فقد قال الرافضة بلا حياء «إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة»
(الكافي6/501 تهذيب الأحكام1/374).
والدبر:
نفس المخرج، وليست الأليتان، ولا الفخذ منها، لقول الصادق عليه السلام: «الفخذ ليس من العورة» وروى الصدوق أن الباقر عليه السلام كان يطلي عورته ويلف الازار على الإحليل فيطلي غيره سائر بدنه»
(جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94 المعتبر للحلي 1/122 منتهى الطلب 1/39 للحلي تحرير الأحكام 1/202 للحلي مدارك الأحكام 3/191 للسيد محمد العاملي ذخيرة المعاد للمحقق السبزواري الحدائق الناضرة2/5).
وعن أبي الحسن الماضي قال:
العورة عورتان: القبل والدبر. الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والأليتين فقد سترت العورة. ولأن ما عداهما ليس محل الحدث. فلا يكون عورة كالساق»
(الكافي 6/501 تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365 منتهى الطلب 4/269 الخلاف للطوسي1/396 المعتبر للحلي 1/122).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«الفخذ ليست من العورة»
(تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365).
«والدبر نفس المخرج وليست الأليتان ولا الفخذ منها»
(جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94).
ولهذا كان الباقر يطلي عانته ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمام فيطلي سائر بدنه»
(الفقيه 1/117 وسائل الشيعة1/378 كتاب الطهارة للخوئي3/356 كتاب الطهارة1/422 للأنصاري).
ويروى الكليني في الكافي:
أنه «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَاعِدٌ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي فَجَرْتُ فَطَهِّرْنِي قَالَ وجَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو فِي أَثَرِهَا وأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْباً فَقَالَ مَا هِيَ مِنْكَ فَقَالَ صَاحِبَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَوْتُ بِجَارِيَتِي فَصَنَعَتْ مَا تَرَى فَقَالَ ضُمَّهَا إِلَيْكَ».