تتداول الفرقة الشيعية الإمامية الاثنا عشرية عددًا ضخمًا من الروايات الموضوعة والمخترعة التي لا أصل لها في الإسلام، تصنعها لخدمة عقيدة الإمامة التي لم يأتِ بها قرآن ولا سنة. ومع غياب أي دليل صريح على إمامة علي رضي الله عنه، يلجأ الشيعة إلى تحريف المعاني، وتزوير الأحاديث، واختلاق القصص التي تهدف إلى إلصاق مفهوم “الولاية” به زورًا.
ومن أشهر هذه الادعاءات: زعمهم أن آية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾ نزلت في علي بسبب تصدّقه بخاتمه وهو راكع. وفي هذا المقال نكشف ضعف هذه الروايات، وتناقضها، وبيان معناها الصحيح موافقًا للقرآن والسنة، بعيدًا عن التحريف الطائفي.
نزلت ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾ في علي.
تمام الرواية:
«عن النضر بن إسماعيل البجلي حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد بن سلام الرازي بأصبهان قال ثنا يحيى بن الضريس قال ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال ثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون﴾ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم فصلى فإذا سائل قال يا سائل أعطاك أحد شيئا فقال لا إلا هذا الراكع لعلي أعطاني خاتما»
هذه الرواية منكرة كما أوضح الشيخ الألباني رحمه الله (سلسلة الضعيفة4921). فقد قال: «منكر.
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث.. نفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي. قلت: وهو متهم، قال في الميزان «قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة.. وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير وعامة ما يرويه لا يتابع عليه».
أضاف:
«ومما سبق تعلم أن قول الألوسي في روح المعاني «إسناده متصل» مما لا طائل تحته..
واعلم أنه لا يتقوى الحديث بطرق أخرى ساقها السيوطي في (الدر المنثور2/293) لشدة ضعف أكثرها، وسائرها مراسيل ومعاضيل لا يحتج بها. منها:
ما أخرجه الواحدي في (أسباب النزول ص148) من طريق محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس به... وفيه قصة عبد الله بن سلام.
قلت: محمد بن مروان هو السدي الأصغر وهو متهم بالكذب. ومثله محمد بن السائب وهو الكلبي.. وهو متروك. ومثله حديث عمار بن ياسر، أورده الهيثمي في (المجمع7/17). وقال «رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم».
وأشار الحافظ ابن كثير إلى ذلك فقال بعد حديث الكلبي «وليس يصح شيء منها لضعف أسانيدها وجهالة رجالها» (تفسير ابن كثير2/72).
معنى الآية وسبب نزولها:
قال أبو حيان عقب الآية: «هذه أوصاف ميز (الله) بها المؤمن الخالص من المنافق، لأن المنافق لا يداوم على الصلاة ولا على الزكاة، قال تعالى ﴿وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى﴾ وقال تعالى ﴿أشحة على الخير﴾ (تفسير البحر المحيط3/514).
قال الألباني:
«ثبت أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت لما تبرأ من يهود بني قينقاع وحلفهم. أخرجه ابن جرير في (تفسيره 6/186) بإسنادين عنه أحدهما حسن.
الثاني: ما أخرجه ابن جرير أيضا، وأبو نعيم في (حلية الأولياء3/185) عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سألت أبا جعفر بن محمد بن علي عن قوله عز وجل ﴿إنما وليكم الله..﴾ قلنا: من الذين آمنوا؟ قال ﴿الذين آمنوا﴾ (ولفظ أبي نعيم: قال: أصحاب محمد r) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب؟ قال: علي من الذين آمنوا».
قال الألباني «وإسناده صحيح».
ثم نقل قول ابن كثير:
«ومعنى قوله ﴿وهم راكعون﴾ أي خاضعون. وقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله ﴿ويؤتون الزكاة﴾ أي: في حال ركوعهم! ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره، لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عند احد من العلماء ممن نعلمه من أهل الفتوى» (10/2/583).
ثم نقل بعضا من أكاذيب عبد الحسين منها:
«أجمع المفسرون – كما اعترف به القوشجي، وهو من أئمة الأشاعرة – على أن هذه الآية إنما نزلت في علي حين تصدق راكعا في الصلاة، وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في علي..»..
قال شيخنا: «وقوله (قد أجمعوا أنها نزلت في علي) من أعظم الدعاوى الكاذبة، وتفسير الثعلبي فيه طائفة من الموضوعات.. ولو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة في حال الركوع لوجب أن يكون ذلك شرطا في الموالاة وأن لا يتولى المسلم إلا عليا فقط، فلا يتولى الحسن ولا الحسين. وقوله (يقيمون الصلاة) صيغة جمع فلا تصدق على فرد واحد.
أما القوشجي فقد تبين للشيخ الألباني أنه فلكي رياضي كانت وفاته سنة (879) وكان من فقهاء الحنفية. فإن كان كذلك فهو ماتريدي وليس بأشعري: فهل كان قوله (من أئمة الأشاعرة) لغاية في نفس يعقوب؟
قال شيخنا: «وزاد الخميني كذبة أخرى لها قرون، فقال بين يدي حديث أبي ذر الباطل: «وقد جاء في أربعة وعشرين حديثا – من أحاديث أهل السنة- بأن هذه الآية في علي بن أبي طالب، وننقل هنا واحدة من تلك الأحاديث التي ذكرها أهل السنة» ثم نقل حديث أبي ذر وقد علمت أنه من الذهبي وابن تيمية أنه من الكذب الموضوع».
قال شيخنا: «قوله –يعني عبد الحسين- (وأخرج النسائي) كذب فإنه لم يخرجه النسائي في أي كتاب من كتبه.. زد على ذلك أن الحافظ المزي لم يورد الحديث مطلقا في مسند عبد الله بن سلام من أطرافه وهو يعتمد فيه على السنن الكبرى للنسائي.
وأما قوله (عبد الحسين) (أخرجه النسائي في صحيحه) فمن أكاذيبه المكشوفة فإن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن النسائي ليس له كتاب يعرف بالصحيح.
ويقول (عبد الحسين في المراجعات ص111) في ترجمة نفيع بن الحارث «واحتج به الترمذي في صحيحه». فهذا كذب عليه كيف وهو القائل فيه: «يضعف في الحديث». انتهى كلام شيخنا رحمه الله (سلسلة الضعيفة10/2/580 إلى589 ح رقم4921).
قلت: تكلم فيه الترمذي قائلا: «نفيع الأعمى تكلم فيه قتادة وغير واحد من أهل العلم» (سنن الترمذي5/29 باب ما جاء في كتمان العلم).
قال شيخنا:
والآن أسأل: كم ولي في هذه الآية؟ وهل معنى (وليكم) يعنين إمامكم؟
إن كان معنى الولي هو الإمام صار معنى الآية هكذا: إنما إمامكم الله.. فهل يرتضي الشيعي هذا التفسير الذي يصير الله فيه إماما؟
وإن كان معنى الولي (الأولى بالتصرف) فبيعة علي للخلفاء وتزويج أحدهم ابنته وتسمية أبنائه بأسمائهم وقوله » انما الشورى للمهاجرين والانصار. فاذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا«. فكيف يشهد علي برضا الله عمن يبايعه المهاجرون والأنصار ثم هو لا يرضى بما رضي به الله؟
وإن كان المفهوم من إيتاء الزكاة أثناء حال الركوع: لزم أيضا من هذا الفهم إقام الصلاة أثناء لكونها معطوفة على إيتاء الزكاة أثناء الركوع. ويلزم من ذلك أن لا تقام الصلاة إلا عند حال الركوع. بمعنى الاتيان بتكبيرة الإحرام في حال الركوع وليس عند القيام.
هل وليكم ومولاكم بمعنى الولي بالتصرف؟
يزعم الرافضة أن (وليكم) معناها الأولى بالتصرف بكم. وهو تحريف يلزم منه ما يلي:
إذا كان معناه الأولى بالتصرف. فكأنكم تقولون أن هناك من له حق التصرف فينا لكن الله أولى بهذا التصرف منه من إحياء وإماتة ورزق وابتلاء... فيلزم أن يصير النبي والذين آمنوا مشاركين مع الله في كونهم أولى بالتصرف بالناس.
أما إن كان (وليكم) بمعنى إمامكم فيلزم أن يكون الله إماما ويلزم أن يصير الأئمة ثلاثة عشر إماما: أولهم الله وهو الإمام الأول. وثالث عشرهم هو المهدي.
ثم إن لفظ (ولي) و(مولى) قد وردتا في كتاب الله وسنة رسوله e ولم يأت واحد منها على معنى الإمام. وحملها على معنى الإمام إنما كان ضرورة رافضية لملاءمة المذهب وإنما هو تحريف للنصوص عن مواضعها.
قال تعالى في سورة المائدة ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ (المائدة51).
هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة اليهود والنصارى ثم قال تعالي ﴿فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتحِ أو أَمرٍ من عنده..﴾ ﴿فأصبحوا خاسرين﴾ (المائدة52، 53).
فهذا السياق هو الموضع الذي تعلقت به الآية فمن أخرجها عن سياقها فقد أخرجها عن مواضعها كما قال تعالى عن اليهود ﴿يحرفون الكلم عن مواضعه﴾.
وبهذه المناسبة أذكر شبهة للرافضة:
قال محمد أنور الكشميري «واعلم أنَّ في التحريف ثلاثةُ مذاهبَ: ذهب جماعةٌ إلى أن التحريفَ في الكتب السماوية قد وقع بكُلِّ نحو في اللفظ والمعنى جميعًا، وهو الذي مال إليه ابنُ حَزْم؛ وذهب جماعةٌ إلى أن التحريف قليلٌ، ولعلَّ الحافِظَ ابنَ تيميةَ جنح إليه؛ وذهب جماعةٌ إلى إنكارِ التحريف اللفظي رأسًا، فالتحريفُ عندهم كلُّه معنوي. قلت: يَلْزَمُ على هذا المذهب أن يكونَ القرآنُ أيضًا مُحرَّفًا، فإِنَّ التحريفَ المعنويِّ غيرُ قليل فيه أيضًا، والذي تحقَق عندي أن التحريفَ فيه لفظيُّ أيضًا، أما إنه عن عمد منهم، لمغلطة. فالله تعالى أعلم به» (فيض الباري5/104).
ولكن قبل الرد على الشبهة نذكر بأن عقيدة الكشميري أن القرآن محفوظ بلفظه بدليل قوله «قلتُ: والصوابُ عندي: أن أمثال تلك النكات البلاغية إنما تَلِيقُ بشأن القرآن للثقة بحفظ لفظه» (فيض الباري4/452).
والآن الى الرد على الشبهة:
يقول الكشميري ذهبت الاقوال في تحريف الكتب السماوية إلى ثلاثة أقوال. بالطبع هو يتكلم عن الكتب السابقة للقرآن وليس حول القرآن الذي هو عنده محفوظ كما نقلت لكم من نفس كتابه. ويلزم من الاقتصار في اعتقاد التحريف على المعنوي فقط أن يصير القرآن أيضا محرفا لأن في الأمة عندنا من أمثال الرافضة من قد اشتهروا بهذا التحريف المعنوي. فيلزم من هذا أن يصير القرآن أيضا محرفا. ولهذا انتهى إلى ان التحريف في هذا الموضوع يشمل اللفظ والمعنى. وهو بهذا يخرج القرآن عما اختلفوا فيه.
وكيف يلتزم الكشميري بما يجعله من لوازم الفاسدة. كيف يقول ويلزم منه كذا. ثم يقول وأنا ألتزم هذا اللازم؟ تأمل أخي كيف يجمع الرافضة بين دس اليهود وحمق النصارى!
ألا بعدا وسحقا لمن ورث تحريف اليهود ومكرهم ودسهم. وبعدا وسحقا لمن دلس على الكشميري وأوهم الناس أنه يلتزم القول بأن القرآن محرف لفظا.
وعلى كل حال لا ننسى تصريح الكشميري بأن أكثر تخريب الدولة العثمانية كان على أيدي الروافض: فهل يتدبر الإخوان المغفلون هذه الكلمة من الكشميري؟