تُعَدّ آية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾المائدة إحدى أكثر الآيات التي يستدل بها الإمامية لإثبات أصل الإمامة والعصمة، ومع ذلك فإن هذا الاستدلال يفتقر إلى الأركان الأصولية التي يقوم عليها الاحتجاج العقدي، إذ إنّ اللفظ غير محكم، والدلالة غير صريحة، والاحتمال قائم بقوة في تحديد معنى أولي الأمر. ومن ثمّ لا يصلح هذا النص ليكون أصلاً تؤسس عليه عقيدة كبرى بحجم الإمامة الإلهية المعصومة. ويناقش هذا المقال جذور الإشكال، ومواقع الاضطراب في الاستدلال الشيعي، ويبيّن أن الآية في سياقها، وفي دلالتها اللغوية والشرعية، وفي فهم السلف، وفي ضوء تتمتها، تبطل تفسير الإمامية وتعيد النص إلى معناه الصحيح.
ونحن نسأل ما علاقة الآية بموضوع (الإمامة) عموماً؟ فضلاً عن (إمامة) علي أو غيره خصوصاً؟!
والجواب:
يجب أن يكون من منطوق الآية نفسها، نصاً لا استنباطاً كما هو الشأن في جميع أصول الدين.
فإن لم تكن الآية في دلالتها على (الإمامة) كذلك: بطل الاستدلال بها وكان -في أحسن أحواله- اتباعاً للمتشابه. وهو فعل الزائغين كما حكم رب العالمين وأحكم الحاكمين.
يقول إبراهيم الزنجاني وهو يستدل بالآية على (الإمامة):
(لا ريب أن نصب الإمام من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين فيجب أن يكون واقعاً قبل نزول الآية)[1].
ونحن لن نفعل -لإبطال استدلاله- أكثر من إعادة قوله هذا فنقول:
إذا كان (نصب الإمام من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين فيجب أن يكون واقعاً قبل نزول الآية) وإلا فلا حجة فيها.
إن حجية الآية مبنية على أمر خارج عنها. وهذا يستلزم أن لا يكون نصها حجة بنفسه. وما ليس حجة بنفسه لا يصلح أن يتخذ حجة ويعتبر دليلاً. فسقط الاحتجاج بالآية من قول المحتج بها نفسه.
بل هي حجة ودليل على بطلان (الإمامة)!
لأن (الإمامة) ليست من الدين الذي سبق الإخبار عنه بأنه كامل. وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن الكريم. والدين كمل بها، والنعمة قد تمت كذلك، ولم نجد فيما سبقها من الآيات المنزلة ما يصرح بـ(الإمامة).
ولو كانت العقائد تثبت بمثل هذا الأسلوب لادعى أي إنسان ما يشاء واعتقد به قائلاً: (لا ريب أن ذلك من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين فلا بد أن يكون واقعاً قبل نزول الآية). حتى (نبوة) مسيلمة الكذاب! فيقال: أن الدليل على نبوة مسيلمة قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ (ولا ريب أن نصب مسيلمة نبياً من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين فيجب أن يكون واقعاً قبل نزول الآية)! ولكن مسيلمة كان يملك ذوقاً عربياً فلم يحتج بذلك.
ولو قلنا: أن دليلنا على إمامة الصديق قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ لأنها (من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين…الخ) لصح قولنا على هذا الأساس!
إن إثبات (الإمامة) بدليل الآية يحتاج قبله إلى إثبات أن (الإمامة) (من أعظم الدين وأهم مصالح المسلمين). وهذا معناه أن الدليل في حاجة إلى دليل! أي أننا نثبت أن (الإمامة) من أعظم الدين بدليل هو أن (الإمامة) من أعظم الدين! وهذا هو (الدور) الممتنع في لغة (المنطق).
إن الاستدلال على ثبوت أمر بدليل يحتاج أولاً إلى ثبوت ذلك الأمر يجعل أحدهما محتاجا إلى الآخر: فندخل في حلقة (الدور)، وحكاية البيضة والدجاجة وأيهما كان قبل أولاً؟ وهو باطل. ولكنه منطق الزنجاني، وجميع الذين يستدلون بالآية على (الإمامة).
سياق النص:
إن نظرة سريعة إلى الآية كاملة يظهر أن موضوع الآية شيء آخر لا علاقة له بما أقحم فيها من القول بـ(الإمامة). يقول تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتةُ وَالدَّمُ وَلَحمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (المائدة/3).
فما علاقة (الإمامة) بالميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والموقوذة … الخ؟! كيف يستسيغ ذوق لغوي أن تحشر (الإمامة) مع هذه الأمور؟ مع أنها غير مذكورة أصلاً؟! إلا إذا كان غير المذكور من جنس المذكور!
هذا.. وقد روى الإمامية عن علي أنه قال: أن أمركم هذا لهو أهون عندي من شسع نعلي.
إن هذا لا يمكن قبوله إلا إذا قيل أن هذه الآية محرفة -كما ادعى الكليني ذلك في الآية السابقة- وأن النص قد حشر فيها حشراً دون مناسبة. وهذا القول باطل وكفر.
[1] عقائد الشيعة الامامية الاثني عشرية/57.