تُعَدّ آية ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ من أكثر النصوص القرآنية التي أفرط الفكر الشيعي في تحميلها ما لا تحتمل، إذ حاول البعض اتخاذها أساسًا لإثبات الإمامة المزعومة لعليٍّ رضي الله عنه، مستندين إلى روايات واهية لا أصل لها، ونصوص مخترعة لا تمتّ إلى الصحيح بصلة. وتزداد خطورة هذه الاستدلالات حين تُنسب زورًا إلى الصحيحين أو مسند أحمد، وهي مصادر منزّهة عن مثل هذا التحريف.
وفي هذا المقال نعرض الدليل اللغوي والشرعي والتاريخي على بطلان الرواية المنسوبة إلى ابن عباس، ونكشف كيف تحوّلت مقولة موضوعة إلى «دليل عقدي» تُبنى عليه تصورات كاملة تخالف القرآن والسنّة واللسان العربي المبين.

يقول إبراهيم الزنجاني:

(روى الجمهور في الصحيحين وأحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (علي وفاطمة وابناهما)[1]. وهذا كذب شنيع!! وادعاء باطل. إذ لا وجود لهذه الرواية في الصحيحين. ولا مسند الإمام أحمد!!!

بل الموجود في صحيح البخاري ومسند أحمد خلاف هذا تماماً! وأما مسلم فلم يتطرق الى الموضوع البتة. فقد روى البخاري أن ابن عباس أنكر على سعيد بن جبير تفسيره الآية بقربى آل محمد صلى الله عليه وسلم وقال له: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة فنزلت عليه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم).

وروى أحمد في مسنده: (سئل ابن عباس عن هذه الآية: ﴿قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى قال فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد قال فقال ابن عباس عجلتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة).

ولم يكن البخاري ولا مسلم ولا أحمد بهذا المستوى من الجهل! بحيث يروون شيئاً مرفوضاً عقلا ولغة! فالآية مكية. والحسن والحسين رضي الله عنهما لم يولدا إلا في المدينة بعد الهجرة!

واستعمال لفظ (القربى) و(القرابة) في الأقارب من استعمال العامة. أي هو استعمال عامي غير فصيح. وذلك لا يكون في لغة القرآن، أو لغة النبي صلى الله عليه وسلم، أو عموم الصحابة لأنهم عرب أقحاح. وسعيد بن جبير (رحمه الله) أتي من قبل أعجميته. فواضع هذه الرواية كذاب جاهل لا يعرف كيف يكذب!

ونسبتها إلى مصادر خالية منها من قبل عالم يوصف بأنه (ركن الإسلام وعماد العلماء الأعلام)[2] افتراء عظيم لا يليق بعامة الناس. فكيف بعالم؟! أن (عالماً) له مثل هذه الجرأة على الكذب لحري بأن يسمى بـ(ركن الكذب وعماد الدجل) لا (ركن الإسلام وعماد العلماء الأعلام).

حجة عمياء:

يقول: (وجوب المودة يستلزم وجوب الإطاعة لأن المودة إنما تجب مع العصمة)[3]. وهذا ادعاء محض لا أثر للعلم عليه! فما علاقة المودة بالعصمة (وجوبا) أو استحبابا!

 يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/21). فالزوج يود زوجته وكذلك الزوجة تود زوجها ولا علاقة لهذه (المودة) بالعصمة أو الطاعة المطلقة. والصديق يود صديقه. ولا علاقة لذلك بكل ذلك!

ويقول: ﴿عَسَى اللَّهُ أن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (الممتحنة/7).

ويقول كذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة/1).

ويقول: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى (المائدة/82).

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] عقائد الإمامية الاثنى عشرية /86.

[2] الخوئي / في أول الكتاب.

[3] المصدر نفسه.