🔹 نستكمل في هذا المقال الحديث عن آل البيت:
قد يزعم البعض أن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ قد نزل وحده بشكل مستقل عن بقية الآية، وأنه لا علاقة له بما قبله أو بعده من الآيات، وأن المقصود منه حصر "أهل البيت" في علي وفاطمة والحسن والحسين فقط.
وهذا الزعم مردود من عدة وجوه:
أولاً: إن من المعلوم أن بعض الآيات أو أجزاء منها تنزل متفرقة، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في مواضع معينة حسب ما أمره الله عز وجل، ليصبح القرآن كتاباً متناسقاً محكماً إلى يوم القيامة، يتلى ويفهم حسب سياقه. فلو كان المقصود من الآية غير المعنى المتبادر من السياق، لجعلها النبي صلى الله عليه وسلم في موضع مستقل، منعاً لأي لبس قد يحدث، وحاشاه أن يترك في كتاب الله ما يوقع في الالتباس، فليس هناك من هو أعلم من النبي بكتاب ربه. ومن زعم أن الآية وُضعت في هذا الموضع خطأ فقد اتهم النبي والقرآن معاً، والعياذ بالله.
ثانياً: الآية الكريمة ليست آية مستقلة، بل هي جزء من آية ضمن سياق طويل، يقول الله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب:33]. فلو كانت خاصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين لما جاءت وسط خطاب طويل موجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: إن من يزعم أن جزءاً من الآية موجه لنساء النبي، والجزء الآخر موجه لغيرهن، فعليه أن يأتي بالدليل، وهذا غير ممكن؛ إذ لا دليل على ذلك، بل على العكس، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلت الآية جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين، وجللهم بالكساء ودعا لهم، مما يدل على أن الآية في الأصل موجهة لنسائه، فأراد أن يضم أقرب قرابته إليها ليدخلوا في فضلها أيضاً.
وقد قال ابن كثير في تفسيره:
"نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ههنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً..."
كما روى ابن أبي حاتم بسنده عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...﴾ قال:
♦ "نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة".
وقال عكرمة:
"من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم".
وهذا يعني أن من زعم أنهن لسن داخلات فقد خالف النقل الصحيح والعقل السليم.
والملاحظ في مسلك أهل السنة أنهم يجمعون بين الأدلة ولا يضرب بعضها ببعض:
♦ لا ينكر أهل السنة الأحاديث التي وردت في فضل أهل الكساء، بل يثبتونها ويجعلونها دليلاً على أن علياً وفاطمة والحسن والحسين من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب أزواجه.
قال القرطبي في تفسيره:
"الذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم... وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر".
وقد نقل القرطبي أقوالاً كثيرة توضح أن أهل البيت هم: الزوجات والقرابة الأقربون، وأورد قول القشيري والثعلبي وغيرهم، وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ضم علياً وفاطمة وأبناءهما كان يدعو لهم، لا أن الآية نزلت فيهم خاصة.
أحاديث أم سلمة رضي الله عنها تؤكد هذا الفهم الصحيح:
قالت:
"نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فدخل معهم تحت كساء خيبري، وقال: هؤلاء أهل بيتي، وقرأ الآية،
وقال: اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فقلت: وأنا معهم يا رسول الله؟
قال: أنت على مكانك، وأنت على خير".
وفي رواية أخرى:
"قال: وأنت".
وفي ثالثة:
"قال: أنت من أهلي".
وحديث زيد بن أرقم في صحيح مسلم يبين أن أهل البيت يشملون أزواجه وغيرهن، حيث سئل:
"أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس". وهذا يثبت أن المصطلح أوسع مما يقصره بعضهم.
خاتمة:
إن أهل السنة والجماعة ينتصرون للحق، فيثبتون أن الآية شاملة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى، كما أنها تشمل قرابته الأقربين الذين أراد أن يدخلهم في فضل الآية بدعائه، وأما من اقتطع الآية من سياقها، وجعلها خاصة ببعض أهل البيت دون البعض الآخر، فقد خالف لغة القرآن وسياقه وأحاديثه. وليس في الحديث أو في الفعل النبوي ما يدل على إخراج أمهات المؤمنين من أهل البيت، بل دل على حرص النبي على جمع الفضل لهم جميعاً.
أعلى النموذج
أسفل النموذج