مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن السنة النبوية المطهرة، هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد كتاب الله عز وجل، وهي البيان التفصيلي لما أجمله القرآن، والمفسر لمراد الله تعالى في شرعه، وقد حفظ الله تعالى هذه السنة بعناية جيل الصحابة ثم التابعين، ثم العلماء النقاد من أهل الحديث الذين ميّزوا صحيحها من ضعيفها، وردّوا موضوعها وكذبها، فقاموا بجهد جبار حفظ الله به هذا الدين.
ولكن، وللأسف، كان من بين الفرق المنحرفة عن طريق أهل السنة والجماعة، فرقة الرافضة، التي لم تكتفِ بهجر السنة النبوية، بل عبثت بها، وكذبت على رسول الله ﷺ، واخترعت من النصوص ما يوافق أهواءها ويخدم عقائدها الباطلة.
السنة النبوية عند أهل السنة وعند الرافضة
السنة عند أهل السنة:
السنة هي ما ثبت عن رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، وهي المرجع التشريعي الثاني بعد القرآن. وقد نقلها الصحابة العدول، ثم دوّنها أئمة الإسلام من أمثال البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم، وقاموا بتمحيص الروايات والتحقق من حال الرواة.
السنة عند الرافضة:
في المقابل، لا قيمة للسنة النبوية في الفكر الرافضي إلا بقدر ما توافق روايات أئمتهم المزعومة. فهم يرفضون معظم ما صح عن النبي ﷺ بدعوى أنه نُقل عن صحابة لا يوالون عليًّا، أو أنه لا ينسجم مع "الوصاية" لعلي بن أبي طالب، وهي الأساس العقائدي لمذهبهم.
بل يتهمون الصحابة بالكذب والخيانة، ويعتبرون أن من لم يوالِ علياً على طريقتهم الخاصة فقد خان وصية النبي، وبالتالي فلا تقبل روايته، بغض النظر عن عدالته أو صدقه. وقد أُثِر عنهم أن العدالة عندهم لا تُشترط في الراوي، وإنما العبرة بولائه للأئمة، ولو كان كذاباً، فاسد العقيدة، أو حتى ملحداً (انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص21).
1- التشكيك في الصحابة والطعن في عدالتهم
أول ضربة وجهها الرافضة للسنة هي الطعن في عدالة الصحابة، الذين هم نقلة السنة وأمناؤها. فهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ويقذفون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويعتبرون جمهور الصحابة مرتدين بعد وفاة رسول الله ﷺ، ما عدا عددًا يسيرًا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
قال ابن تيمية: "الرافضة من أجهل الناس بأحاديث رسول الله وسيرته، وأكذبهم في النقل عنه وعن آل بيته" (منهاج السنة النبوية، 8/211).
3- اختلاق الروايات الكاذبة
أكثر ما يتّسم به تراث الرافضة هو الكذب على رسول الله وآل بيته، فقد اختلقوا آلاف الروايات، خصوصًا في فضل علي وآل البيت، والطعن في الصحابة. وقد قال الخطيب القزويني:
"تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل بيته فزاد على ثلاثمائة ألف حديث"
(الإرشاد في معرفة علماء الحديث، 1/420).
3️⃣ الغلو في الأئمة
الرافضة جعلوا كلام الأئمة المعصومين عندهم في منزلة كلام النبي ﷺ، بل أعلى منه أحيانًا، وادعوا أن الإمام يُوحى إليه، وله أن ينسخ ويبدل، ولا يُشترط أن يكون الحديث متصل السند بالنبي، لأن الإمام معصوم عندهم.
وقد أوردوا في كتبهم روايات موضوعة لا سند لها، مثل حديث "غدير خم" بصيغته التي يدّعونها، وقد ناقضوا حتى الروايات الصحيحة الثابتة في صحيح مسلم (انظر: مسلم، حديث 6378).
4️⃣ إهمال سيرة النبي ﷺ والتركيز على سيرة الحسين
من اللافت أن الرافضة لا يهتمون بسيرة النبي ﷺ، لا في أقواله ولا في أفعاله، بينما يُضخّمون سيرة الحسين بن علي رضي الله عنهما، ويتخذون منها وسيلة لإذكاء العداء لأهل السنة، وتحقيق أهدافهم السياسية والمذهبية.
قال ابن تيمية: "الرافضة أجهل الناس بسيرة رسول الله، وأكثرهم تصديقًا بالكذب فيها" (منهاج السنة، 8/387).
5️⃣ قلب الحقائق وتزييف النصوص
الرافضة يؤولون القرآن تأويلاً باطلاً، ويحوّرون ألفاظه لخدمة عقيدتهم، فيزعمون مثلاً أن البقرة تعني "عائشة"! تعالى الله عما يقولون.
ويكثرون من الأحاديث المستقبلية (التي لم تقع بعد)، فإذا لم تقع نسبوا الجهل لله وقالوا: "بدا لله بداء"، وهي عقيدة فاسدة تنافي كمال علم الله.
الآثار الخطيرة لهجر السنة النبوية عند الرافضة
هجر الرافضة للسنة النبوية وتراث الصحابة الأجلاء له آثار كارثية على الدين والعقيدة، من أبرزها:
1- انحراف عقيدتهم في الله بين التجسيم والتعطيل.
2- القول بالبداء، أي أن الله قد يظهر له ما لم يكن يعلم، تعالى الله عن ذلك.
3- القول بتحريف القرآن، وزعم وجود مصحف آخر وهو "مصحف فاطمة".
4- الطعن في الأنبياء، إما بالغلو فيهم أو بالتنقيص من شأنهم.
5- رفع الأئمة فوق الأنبياء، وجعلهم يعلمون الغيب.
6- جعل التقيّة (النفاق) من أصول الدين.
7- قلب المفاهيم الصحيحة، والكذب والافتراء على أهل السنة.
8- تحولهم إلى وسيلة للزنادقة لهدم الإسلام من داخله.
9- مخالفتهم لآل البيت الذين يدّعون محبتهم، وهم منهم براء.
10- عداوتهم المستمرة لأهل السنة من عهد الصحابة إلى يوم القيامة.
11- الطعن في الخلفاء الراشدين، وتزوير تاريخ الإسلام.
12- العداوة لعائشة رضي الله عنها زوج رسول الله، وأم المؤمنين.
13- تعظيم قتلة الصحابة وأعداء الإسلام، كأبي لؤلؤة المجوسي.
14- عقيدة الوصية لعلي، رغم أنه بايع الخلفاء الثلاثة.
15- دعوى أن علياً يعلم الغيب، وأن من يحبه لا تضره معصية.
16- ادعاء وجود المهدي منذ أكثر من 1150 سنة في السرداب!
قال ابن تيمية: "الرافضة أكذب طوائف أهل القبلة" (منهاج السنة، 1/26).
المصادر
- ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، تحقيق د. محمد رشاد سالم.
- القزويني، الإرشاد في معرفة علماء الحديث.
- مسلم، صحيح مسلم (2/1032، حديث 6378).
- السيد محمود الألوسي، مختصر التحفة الاثني عشرية.
- محمد طاهر حكيم، السنة في مواجهة الأباطيل.
- د. علي السالوس، أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله.
- عبد الحسين الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب.
- محمد الحسين آل كاشف، أصل الشيعة وأصولها.
- الفضل الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن.