الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
يكثر السؤال في بعض البلدان الإسلامية عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وما يصاحبه من مظاهر كالغلو والقيام والسلام والتجمعات الخاصة، وهل لهذا أصل في الشريعة الإسلامية؟ والجواب على هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة، لم تكن معروفة في عهد النبي ﷺ ولا في عهد خلفائه الراشدين ولا الصحابة والتابعين، وهم خير الناس بعد النبي ﷺ، وأعلم الأمة بسنة نبيهم، وأكثرهم حبًا له واتباعًا لهديه.
الأدلة الشرعية في تحريم الموالد
ورد عن النبي ﷺ قوله:
«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه البخاري ومسلم]،
وفي حديث آخر:
«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [رواه أبو داود والترمذي].
وقد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم بقوله:
- ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر:7]
- ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب:21]
- ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾ [المائدة:3]
وهذه الآيات وأمثالها تدل على أن الدين قد كَمُل، والنعمة قد تَمَّت، ولا حاجة لإحداث عبادات أو احتفالات لم يرد بها نص.
هل احتفل النبي ﷺ أو الصحابة بالمولد؟
الرسول ﷺ بلَّغ الدين كاملًا، ولم يترك طريقًا إلى الجنة إلا وبيّنه. ولو كان الاحتفال بالمولد من الأمور المحبوبة عند الله، لفعله النبي ﷺ، أو أمر به، أو فعله أصحابه من بعده. فلما لم يقع شيء من ذلك، علمنا يقينًا أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من البدع التي نهى عنها الشرع، ومن التشبه بأهل الكتاب في أعيادهم.
الرد على من يقول: "هي بدعة حسنة"
بعض المتأخرين قال بجواز الموالد إن خلت من المنكرات، كالغلو والمعازف والاختلاط، ولكن هذه دعوى باطلة، تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة. فلا يوجد في الشرع شيء اسمه "بدعة حسنة" في العبادات، بل قال النبي ﷺ:
«كل بدعة ضلالة»، وهذا لفظ عام يشمل كل بدعة.
والقاعدة في الشريعة: ردّ الأمور المتنازع فيها إلى القرآن والسنة، كما قال تعالى:
﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء:59]
وقد رُدّ أمر الموالد إلى كتاب الله وسنة نبيه، فلم نجد فيهما ما يشرعها، بل وجدنا فيهما النهي عنها.
مظاهر منكرة تصاحب الموالد
أغلب احتفالات الموالد لا تخلُ من منكرات منها:
- اختلاط الرجال بالنساء
- سماع الأغاني والمعازف
- استعمال المسكرات والمخدرات أحيانًا
- الغلو في النبي ﷺ أو الأولياء
- دعاء غير الله، وطلب المدد والغوث من غيره
- القيام للسلام على النبي بزعم حضوره، وهذا اعتقاد باطل، لأن النبي ﷺ لا يخرج من قبره إلا يوم القيامة كما دلّت النصوص القطعية.
هل يجوز الصلاة على النبي ﷺ؟
نعم، بل الصلاة والسلام على النبي ﷺ من أفضل القربات، وأعظم الطاعات، وهي مشروعة في جميع الأوقات، كما قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]
وقد قال النبي ﷺ:
«من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» [رواه مسلم].
وهي مؤكدة في مواطن كثيرة: بعد الأذان، عند التشهد، في يوم الجمعة، وعند ذكر اسمه الشريف.
لا تغتر بكثرة الفاعلين
كثرة من يفعل شيئًا لا تعني أنه حق، فقد قال تعالى:
﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله﴾ [الأنعام:116]
والحق يُعرف بالدليل، لا بكثرة الأتباع.
الخاتمة:
إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس من السنة، بل هو من البدع المحدثة، التي حذر منها النبي ﷺ وأمر بتركها. وكل من يحب رسول الله ﷺ حقًا، فليظهر محبته باتباع سنته، والعمل بوصاياه، والاقتداء بأخلاقه، لا بإحداث ما لم يشرعه.
المصدر:
فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ضمن رسالة صدرت عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، طبعت عدة طبعات.