الشيعة وأهل البيت.. علاقة ادعاء لا انتماء:

يزعم الشيعة أنهم أتباع وموالون لأهل بيت النبي محمد ﷺ، ويؤكدون أن مذهبهم مأخوذ من أقوالهم ومواقفهم. غير أن التثبت من هذا الادعاء يتطلب أولًا فهمًا دقيقًا لمصطلحي "أهل البيت" و"الشيعة" من الناحية اللغوية والشرعية.

من هم أهل البيت؟

تعبير "أهل البيت" مركب من كلمتي "الأهل" و"البيت"، وقد ورد في القواميس اللغوية بمعانٍ متعدّدة. يقول صاحب القاموس المحيط: "أهل الأمر ولاته، وللبيت سكانه، وللمذهب من يدين به، وأهل الرجل زوجه وذريته، وأهل النبي أزواجه وبناته وصهره علي" [القاموس المحيط ج٣، ص٤٣٢].

أما الزبيدي في "تاج العروس" فيؤكد أن أهل الرجل يدخل فيهم الزوجة والأبناء. ويؤيد هذا المعنى ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{وسار بأهله} [القصص: ٢٩]، وقوله: {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: ١٣٢].

ويؤكد الراغب الأصفهاني أن أهل الرجل هم من يجمعه بهم نسب أو دين أو سكن، ويقول إن "آل" أصلها "أهل" أبدلت همزتها من الهاء، ومن ثم قُصِد بها أهل بيت النبي ﷺ بشكل خاص، فصار إطلاق "آل البيت" على عائلته المقربة عُرفًا متداولًا.

وفي لسان العرب لابن منظور: "أهل بيت النبي ﷺ أزواجه وبناته وصهره علي عليه السلام"، ثم يقول: "أهل كل نبي أمته"، مما يؤكد أن الاستعمال الأصلي يشمل الأزواج، ثم توسّع ليشمل الأقارب والمقرّبين.

ويستشهد القرآن بلفظ "أهل البيت" في قوله تعالى:
{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} [هود: ٧٣]، والتي نزلت في زوجة إبراهيم، مما يدل على أن الأزواج مشمولون أصلًا في معنى "أهل البيت".

أهل البيت في القرآن والحديث

وردت آية التطهير {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} [الأحزاب: ٣٣] في سياق الحديث عن أزواج النبي ﷺ، حيث بدأت الآية بقوله تعالى: {يا نساء النبي}، وانتهت بقوله: {واذكرن ما يُتلى في بيوتكن}.

لذلك فالسياق القرآني واضح بأن الخطاب موجه لنساء النبي ﷺ، وقد أكد ذلك ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة في أقوالهم، كما رواه ابن أبي حاتم وابن عساكر وابن مردويه.

كما ورد في صحيح البخاري أن النبي ﷺ دخل على عائشة رضي الله عنها فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله"، فردّت عليه بالتحية، مما يدل على أن بيت النبي يشمل أزواجه.

إلا أن النبي ﷺ جمع فاطمة وعليًا والحسنين تحت كسائه وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي"، مما يدل على أن المراد أوسع من الأزواج فقط، ويدخل فيه علي وفاطمة وذريتهما، ولكن ليس على سبيل الحصر.

مفهوم الشيعة لغة واصطلاحًا

الشيعة في اللغة:

 هم الأتباع والأنصار، من المشايعة والمطاوعة. يقول الزبيدي: "الشيعة كل قوم اجتمعوا على أمر"، ويؤكد ابن منظور أن الاسم غلب على من يتولى عليًا وأهل بيته.

ويقول النوبختي: الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب، وقد افترقت إلى فرق كثيرة، منهم من قال بإمامته بعد النبي ﷺ، ومنهم من أجاز إمامة أبي بكر وعمر بعده.

بينما يرى الشيعة الإمامية أن الإمامة حُصرت في علي وذريته من الحسن والحسين، ثم الأئمة التسعة من ذرية الحسين، وانتهوا بالمهدي المنتظر. وقد استبعدوا أزواج النبي ﷺ، وبقية بناته، ومعظم أبناء علي، وحتى ذرية الحسن والحسين إن لم يكونوا ضمن خط الإمامة المعتمد لديهم.

التناقض في حصر أهل البيت

اللافت أن الشيعة حصروا "أهل البيت" في فاطمة، وعلي، والحسن، والحسين، وتجاهلوا بقية أبناء علي، وبنات فاطمة، وبنات النبي ﷺ الثلاث الأخريات، بل حتى زوجات النبي ﷺ أخرجوهن من المفهوم تمامًا.

ويظهر التناقض أيضًا في أنهم لا يعُدّون أبناء الحسن ضمن أهل البيت إذا لم يكونوا أئمة، رغم أن القرآن والسنة وسياق اللغة يُدخلونهم في المفهوم.

خلاصة القول

يتضح من خلال تتبع معاني "أهل البيت" في القرآن واللغة والحديث أن المدلول الأصلي يشمل أزواج النبي ﷺ أولًا، ثم يندرج تحته بقية أهله من قرابة ونسب، كالعم والابن والصهر وغيرهم.

أما الشيعة فقد خصصوا "أهل البيت" بمنهجهم الخاص، فحصروا المفهوم في عدد قليل، وأخرجوا أغلب من ذكرهم النص، مما يجعل ادعاءهم أنهم يتبعون أهل البيت أمرًا قابلًا للنقاش والتمحيص.

 

المصادر:

1- القاموس المحيط – الفيروزآبادي.

2- تاج العروس – الزبيدي.

3- لسان العرب – ابن منظور.

4- مفردات القرآن – الراغب الأصفهاني.

5- الصحاح – الجوهري.

6- تفسير فتح القدير – الشوكاني.

7- تفسير مجمع البيان – الطبرسي (شيعي).

8- تفسير نور الثقلين – العروسي الحويزي (شيعي).

9- أصل الشيعة وأصولها – محمد حسين آل كاشف الغطاء.

10- فرق الشيعة – النوبختي.

11- أعيان الشيعة – محسن الأمين.

12-  البخاري – كتاب التفسير.