🟦 أصل التأويل الباطني في فكر الشيعة الإمامية
يُعد تفسير جابر بن يزيد الجعفي (ت 127هـ) أول الأسس الواضحة لما بات يُعرف لاحقًا بالتأويل الباطني في المذهب الشيعي الاثني عشري. وقد اشتهر الجعفي بمواقفه الغالية وتكفيره لأصحاب رسول الله ﷺ، وكان له دور محوري في نقل روايات زُعم أنها منسوبة إلى أهل البيت، والتي استُخدمت لاحقًا لتبرير هذا النمط الغامض من التفسير.
✴️ تناقض في توثيق جابر الجعفي
كتب الشيعة مليئة بالتناقضات الصارخة حول شخصية جابر؛ فمن جهة يرفعونه إلى مقامٍ شبه إلهي بزعمهم أن علم أهل البيت انتهى إليه، ويصورونه على أنه يعلم الغيب وما في الأرحام، حتى قال عنه محمد بن حسين المظفر:
"إن جابرًا روى عن الإمام الباقر فقط ما يزيد على سبعين ألف حديث"
📚 (راجع: "دلائل الصدق"، المظفر).
وفي المقابل نجد روايات أخرى في كتبهم تطعن في شخصه وتصفه بالكذب والدجل؛ منها ما رُوي عن زرارة قال:
"سألت أبا عبد الله عن أحاديث جابر؟ فقال: ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة، وما دخل عليّ قط"
📚 (رجال الكشي، ترجمة جابر الجعفي).
هذا التناقض يُسلط الضوء على اضطراب المذهب الشيعي في التعامل مع مصادره ورجاله، ويدل على خلل منهجي في التوثيق والاعتماد.
🟦 أمثلة على التأويلات الباطنية في تفاسير الشيعة
تبنّت كتب التفسير الشيعية الباطنية أقوال جابر ونظائره، وبدأت في تطبيقها على آيات القرآن، ومن ذلك:
- تفسير الشيطان في سورة الحشر (آية 16):
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ...}
زعموا أن المقصود بـ"الشيطان" هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه! بل وادعوا أنه يعذَّب أكثر من إبليس نفسه. وقد أُدرج هذا التأويل في كتبهم المعتمدة وتناقله علماؤهم دون نكير، بل وكفَّروا من لا يعتقد به، مع أن مصدره -كما يُذكر- يهودي الأصل.
- قولهم في تفسير "الجبت والطاغوت" في سورة النساء (آية 51):
فسرها الكليني في "الكافي" بنقلٍ عن أبي جعفر أن "فلان وفلان" هم أبو بكر وعمر، والعياذ بالله.
📚 (الكافي، ج1، ص438؛ بحار الأنوار، ج23، ص390). - تفسيرهم لقوله تعالى: {رب الأرض} (سورة الزخرف):
قالوا إن المقصود به "إمام الأرض"، وإذا خرج المهدي "استغنى الناس عن ضوء الشمس والقمر بنور الإمام".
📚 (بصائر الدرجات للصفار، ص232). - زعمهم أن القرآن كله عن الإمامة:
يقول أحد أئمتهم -وحاشاه- في تفسير قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}:
"المقصود بها: لقاء الإمام"، ثم إذا سُئلوا: وما التفسير الظاهري؟ قالوا: "أخذ الشارب، وقص الأظفار"!
📚 (أصول الكافي، ج1، ص286).
🟦 التفسير الباطني: علم خاص لا يُصرّح به إلا للنخبة!
يُقرّ شيوخهم أن القرآن له ظاهر للعامة وباطن للخواص، وهذا الأخير لا يُقال إلا لمن يحتمل "سرّ الإمامة"، ومَن لا يحتمله لا يجوز تعليمه إياه، كما قالوا لعبد الله بن سنان:
"صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، ومَن يحتمل ما يحتمل ذريح؟"
📚 (أصول الكافي، ج1، ص374).
لكن الغريب أن هذا "العلم الخاص" الذي يُضنّ به على الشيعة أنفسهم، تنشره كتبهم للعامة بل وللخصوم من أهل السنة! فهل هذا من الكتمان؟ أم هو تناقض صارخ كما وصف علي بن الحسين الشيعة أنفسهم:
"وددت والله أني افتديت خصلتين في الشيعة: النَّزق وقلّة الكتمان"
📚 (الكافي، ج8، ص234).
🟦 الحكم الحقيقي من أئمتهم على هذه التأويلات
في ضوء هذا الغلوّ، جاءت مواقف بعض أئمتهم لتُكذّب هذه الأباطيل:
- سُئل أبو عبد الله الصادق -وحاشاه- عن تأويل آيات كالخمر والميسر بأنهم رجال، فقال:
"ما كان الله عز وجل ليخاطب خلقه بما لا يعلمون"
📚 (الاعتقادات للصدوق، ص105).
- بل وصل الأمر إلى أن جعفر الصادق -في رواياتهم- وصف هؤلاء الغلاة بقوله:
"هم شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس... والله لو أقررت بما يقول أهل الكوفة لأخذتني الأرض"
📚 (رجال الكشي، ترجمة زرارة).
🟦 التأويلات الباطنية... إلحادٌ في كتاب الله
هذه التأويلات ليست اجتهادات مرنة، بل نصوص قطعية الثبوت في كتبهم، لا تقبل النسخ ولا النقاش، بل أرفع من الوحي بزعمهم! والقرآن يُحذّر من ذلك في قوله:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ (فصلت: 40) وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)