على مدى قرون، لم يزل الشيعة يطعنون في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، حتى انساق خلف حملاتهم كثيرٌ من الليبراليين والعلمانيين والجاهلين بالتاريخ، متغافلين عن سيرته الزكية ومكانته العظيمة بين الصحابة والتابعين. فقد قاد الأمة الإسلامية عشرين عامًا، وساد ثلث الأرض، وأحبه الناس لحكمته وسياسته وعدله، رغم حقد الحاقدين وتشويه المشوهين.

بركة الصحبة وشهادة النبوة

معاوية رضي الله عنه صحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شمله حديث النبي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة:

 "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" [البخاري].

كان معاوية كاتبًا للوحي، ودعا له النبي دعاءً خاصًا، كما في حديث الترمذي: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهدِ به"، وصححه الألباني. بل دعا له النبي أن يُعلمه الكتاب والحساب ويقيه العذاب [البخاري في التاريخ].

إسلامه ومكانته

وُلد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم سرًا في عام الحديبية (7هـ) وأعلن إسلامه عند فتح مكة (8هـ)، ولم يُؤذِ النبي لا بيد ولا بلسان قبل إسلامه. كتب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رحّب به النبي شخصيًا، كما روى ابن كثير.

شهد غزوة حنين، ونال من النبي مائة من الإبل وأربعين أوقية من ذهب، وشارك في معركة اليمامة. وكان من خيار الصحابة، حتى قال فيه النبي: "اللهم لا تشبع بطن معاوية"، وهو حديث صحيح في مسلم، لكنه دعاء خرج في سياق الغضب، كما وضحه النبي نفسه: "إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه، فأي مؤمن آذيته فاجعلها له كفارة وقربة" [مسلم].

القيادة السياسية والفتوحات

حكم الشام أربعين عامًا، عشرون منها تحت الخلافة الراشدة، وعشرون كملكٍ راشد، وكان محبوبًا في الشام. شهد الفتوحات الكبرى، وقاد أول جيش بحري يغزو في الإسلام وفتح قبرص في خلافة عثمان، وكان ذلك تحقيقًا لحديث النبي: "أول جيش يغزون البحر قد أوجبوا" [البخاري].

كما تولى فتح قيسارية في خلافة عمر، وقاتل فيها قتالًا شديدًا حتى قتل أكثر من 80 ألفًا، وكان عمره آنذاك 33 عامًا.

قال ابن كثير: "انعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته، واستمر الجهاد والغنائم في أيامه، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو" [البداية والنهاية 8/137].

المواقف مع الخلفاء

ولاه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأعمال، ثم أرسله أبو بكر مع أخيه يزيد إلى الشام، ثم تولى بعده، فثبته عمر على الشام. ولما دخل عمر الشام استقبله معاوية بموكب عظيم، فعاتبه عمر، فبيّن له السبب بحكمة، فقال عمر: "لئن كان ما قلت حقًّا إنه لرأي أريب، وإن كان باطلًا إنه لخدعة أديب" [تاريخ الطبري 5/46].

علاقة النسب والشرف

هو أخو أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان، خال المؤمنين. قال الإمام أحمد: "معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين" [السنة للخلال].

وروى الطبراني أن النبي قال له: "جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله... وكيف بك إذا قمصك الله قميصًا؟" في إشارة للخلافة، ودعا له النبي: "اللهم اهده بالهدى، وجنبه الردى، واغفر له في الآخرة والأولى" [المعجم الكبير للطبراني].

الرد على الشبهات والروايات المشكوك فيها

كثير من الروايات التي تطعن في معاوية تحتاج إلى تمحيص، مثل قصة تحريض أبيه له على الحكم بعد تأخرهم في الإسلام، أو وصف هند لابنها بأنه سيد العرب. فهذه روايات ظاهرها التأريخ لكنها تحمل نزعة سياسية وطعنًا غير مبرر في نوايا الصحابة.

خاتمة

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صحابي جليل، كاتب للوحي، خال المؤمنين، دعا له النبي، وقاد الجيوش، وأقام دولة عظيمة، وكان حكمه رحمةً كما وصفه النبي. وإن من أعظم الظلم أن يُطعن فيه من الشيعة أو غيرهم، بعد أن أثنى عليه النبي وأجمعت الأمة على فضله.

المصادر:

صحيح البخاري

  • صحيح مسلم
  • سنن الترمذي
  • السلسلة الصحيحة للألباني
  • البداية والنهاية لابن كثير
  • تاريخ الطبري
  • المعجم الكبير للطبراني
  • السنة للخلال
  • سير أعلام النبلاء للذهبي